Skip to main content

صدام حسين الصعود الغريب واللغز المحير..الرئيس والسيد النائب.

مقالات الأربعاء 27 كانون ثاني 2016 الساعة 13:43 مساءً (عدد المشاهدات 8623)

 

 

بقلم : سمير الربيعي

 

تعتبر الفترة الممتدة بين عامي 1968 -1979 فترة مليئة بالتطورات التي شهدها العراق في ظل حكم البعث.خفايا واسرار لازالت طي الكتمان. رحلة في الذاكرة  برنامج حواري سياسي تاريخي من إنتاج وبث قناة روسيا اليوم الناطقة بالعربية، يقدمه المذيع خالد الرشد.قدم هذا البرنامج حلقة خاصة ممتعة ومشوقة  عن وصول صدام الى السلطة وكيفية ازاحة الرئيس البكرعن طريقه. وطرح البرنامج تساؤلات كثيرة واطروحات اكثر وشهادات من داخل حلقة الصراع ومن يقف خلفها ومن يقف امامها ومن اخذ جانب التقية فيها ومن صمد للاخر؟؟؟ وهل كان لدوائر المخابرات المركزية الأمريكية،دور في ذالك؟ ام ان الرئيس البكر كان فعلا مريض واراد الراحة في خواتيم عمره؟ لقد كتب الكثير من المذكرات عن تلك الفترة الدامية من تأريخ الصراع على العراق وعن العلاقات الامريكية  وحزب البعث العراقي الا انها زادت من حيرتنا خلال بحثنا عن تفاصيل اوسع وادق حول حقيقة الدور الامريكي في العراق. حقيقة ام وهم...

آن مذكرات اكرم الحوراني و طالب شبيب وتصريحات علي صالح السعدي امين سر الجناح اليساري لحزب البعث انذاك التي اكد فيها بان البعثيين وصلوا الى السلطة على ظهر دبابة امريكية ينفيها الجناح الاخر من الحزب كما آن مذكرات هاني الفكيكي (اوكار الهزيمة)لا تعيننا كثيرا في تقديم تفسيرات ووقائع معززة بالوثائق والادلة والاعترافات الرصينة حول الدور الذي قامت به واشنطن في اسقاط جمهورية الزعيم واعدام المئات من كوادر الحزب الشيوعي العراقي حسب ادعاءات هؤلاء الساسة والمؤرخين . عندما حلت الذكرى الحادية عشر لانقلاب 17 تموز 1979، فوجئ الشعب العراقي بإعلان استقالة الرئيس البكر في 16 تموز 1979، وتولي صدام حسين قيادة الحزب والدولة، حيث أعلن نفسه رئيساً للجمهورية، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة، وقائداً عاماً للقوات المسلحة. ، مانحاً نفسه أعلى رتبة عسكرية في الجيش[ مهيب ركن].

أما كيف ولماذا تم هذا الانتقال للسلطة من البكر إلى صدام  فقد اختلفت أراء المؤرخين والباحثين، إلا أن المتتبع لتطورات الأوضاع السياسية في البلاد، وما أعقبتها من أحداث خطيرة، يستطيع أن يتوصل إلى بعض الخيوط التي حيك بها الانقلاب،ومن كان وراءه!. هذا ماقدمه  برنامج  رحلة في الذاكرة.وقلب به الاوراق.

