Skip to main content

عرس الدم وايام العسل المر–انقلاب البعث الاول 8 شباط 1963

مقالات السبت 06 شباط 2016 الساعة 12:04 مساءً (عدد المشاهدات 5841)

  

 

 

بقلم:سمير الربيعي.

 

 

رغم أن تأريخ العراق مليء بالعنف الدموي وكما يقول الدكتور باقر ياسين،في كتابه تاريخ العنف الدموي في العراق.

الى ان ليلة هرير  8 شباط كان لها وقع اخر ودموية اخرى وحسابات تصفية من نوع صعب توقعه ناهيك عن حدوثه.

في مذكراته، المعنونة بـ«مرآة حياتي»، يقول وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، إن علي صالح السعدي، أحد مؤسسي حزب «البعث» العراقي، (وزير الداخلية العراقية ـ 1963) زار العاصمة السورية دمشق بعيد انقلاب الثامن من آذار 1963، وكان أول أسئلته لرفاقه السوريين: ماكو دم؟ أين المشانق؟

 

خلفية تاريخية...ما قبل الاحداث.

بعد فترة زمنية قليلة من نجاح تنظيم الضباط الوطنيين "أو الأحرار" في العراق في الإطاحة بنظام الحكم الملكي وتحويل نظام الحكم في العراق إلى النظام الجمهوري في عام 1958، بدأت بوادر الخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية والضباط الوطنيين أو "الأحرار"، حيث كانت القوى القومية بزعامة العقيد عبد السلام عارف وحزب البعث تنادي بالوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة. في المقابل، وفي محاولة لخلق حالة من التوازن السياسي، حاول الحزب الشيوعي العراقي الذي كان معارضًا لفكرة الوحدة إلى طرح فكرة التعاون مع الجمهورية العربية المتحدة في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية بدلا من الوحدة السياسية والعسكرية الشاملة.

تدريجيا ساءت علاقات عبد الكريم قاسم مع بعض زملائه من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين أو الأحرار ثم تعكرت علاقته مع التيارات الوحدوية والقومية التي لعبت دورا فاعلا في دعم حركة سنة 1958. أما التيارات المتصارعة في الحزب الشيوعي العراقي فكانت طامحة للتحالف مع عبد الكريم قاسم والتي كانت تمتد علاقتها معه منذ أمد بعيد حيث اعتقد قاسم أن بعض حلفائه الشيوعيين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الوثوب إلى الحكم، وخاصة بعد تزايد نفوذ الحزب الشيوعي بعد ذلك الشعار التي كان يردده الكثير من الشيوعيين ومؤيدي الحكومة في إحدى المسيرات: "عاش الزعيم عبد الكريم، حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيم"

 

الاطاحة ب عبد الكريم قاسم...

يقول مراسل صحيفة جويش اوبزرفر الخاص في بغداد بتاريخ 8 آذار 1963، عن انقلاب 8 شباط 1963من المستحيل تماماً فهم ما يجري هنا – وخصوصاً فهم العلاقات الخارجية للنظام – من دون أن يدرك المرء كلياُ لماذا وكيف جرى الاطاحة بقاسم. انها قصة مثيرة، حتى بمقاييس أكثر حكايات ألف ليلة وليلة إثارة للخيال.

تداخلت مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية وهيأت الظروف المناسبة للإطاحة برئيس الوزراء العميد عبد الكريم قاسم وأركان حكمه، فيرى بعض المؤرخين أن من أسبابها ما وصفوه بتخبط وفردية قاسم والأخطاء التي ارتكبها بإعدام القادة والوطنيين وأعمال العنف التي قامت بها المليشيات الشيوعية المتحالفة مع قاسم والخلاف مع المشير عبد السلام عارف الذي كان قيد الإقامة الجبرية، علاوةً على تصرحات قاسم المتكررة عن دعمه للعميد السوري عبد الكريم النحلاوي وللعقيد موفق عصاصة، بغية القيام بانقلاب لغرض انفصال الشطر السوري الذي كان متوحداً مع مصر في إطار الجمهورية العربية المتحدة. كما أن لعبة السياسة الدولية ومصالحها كان لها دور في تشجيع أو تأييد الخصوم أو جني ثمار نزاعات الأطراف المتصارعة، كل ذالك مهد للاحداث المتسارعة وعلى الرغم من هذه الخلافات الفكرية والسياسية إلا أن جذور العلاقة الطويلة الاجتماعية والمهنية بدت وكأنما أزيل عنها الغبار. ففي الوقت الذي يبدو فيه أن عبد الكريم قاسم لم يكن جاداً بإتخاذ الخطوة الأخيرة بإعدام عارف وكأن العملية برمتها لعبة إقصاء وردع بين متنافسين، إتخذ عبد السلام عارف موقفاً مشابهاً حين أرسل قادة حركة أو انقلاب أو ثورة 8 شباط 1963 عبد الكريم قاسم للمحاكمة في دار الاذاعة، حيث وجد نفسه مرةً ثانيةً وجهاً لوجه مع صديقه اللدود الذي اعفى عنه وسمح له حتى لزيارة بيت الله الحرام فإنبرى عارف وباصرار أمام معتقليه أعضاء تيار علي صالح السعدي من حزب البعث بل في جاءت النهاية رضخ عبد السلام عارف لزملاء اليوم وكان هو من قرر الإعدام وبصورة عاجلة وبدون أية محاكمة لعبدالكريم قاسم في دار الاذاعة.

أعدم عبد الكريم قاسم اثر انقلاب 8 شباط فبراير 1963م، وكان حين نفذ فيه حكم الاعدام رمياً بالرصاص في مبنى إذاعة دجلة في العاصمة بغداد.

 

يقول حازم صاغية:في كتابه  قصة البعث في العراق...

ومن دون التقليل من شعبية قاسم، لعب بعض سياساته لمصلحة البعث. فالإفادة التي جناها حكمه من الانفصال السوري عن العربية المتحدة في أيلول (سبتمبر) 1961، بدّدها تجدد الحرب الكردية في الشهر نفسه. وكان انقلاب تموز (يوليو) 1958 استقبل الملا مصطفى البارزاني في بغداد، بعد اقامة طويلة في موسكو، ثم ساعده على إخضاع العشائر المنافسة له، ما وضع السلام في كردستان على أجندة التفاؤل. كذلك عاودت علاقات قاسم تردّيها مع الشيوعيين، بعدما نظّموا في أيار (مايو) 1962 مظاهرة ضخمة تطالب بالسلام العربي الكردي. وكان "الزعيم الأوحد" اطمأن الى أن مصدر الخطر عليه أضحى ينحصر في الشيوعيين والاكراد، إذ القوميون يضمّدون جراحهم، لا سيما وقد ابتعد شبح عبد الناصر عن دمشق.

وما بين استياء راح يعم سلك الضباط، وتدهور في الوضع المعيشي، وآثار غير سارّة خلّفتها مغامرة قاسم الكويتية في حزيران (يونيو) 1961، وسمعة تجمع بين دموية النظام ومزاجية القائد العُظامي، لاح التجرؤ ممكناً على السلطة المرهوبة.

وبالفعل ففيما كان الشيوعيون يتظاهرون ويجددون ارتياب الحكم بهم، مؤكدين أن تناقضات قوى "الوطنية العراقية" من نوع انفجاري، كان وكرٌ في بغداد يؤوي حدثاً غير عادي. فقد نجح السعدي، بخليط من النزعتين التآمرية والبطولية، في ان يعقد مؤتمراً سرياً للحزب في قلب العاصمة، تشكلت على ضوئه القيادة التي ستتولى الانقلاب. في هذه الغضون، ومن تحت الأرض أيضاً، أسس "جبهة قومية" ضمّت الى البعث بقايا الاستقلاليين والمجموعات العروبية والناصرية الصغرى.

فحتى ذاك الحين لم يكن خلاف عبد الناصر والبعث قد انعكس على العراق وقومييه بالحدّة التي عرفها في سورية. ذاك أن أمر اليوم، لدى أتباع العروبة في بغداد، ظل واحداً لا يتغير: قطع الرأس الأحمر.