قال صدام حسين لكاتب سيرته الصحافي اللبناني فؤاد مطر لم يكن أحمد حسن البكر في وضع صحي ميؤوس منه ، لكنه كان لا يحتمل أن يأتي يوم يقرأ في أعين العراقيين وغيرهم تساؤلات عن وضعه، من نوع: ماذا ينتظر لكي يرتاح؟ وهل يريد أن يكون مثل الجنرال فرانكو الذي اختار من يخلفه، لكنه رفض حتى لحظة رحيله أن يتخلى عن الحكم؟ [كتاب: صدام حسين/السيرة الذاتية والحزبية ص(69 ـ 70 ] . وبحسب رواية جواد هاشم (وزير التخطيط في حكومة البكر وصدام حسين لعدة سنوات )

 كانت تنحية البكر عام 1979 أشبه بانقلاب أو تنازل جبري تم في منزل خير الله طلفاح خال صدام ووالد زوجته، وبحضور كل من صدام والبكر، وهيثم بن البكر، وعدنان خير الله، وجرى شجار في ذلك الاجتماع أطلق فيه الهيثم النار على عدنان خير الله، ولكن البكر الذي فهم اللعبة تماما أعلن تنازله عن رئاسة الجمهورية وجميع مناصبه لأسباب صحية, واعتزل الحياة السياسية والعامة حتى وفاته.

دلائل الانقلاب... أن هناك العديد من الدلائل التي تشير إلى أن ذلك الانقلاب كان قد جرى الإعداد له في دوائر المخابرات المركزية الأمريكية، وأن الانقلاب كان يهدف بالأساس إلى جملة أهداف تصب كلها في خدمة المصالح الأمريكية،  والذي كان يعاني حسب ماقيل  من مرض باركنسون " parkinson disease" أو ما يعرف بمرض الشلل الرعاشي، و ما يشاع حول هذا الموضوع، إذ تبين صحة ما قيل ان صدام حسين اجبره على تقديم الاستقالة في 16 يوليو عام 1979م، فقد لفق حزب البعث اكذوبة إن اطباء قاموا بمعاينة الرئيس أحمد حسن البكر قبل أكثر من شهر من استقالته وكانت اعراض مرض باركنسن واضحة عليه "رجفان في يديه و رأسه" مما حال دون مقدرته على أداء واجبه كرئيس للدولة. يرى عدد غير قليل من الساسة والباحثين العراقيين بأن واشنطن لم تكن بعيدة عن الدفع بصدام حسين لتسلم القيادة العراقية من احمد حسن البكر الذي كان شديد التوجس من الأمريكيين ورافضا لأي تورط عسكري خارجي ضد ايران بعد نجاح المؤسسة الدينية في إسقاط نظام الشاه عام 1979 .

كما ان قياديين بارزين في حزب البعث ومقربين من دمشق اتهموا المخابرات الأمريكية بأنها كانت وراء تصفية قيادة الحزب عام 1979 على يد صدام حسين لان اغلبهم كانوا من ذوي التوجهات الوحدوية مع سوريا والتحالف مع المعسكر الاشتراكي .

لقد برزت أهمية العراق في الاستراتيجية الامريكية بعد سقوط عرش الطاووس الشاهنشاهي على يد اية الله الخميني وغزو السوفيت لافغانستان الذي اوقع الامريكيين في مأزق استراتيجي خطير, ولم يكن بأمكان الولايات المتحدة التورط في حرب قد تكون اشد قسوة من فيتنام .

الرئيس احمد حسن البكر...

ويقول عنه حسن العلوي أنه نصف عسكري ونصف حزبي ووصفه بعدم الجاذبية قائلاً " لا أظن أن عبد الكريم قاسم ومهما حاول أن يستحظر أسماء خصومه الذين سيخلفونه كان سيضع أسم البكر واحداً منهم".

وقال عنه هاني الفكيكي " البكر شخصية موهوبة القدرة على توظيف مظهره البسيط وقدراته الفكرية والسياسية المحدودة ، وكثيرون هم أولئك الذين خدعوا به ووسموه بالسذاجة لكنه يستبطن مكراً لا حدود له ، وقدرة على خداع الخصم والغدر به" يصف جواد هاشم في كتابه مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام0  البكر بأنه "كان البكر بسيطا ومتواضعا في مسكنه وملبسه وتصرفه مع عائلته، وكانت بساطته في شؤون الدولة الاقتصادية والمالية تصل إلى حد السذاجة، وكان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة، إلى الحد الذي يدعو إلى التساؤل: كيف يستطيع الرئيس التفكير إستراتيجيا؟ وهل لديه الوقت للتفكير. كشف صلاح عمر العلي، أحد قادة حزب البعث السابقين ما نصه