 

هكذا تكلم طالب شبيب عن عبدالكريم قاسم...

 

عرض هنا شهادات رجل كان مؤثراً في أحداث العراق لفترة من الزمن، انه طالب شبيب وزير خارجية حكم البعث في انقلاب (14 رمضان – 8 شباط / 1963)، يقول شبيب لمحاوره الدكتور علي كريم سعيد وهو يستعيد المشهد: (قررت أن لا أقول ولا أفعل الا ما أعتقد انه صحيح وحقيقي فلا أكذب مهما كان الثمن والتبعات)، يقول عنه الدبلوماسي (مشتاق طالب): (عندما قابلته وجدته أحسن بعثي سلوكاً وأرفعهم أدباً وأكرمهم خلقاً)، كما مدحه عبدالناصر في رسالة نشرها هيكل في كتاب (سنوات الغليان).

كان وطنياً وراعياً لمصالح الفقراء، ولم تكن مشاريعه تهدف الى الدعاية وانما آمن بها ونفذها باندفاع وحماس، لكنه كان دكتاتوراً فردياً، أساء الى جميع الأحزاب، كان عليه أن يفسح المجال لجميع الأحزاب بالعمل، وان يستفتي الشعب على دستور دائم ولانتخابات ديمقراطية، والجميع واثق من انه سيفوز برئاسة الجمهورية، وفي كل الأحوال فقد كان قاسم لا يستحق المصير الذي آل اليه.

وأخيراً فقد كان من الصعب علينا وصف قاسم بأوصاف تدينه غير الفردية، كان عفيف اليد، وكانت عيناه شبعا نتين فلم يطمع وهو حاكم العراق الوحيد ببستان أو قطعة أرض، في حين سعى كل حكام العراق الذين سبقوه والذين خلفوه للكسب والاستيلاء وسرقة المال العام، خصوصاً كتلة صدام وخيرالله طلفاح والحيتان من أنجالهم وأصدقاء أنجالهم.

ويضيف شبيب: سن قانون رقم (80) وبموجبه أمّم 99.5% من الأراضي النفطية، وسلَّم مصر جميع الوثائق السرية في الخارجية العراقية والتي تخص مصر وسوريا والعائدة إلى العهد الملكي وحلف بغداد، تأسست في عهده منظمة أوبك، وأسس صناعة الصلب والاسمنت، لم ينتفع ولم يسمح لغيره أن ينتفع بصورة غير شرعية، ولم يخض حروباً بالنيابة وغير ذلك كثير وكثير مما يؤكد ان خصومه لم يعترضوا عليه الا بسبب الصراع على توزيع المراكز في السلطة، فاستعانوا بجهات اقليمية ودولية لها مصالح في العراق لاسقاطه.

 

سلطة البعث بعد الانقلاب...

لم يكن حزب البعث قد وضع له أي برنامج، سواء قبل استلامه السلطة ولا بعدها، وكل من كان لديه هي شعاراته حول الوحدة، والحرية، والاشتراكية !!!،

تلك الشعارات التي أستخدمها عند قيام ثورة 14 تموز مباشرة، لشق جبهة الاتحاد الوطني، واللجنة العليا للضباط الأحرار، وتبين فيما بعد أن تلك الشعارات لم تكن إلا وسيلة للوثوب إلى السلطة ، فلا وحدة ، ولا حرية، ولا اشتراكية ، بل كان جُلّ همهم يتركز حول وسائل تثبيت حكمهم، والسيطرة على المرافق العامة للدولة  العسكرية منها والمدنية، وقد جرّت سياستهم تلك إلى فرض حكم الحزب الواحد، وتقليص دور شركائهم القوميين، مما أدى إلى قيام، وتنامي الصراع بين الجانبين بعد فترة وجيزة.

 

الحرس القومي...

كانت تنظيمات حزب البعث العربي الشت ا ركي تعمل وفق مبدأ التنظيم شبه العسكري. فهي من حيث

المبدأ تنظيمات مدنية, ولكنها تتحول في اللحظة المنشودة وعند الضرورة إلى تنظيمات عسكرية

مدربة على استخدام السلاح. وكانت هذه الجماعات المنظمة حزبياً هي التي تمارس تنفيذ ق ا ر ا رت

قيادة حزب البعث بعدة اتجاهات:

لقد اعتمد البعثيون في تحقيق آمالها  يوسعون قاعدة حرسهم حتى وصل تعداده إلى  ألفاً، هادفين من ذلك إلى أن يكون لهذه القوات اليد الطولى، متجاوزين على الجيش، حتى وصل بهم الأمر إلى التجاوز على ضباط الجيش، وتوقيف بعضهم، وتفتيشهم، وأهانتهم ، وبلغ بهم الاستهتار حدوداً بعيدة .

لكن حسابات البعثيين كانت خاطئة،  فالحرس القومي مهما بلغ تعداده ، فهو لا يصل إلى تعداد قوات الجيش، كما أن السلاح الذي يمتلكه الحرس القومي لا يمكن أن يقاس بما لدى الجيش من أسلحة ثقيلة، ومعدات ، وطائرات، وخبرات قتالية، وإمكانات مختلفة، هذا بالإضافة إلى افتقار الحرس القومي، وقيادته إلى الحكمة، والتبصر، فقد اتسمت كل تصرفاتهم بالاستهتار والتسرع والهمجية، مما أفقدها أي تعاطف سواء كان من الشعب، أو من الجيش، وزاد في الطين بله، سعيهم إلى تقليص نفوذ الضباط القوميين داخل الجيش، مما دفع بالصراع بين الطرفين إلى مرحلة أعلى، وبعد اقل

من تسعة أشهر حُسم الصراع لصالح القوميين ، وتم إسقاط سلطة البعث .

 

دواعي تشكيل الحرس القومي...

ايجاد تشكيلة شبه عسكرية خاصة بحزب البعث كبداية للهيمنة على المؤسسة العسكرية إذ لم يكن لحزب البعث العربي الاشتراكي نفوذ مؤثر في صفوف الجيش العراقي لاسيما بين الجنود وضباط الصف وكانت فقط هناك مجموعة من الضباط البعثيين المعروفين امثال صالح مهدي عماش وحردان عبد الغفار التكريتي و عبد الكريم مصطفى نصرت ومنذر الونداوي إلى جانب احمد حسن البكر كأقدم ضابط بعثي وعدد من صغار الضباط، بينما كان الضباط القوميون بمختلف الفصائل القومية بقيادة عبد السلام محمد عارف يشكلون الاكثرية عند القيام بالانقلاب ويهيمنون على القطعات المهمة في الجيش العراقي والاجهزة الامنية العراقية، وتم تشكيل الحرس القومي على غرار المقاومة الشعبية التابعة للحزب الشيوعي العراقي سابقا في عهد عبد الكريم قاسم باسم حماية الثورة .

 

نهاية الحرس القومي...

كان رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة المشير عبد السلام عارف يراقب باهتمام كبير ممارسات الحرس القومي فأصدر أوامره إلى قادة الجيش للقضاء على الحرس القومي، وكان ضباط الجيش الذين كانوا يشكون من تصرفات وممارسات هذا الحرس متلهفين للتخلص من ميليشيات الحرس القومي وقامت قطعات من الجيش تساندها بعض الدبابات والاليات المدرعة مساء يوم 17 تشرين الثاني 1963 باحتلال المقر العام للحرس ودارت المعارك حتى عصر يوم 18 تشرين الثاني 1963 وتمكن الجيش من القضاء على الحرس القومي واعتقال معظم قادة حزب البعث وعلى رأسهم رئيس الوزراء احمد حسن البكر وانتهى عهد حزب البعث وتشتت تنظيماته واصدر عبد السلام عارف صبيحة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) )بيانا يبشر العراقيين بالقضاء على حزب البعث وحل الحرس القومي الذي وصفه بالحرس اللاقومي.

 

قيادة حزب البعث...

ولابد من الاشارة هنا إلى أن قيادة حزب البعث كلها، كانت من العناصر الشابة، التي ينقصها الخبرة السياسية، فقد كان 4 من أعضائها في العشرينات من عمرهم و11 في الثلاثينات، واتسمت قراراتها بالتسرع والتهور، والصراع فيما بينهم على السلطة.