 في 1974 دخلت مكتب الرئيس أحمد حسن البكر وكانت علاقتي به وثيقة. شرحت له ظروفي وقلت انني جئت لتقديم استقالتي. نهض البكر فجأة ووقف وراء الكرسي واختلطت مشاعر الغضب والألم في عينيه. قال البكر (...) على هذه الكرسي. ما هذه الرئاسة؟ أخ ما أغباك يا أبو هيثم (عن نفسه)  كيف قبلت معهم ان تتولى هذا المنصب. كم كان أفضل لو لم تفعل".

ويضيف العلي: "انتابتني حال من الذهول الكامل، فالمتحدث هو أحمد حسن البكر الرجل الذي يرفق اسمه كلما ورد بأرفع الألقاب الرسمية والحزبية والعسكرية. وهو رجل معروف وصاحب تاريخ ويفترض الآن انه صاحب الكلمة الأخيرة. أدرك البكر ذهولي فسارع الى القول: جئت لتقديم استقالتك؟ لا أنت تستطيع الاستقالة ولا أنا استطيع. إننا أسرى".

وأضاف االعلي: "في السنوات الأخيرة كان البكر يعرف تماماً انه صار محاصراً من كل الجهات. كان يعرف ان ولاء حراسه صار للسيد النائب. لم يعد يجرؤ على التحدث عن صدام بشكل سلبي لا في مكتبه ولا في منزله خوفاً من ان تكون للجدران آذان".

لا غرابة ان يغدر الرجل الثاني بالرجل الأول، لكن ما فعله صدام مع الرجل الذي رعاه واتكأ عليه يفوق الوصف فعلاً. كان صدام يأمر وسائل الاعلام بتبجيل "الأب القائد" لكنه كان يعمل لنزع ما تبقى من أنياب لديه. وكان البكر يتألم صامتاً فقد صار رئيساً للجمهورية في عهد نائب الرئيس. العلاقة بين البكر وصدام... ان العلاقة بين البكر وصدام لم تكن منطقية اصلا، ولا يمكن ان يلتحم رجلان بينهما  طود من الفوارق بهذا الشكل المصيري  لاي سبب كان حتى لو انتميا الى حزب واحد او عادت اصولهما الى عشيرة واحدة، فالبكر يكبر صدام  بقرابة ربع قرن، وهو ضابط له تاريخه ووزنه ومكانته بين النخبة من الضباط الاحرار وعلاقاته بكبار رجالات الجيش العراقي، وصدام مجرد شاب نزق يحفل ماضيه  بالتشرد والبؤس ومعاشرة افراد هم في افضل الاحوال سقط متاع المجتمع والدرك الأسفل من رجاله، ناهيك عن كونه-اي صدام-  انسانا سيئ السمعة ملاحقا بتهم جنائية خطيرة ومخزية.. الاستحواذ على السلطة... وفي الصفحة 338 ينقل الكاتب جواد هاشم صورة اجتماع العائلة الحاكمة ، وما دار من أحداث ومناوشات وقرارات ، ذلك الاجتماع الذي أداره خير الله طلفاح بحضور البكر وصدام وعدنان خير الله وهيثم احمد البكر الزمان: الاثنين 16 تموز (يوليو) 1979، الساعة تقارب العاشرة صباحاً.

المكان: مسكن خير اللَّه طلفاح.

المجتمعون: أحمد حسن البكر، صدام حسين، عدنان خير الله، هيثم الابن الأكبر للبكر، وخير الله طلفاح.