لقد أدرك مؤسس الحزب [ ميشيل عفلق ] تلك الحقيقة ، وعبر بوضوح عن حال تلك القيادة في أحد الاجتماعات الحزبية المغلقة حيث قال :

{ بعد الثورة، يقصد انقلاب 8 شباط، بدأت اشعر بالقلق من فرديتهم ، وطريقتهم الطائشة في تصريف الأمور، واكتشفت أنهم ليسوا من عيار قيادة بلد وشعب، بل إنهم يصلحون فقط لظروف " النضال  السلبي "}، ولا يعني ذلك إلا الأعمال الإرهابية، كالاغتيالات، والاعتداءات ، وغيرها من الأعمال الإجرامية التي كانوا يمارسونها قبل انقلابهم .

أما [أحمد حسن البكر] رئيس الوزراء، فقد ذكر لعفلق قائلاً:

{ كنت في السابق ألاحظ المحبة في عيون الناس، أما الآن فإني اهرب إلى الشوارع الخلفية غير المطروقة للابتعاد عن عيون الناس، وتجنب نظرات الكراهية }.

أما ثالثهم [علي صالح السعدي] أمين سر الحزب، ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، فقد صرح قائلاً:

{ لقد ضعنا في الحكم، وكان انقلاب شباط يمثل قفزة نحو المجهول}.

أشار إسماعيل العارف في مذكراته ما نصه:

[وتشاء الصدف أن ألتقي علي صالح السعدي سنة 1964 في مصيف بحمدون في لبنان وكان هارباً من العراق مطارداً من سلطات عارف وكان في حالة مزرية، رث الثياب، بائساً فذكرته بما قلت له عن عبد السلام عارف عندما كان يحاورني أثناء توقيفي، فأجابني قائلاً: لم يكن بيدي كل شيء(63)، ما كنا نعرف ذلك، ولكن الذين كانوا وراءه غلبونا لقد كنا في قطار أمريكي.

 لقد كانت القيادة  تتسم بالتهور لا تمتلك أية خبرة سياسية ، وقد دفعها حقدها الأعمى على الحزب الشيوعي، وعلى الزعيم عبد الكريم   قاسم ورفاقه الوطنيين  قادة ثورة الرابع عشر من تموز ، وكان التعذيب والقتل وسيلتهم الوحيدة لتثبيت حكمهم الفاشي.

 

 وقوع انقلاب بعثي في سوريا،ومشروع الوحدة الثلاثية.

لم يكد يمضي سوى شهر واحد على وقوع انقلاب 8 شباط 963 في العراق ، حتى قام البعثيون السوريون بانقلاب عسكري في سوريا، في 8 آذار 963، بقيادة [ لؤي الأتاسي ] بالتعاون مع عدد من الضباط الآخرين، وقد أثار الانقلاب السوري موجة عارمة من الفرح لدى انقلابيي 8 شباط في بغداد، وتملكهم الغرور، وشعروا أن العالم العربي قد أصبح رهن أيديهم، وجرى لقاء بين قادة الانقلابيين في العراق وسوريا،  وبدءوا يخططون لمشروع وحدة ثلاثية، تضمهم إلى جانب العربية المتحدة، بشروطهم الخاصة، وفي ذهنهم أن يكون لهم اليد الطولى في تقرير أمور الوحدة المنشودة.

وبالفعل سافر وفد من بعثي العراق وسوريا، إلى القاهرة،في شهر آذار 1963 حيث تم اللقاء مع الرئيس عبد الناصر، وجرت مفاوضات بين الأطراف الثلاثة حتى شهر نيسان لإقامة وحدة ثلاثية خلال سنتين يجري خلاها التنسيق بين الأطراف في المجالات المختلفة، وكان المشروع لا يعدو عن كونه أدنى من [الاتحاد الفدرالي] الذي وقف البعثيون ضده بقوة عند قيام ثورة 14 تموز 1958، مطالبين بالوحدة الفورية!! .