حضر البكر وهيثم بدعوة من طلفاح لبحث أمر هام: استقالة البكر وتنحّيه عن جميع مناصبه، وإحلال صدام حسين محله في تلك المناصب.

اعترض البكر على هذه الطريقة في التعامل، ولم يوافق على ما اقترحه صدام وعدنان خير الله ابن خال صدام وشقيق زوجته وزوج ابنة البكر.

تأزم الموقف، وسحب هيثم مسدسه وأطلق رصاصة واحدة أصابت عدنان خير الله بخدش بسيط في يده.

تدخل طلفاح لتهدئة الحالة، وبقي البكر رافضاً الاستقالة، لكنه رضخ أخيراً بعدما أفهمه صدام أنه لم يعد يمتلك أي سند أو شفيع لا في الجيش، ولا في أجهزة المخابرات، ولا حتى في الحرس الجمهوري.

كانت كل تلك الأجهزة والتشكيلات قد أُفرغت من مؤيدي البكر وأعوانه.

قبل البكر ووقّع على خطاب كان قد أُعد له ليذيعه شخصياً عند الساعة الثامنة مساء اليوم نفسه من إذاعة بغداد وتلفزيونها.؟

كان البكر وصدام يبدوان يكمل بعضهما بعضا في الحزب والقيادة، فقد كان صدام مسؤولا عن الأمن، والبكر مسؤولا عن الجيش، ولم يكونا يبدوان مختلفين، وإن كان واضحا أن صدام هو الأكثر أهمية ونفوذا في الحزب والدولة، وأنه يصعد إلى أن اكتملت سيطرته على مرافق الدولة والحزب عام 1974، وبرغم ذلك فقد كانا يبدوان متفقين حتى عام 1979 عندما أجبر البكر على تقديم استقالته.

ربما يكون سبب الخلاف بين صدام والبكر أن الأخير كان متحمسا للوحدة مع سوريا، وكان يتحرك باتجاهها بخطوات متسارعة، ومن ثم فقد أعلن فور استقالته عن مؤامرة تدبرها سوريا بالتعاون مع مسؤولين عراقيين. تساءل الكاتب عبد المنعم الأعسم عن دور البكر في تصعيد صدام حسين فكتب “ هل كان يمكن لصدام حسين، من دون احمد حسن البكر، ان يتسلق هذا السلم الوعر من قاع التنظيم الحزبي الى رئاسة دولة يعرف العالم انها عصية على الحكم وتضم شعبا من اصعب شعوب العالم إذعانا للحاكم، واستسلاما لمشيئته؟

.بل هل ان صدام حسين، قد شق طريقه الى كرسي الحكم، بتلك العُدد السقيمة من دون رضى وموافقة وتدبير احمد حسن البكر؟ وهل كان له ان يلجم صفوة الجنرالات مثل حردان التكريتي وابراهيم الداوود وعبدالرزاق النايف وسعدون غيدان وعبدالعزيز العقيلي وعبدالغني الراوي وصالح مهدي عماش الذين كانوا يمسكون بناصية جيش انقلابي تخلص نهائيا من نفوذ الملكيين واليساريين والكرد والقاسميين والناصريين تباعا وكانوا يديرون مفاتيحه، ويعدوه للقبض على السلطة ؟” تقرير بريطاني...

من الارشيف الوطني البريطاني، نقرأ تقريرا يوضح اوضاع المرحلة.

تقرير في 12 مايس 1977 يحمل الرقم NBR1 011 ملخصه : الاشاعات تملأ بغداد عن ( اعادة ترتيب البيت العراقي ) في ضوء المرض الخطير الذي اصاب رئيس مجلس قيادة الثورة الأمين العام لحزب البعث احمد حسن البكر منذ الخريف الماضي على الرغم من ان الخليفة المؤكد هو نائبه صدام الذي يدير منذ مدة طويلة شؤون الدولة و الحزب نيابة عن البكر و بمساعدة عدد من الموثوق بهم.

ووصف التقرير صدام بانه ( شجاع وذكي لكن لا يؤمَن جانبه ) ويفتقد الشعبية الحزبية ويحاول ان يقلد عبد الناصر لكنه لا يملك طلته وبلاغته وقربه من الناس على الرغم من الجهود التي تبذلها الصحافة العراقية الرسمية وحتى صحافة لبنان المقربة من البعث العراقي التي تمول من اموال النفط العراقي.

واشار الى ان تعديل تركيبة وعضوية عدد من المؤسسات الحزبية والحكومية والتشكيلات الاخيرة في قيادات الجيش والشرطة تشير كلها الى ترفيع انصار صدام والموالين له وابناء عشيرته بهدف السيطرة كاملة على شؤون الدولة برغم ان زميلي السفير السوفيتي لا يتوقع تغييرات في القيادة السنة الحالية لانه لا يزال في الاربعين من عمره.

واشار التقرير الى ان المشكلة الكبيرة قد تحدث إذا مات صدام أو قُتل أو اصبح عاجزاً عن الحكم، عندها سيعود العراق الى الفراغ وسيعود العراقيون والبعثيون الى الاقتتال في ما بينهم كما ان الشيوعيين قد يعودون الى السطح من دون استبعاد ( ثورة شيعية ) للاستيلاء على جزء من السلطة او للحصول على حكم ذاتي في مناطقهم الغنية بالنفط، حسب تحليل السفير البريطاني. . علاقة العراق الخاصة"

وكانت الولايات المتحدة قد أيدت انقلاب حزب البعث الذي وقع عام 1963. فقد كان للسي آي أيه دور فيه.

فالمخابرات الأمريكية هي التي موَّلت حزب البعث الذي كان صدام من الأعضاء الشباب فيه عندما كان في المعارضة.

ويقول الدبلوماسي الأمريكي جيمس أيكينس الذي كان يعمل في السفارة الأمريكية في بغداد آنذاك "عرفتُ كل زعماء حزب البعث وأعجبت بهم".

ويضيف أيكينس "من المؤكد أن المخابرات الأمريكية "سي آي أيه" لعبت دورا في انقلاب حزب البعث عام 1963. لقد اعتبرنا وصول البعثيين إلى الحكم وسيلة لاستبدال حكومة تؤيد الاتحاد السوفيتي بحكومة أخرى تؤيد أمريكا. إن مثل هذه الفرص قلما تتكرر".

وقال أيكينس "صحيح أن بعض الناس قد اعتقلوا وأعدموا، إلا أن معظم هؤلاء كانوا شيوعيين، ولم يكن ذلك ليزعجنا".

لقد دام هذا التعايش السعيد (بين أمريكا وحزب البعث) حتى نهاية الثمانينيات.

فعندما استولى آية الله الخميني على السلطة عام 1979، عملت أمريكا على تحويل صدام إلى "رجل أمريكا في منطقة الخليج".

وقد قدمت واشنطن لبغداد معلومات استخباراتية، وأرسل الرئيس الأسبق رونالد ريجان مبعوثا رئاسيا خاص للتحدث إلى صدام حسين. واسم هذا المبعوث هو دونالد رامسفلد. جمال عبد الناصر يصف صدام بـ"طايش وبلطجي"

عين عماش بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية برتبة فريق ركن. من ناحية الدور والقدم كان عماش هو الأحق بمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، لكن البكر قام بتلك المناورة التي رواها صلاح عمر العلي وذلك باتهام عماش بالتآمر ليتم تمرير ترشيح وانتخاب قريبه صدام حسين لذلك المنصب.

ذكر جواد هاشم في كتابه " مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام " أن جمال عبد الناصر كان مستغرباً لتعيين صدام في هذا المنصب بدلاً من عماش حيث ذكر : " سألني عبد الناصر  عن صدام حسين كثيراً، وعن