وبعد مفاوضات طويلة بين الأطراف الثلاث تم عقد [اتفاقية 17 نيسان 963 ]، لإقامة علاقات وحدوية مع العربية المتحدة، لكنها لم تصل إلى حتى مستوى الاتحاد الفدرالي، وعاد الوفدان العراقي والسوري إلى بلديهما، ولم يلبث الاتفاق المبرم أن تلاشى وتم نسيانه بحلول شهر تموز، وأدرك الرئيس عبد الناصر أن البعثيين لم يكونوا صادقين في شعاراتهم ونواياهم، وخاب أمله بهم وبحزبهم .

ومما زاد في الطين بله، اشتداد التناقض بين البعثيين والقوميين ، ومحاولة البعثيين تحجيم العناصر القومية والناصرية والحركية ، الذين حُرموا من المشاركة في المنظمات المختلفة، ومما زاد في تأزم العلاقة بين الطرفين وقوع مصادمات بين أتباع تلك الحركات وقوات الحرس القومي في الموصل وبغداد، وغيرها من المدن الأخرى، ووقوع عدد من القتلى بين الطرفين، مما حدا بمجلس قيادة الثورة الذي يسيطر عليه البعثيون أن يصدر بياناً في 25 أيار وَصفَ فيه الحركيين بالرجعيين والأذناب والانتهازيين، وبأنهم عناصر حاقدة تدبر مؤامرة سوداء ضد الدولة، وضد حزب البعث.

ورد الحركيين على بيان الحزب، واصفين تلك التهم بأنها زائفة، ولا تعدوا عن كونها محاولة خسيسة لتصفية العناصر الوحدوية داخل الجيش وخارجه.    

لقد كان الشقاق الذي حصل بين حزب البعث وبين القوميين والناصريين

والحركيين لا يعني إلا الشقاق بين حزب البعث وعبد الناصر، أما في سوريا فقد سارت الأمور هناك نحو الأسوأ، فقد حدث انشقاق في صفوف حزب البعث، وظهر حزب جديد يقوده [ صلاح جديد] و[حافظ الأسد] و[محمد عمران] وأعلنوا معارضتهم إقامة أية وحدة مع العربية المتحدة، متأثرين بالظروف التي آلت إليها سوريا خلال تجربة الوحدة السورية المصرية عام 1958.

وكان هؤلاء الضباط ذوي تأثير ونفوذ كبيرين في صفوف الجيش، وثبتوا أقدامهم بعد انفصام الوحدة، وعملوا على تطهير الجيش من العناصر القومية المؤيدة للوحدة.

وهكذا كان الفتور في التوجه الحقيقي نحو الوحدة بادياً للعيان، وانتهى الاتفاق بعد وقت قصير من ولادته، وبدأ عبد الناصر يوجه سهامه نحو عفلق وصلاح الدين البيطار متهماً إياهم بالخيانة لقضية الوحدة .

حاول عبد السلام عارف مصالحة عبد الناصر مع البعثيين، إلا أنه فشل في مسعاه، وتوسعت الخلافات بين البعثيين وعبد السلام عارف، والضباط القوميين في صفوف الجيش، وباتت تنذر بالخطر على سلطة حزب البعث.

وهكذا  تخلى البعثيون عن شعار الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، ذلك الشعار الذي رفعوه منذُ اليوم الأول لثورة 14تموز، وكان سبباً في شق وحدة جبهة الاتحاد الوطني، وحركة الضباط الأحرار، وفي الصراع السياسي الذي تبع ذلك بين القوى ذات التوجه الديمقراطي، والقوى ذات التوجه القومي، والذي أدى بدوره إلى انتكاسة ثورة 14تموز، وقد اثبت الأيام بعد وثوبهم إلى السلطة عبر انقلاب 8 شباط 63 أنهم استخدموا ذلك الشعار، واسم عبد الناصر للوثوب على السلطة وفعل نفس الشيء شريكهم عبد السلام عارف بعد انقلابه على البعثيين.

 

الموقف من عبد السلام عارف :

في 11 شباط 1963، حدث بين قيادة البعث وعبد السلام عارف، الذي نصبوه رئيساً للجمهورية،  صِدامٌ مكشوف، مما دفع علي صالح السعدي، أمين سر القيادة القطرية للحزب، إلى أن يطرح موضوع بقاء عبد السلام عارف أو إزاحته من منصبه، قائلاً:

{ إن عبد السلام عارف سوف يثير لنا الكثير من المتاعب، وربما يكون خطر علينا، إلا أن أغلبية القيادة لم تأخذ برأي السعدي خلال اجتماع القيادة في دار حازم جواد، وقد هدد السعدي بالاستقالة إذا لم تأخذ القيادة برأيه، لكنه عدل عن ذلك بعد قليل، وبعد نهاية الاجتماع ذهب حازم جواد إلى عبد السلام عارف، وأخبره بما دار في الاجتماع، وحذره من أن السعدي ينوي قتله والتخلص منه}.

كشف  حازم جواد لنا في سلسلة ( يتذكر) المنشورة في جريدة الحياة اللندنية تفاصيل الانقلاب الدموي والكثير بما يتعلق بتاريخ ومسيرة البعث العراقي

يتحدث حازم جواد من منفاه اللندني بعد صمت دام لسنوات...

وحازم جواد كما يذكر الباحث المرحوم علي كريم في مقدمة كتابه ( عراق 8 شباط 1963. من حوار المفاهيم الي حوار الدم، مراجعة في ذاكرة طالب شبيب الصادر عن دار الكنوز 1999) واحد من اربعة اشخاص لاتكتمل صورة 8 شباط اذا لم تدون شهادتهم وهم علي صالح السعدي أمين سر الحزب ونائب رئيس الوزراء ووزير الارشاد ( صاحب المقولة المشهورة حول وصول البعث العراقي في 1963 للسلطة بواسطة القطار الامريكي – التاكيد من عندي)، وحازم جواد وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية ( وهو القائد الفعلي والأساسي الذي وقف علي راس الاحداث)، وطالب شبيب وزير الخارجية وعضو القيادتين، واحمد حسن البكر.

(يتذكر) حازم جواد بعد سقوط صدام وربما يتوارد للقراء في البداية أن الصمت الذي لفه كان بسب الخوف من ارهاب النظام الذي امتد لكل معارضي النظام والمطلعين علي تاريخ وأسرار نظامه وحزبه، ولكن يظهر من هذه الذكريات انها لم تحتوي ذلك القدر المخيف والهام من المعلومات وكشف الاسرار، عما جرى كشفه سابقا او لما هو متداول من معلومات سابقة من رفقاء صدام نفسه بل على العكس من هناك الكثير من الدلائل تشير ان قدر وافي من الاسرار التي تتعلق بتاريخ هذا النظام وحزبه وخاصة في مرحلة الانقلاب المشوؤم في 1963 يجري االتكتم عليها او كشفها بشكل ناقص او اعادة صياغتها. وبتقديري انه ليس سقوط النظام وارهابه هو الذي حرك (ضمير) هذا القائد الفعلي واللاعب الاساسي في 1963 وما بعدها، ولكن يظهر ان القضية التي كرس لها شبابه وجهده وهي قتل الزعيم عبدالكريم قاسم وإبادة الحزب الشيوعي العراقي من أجل تحقيق اهدافهم القومانية والتي لم يحققوا لاحقا أي شى منها، عادت من الجديد للظهور وبقوة منقطعة النظير، فما ان سقط النظام حتى انطلقت الجماهير العراقية وبشكل عفوي للتغنى بذكريات الزعيم وامجاده وترفع صوره وتطلق اسمه على احد الساحات وبعض المناطق او المشاريع المزمع القيام به، بل وكنست الي المزبلة كل من تمثال احمد حسن البكر احد المشاركين في اعدام قاسم ورفاقه الابطال في الاذاعة ورئيس الوزراء في عهد الانقلابين ورئيس الجمهورية لاحقا، وتمثال الغريري، احد المساهمين الاساسين في محاولة أغتيال عبدالكريم قاسم في 1959 والتي اغتيل في هذه العملية برصاص المشاركين الاخرين، والذي عمل البعث ونظام صدام لاحقا على تصويره بطل وطني وقومي واقام تمثال له واطلاق اسمه على الساحة التي يتواجد فيها التمثال وبهذه الطريقة ردت الجماهير العراقية ( الفضل) لهولاء( الابطال)، و ما مظاهرة 14 تموز بعد سقوط النظام الا احد الأعراس الشعبية للاحتفال بذكرى الثورة وقائدها،. أما قضية الحزب الشيوعي والذي تقترب الذكرى السبعين لتاسيسه، فقد أكدت الاحداث بعد سقوط النظام جذوره العميقة في المجتمع العراقي ونفوذه رغم كل الارهاب والمحن التي مرت عليه، وعادت راياته تنشر اجنحتها من شمال الى جنوب العراق.

ان فترة 8 شباط أحلك فترة من تاريخ العراق السياسي المعاصر، وان الخط البياني للتطور منذ ذلك التأريخ يهبط باستمرار الى الحضيض بل وصل في 9/ نيسان/ 2003 الى مستويات سحيقة ولأسفل السافلين.

 قال  قادة انقلاب شباط 1963 من البعثيين والقوميين، بانهم جاؤوا من اجل تحقيق الوحدة العربية، واستبدلوا علم الجمهورية الفتية بعلم ثلاثي النجوم (مصر والعراق وسوريا)، فلم يحققوا تلك الوحدة الثلاثية المنشودة في نهاية الامر، بل شنوا حربا كلامية شعواء ضد عبد الناصر وضد سوريا. ثم جاء القوميون العرب والناصريون في انقلاب عبد السلام عارف في تشرين 1963 لاعلان الوحدة المفقودة، فلم يحققوها خلال خمس سنوات من حكمهم شبه المسالم والمستقر. وعاد البعثيون في انقلاب 17 – 30 تموز 1968، من اجل "الامة العربية الواحدة"، فلم تتحقق الوحدة بعد ثلاثين عاما من حكم صدام حسين التوليتاري.

ولم تكن للانقلابيين الجدد في حركة تشرين الانقلابية على حكومة وميليشيا الحرس القومي، اية طموحات او منهاج او حتى رؤى مستقبلية واضحة، اللهم الا ما ابتدعوه بعد فشلهم من فرض تنظيم (الاتحاد الاشتراكي) المشابه لما كان موجودا في مصر عبد الناصر، باطلاق شعار، من اجل تحقيق "الاشتراكية الرشيدةّ" في العراق.

تقريباً، لم يبقَ من البعثيين العراقيين إلا حفنة ظلال حول الرئيس صدام حسين في العام 2003. ولعل الدبلوماسي والبعثي العريق جهاد كرم، يوجز في كتابه «بعثيون من العراق كما عرفتهم»، آليات الطحن الذاتي التي رافقت مسيرة «البعث» العراقي منذ العام 1963 وحتى العام 2003، وليستقر القابضون منهم على ماضيهم، مستشارين عسكريين للخليفة الأوحد أبي بكر البغدادي، أو متحالفين معه، كما هي حال عزة الدوري، قائد «جيش النقشبندية».

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

المصادر--------

ا- الحوار والراي الحر » المنبر السياسي » جمهورية البعث الأولى 8 شباط ـ 17 تشرين الثاني 1963.

2- بحوث ودراسات:  ( انـقلاب 8 شـباط 1963) .. ذاكرة طالب شبيب.. دروس وعبر.

3-الخلافات والتمزق في قيادة انقلابي 8 شباط - حامد الحمداني.

4- صفحات دموية لتأريخ اسود خطه البعث في العراق: حازم صاغية .

5- لم يكن لانقلابيي تشرين على حكومة الحرس القومي أي طموحات أو منهج واضح:د. فائق بطي.

6- من حوار المفاهيم إلى حوار الدم:د.علي كريم سعيد.

7 - أوكار الهزيمة:هاني الفكيكي.

8 - «بعثيون من العراق كما عرفتهم» جهاد كرم.

9 - من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963:عقيل الناصري.

10 -  أسرار ثورة 14 تموز وتأسيس الجمهورية في العراق:إسماعيل العارف،

 

 

 

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة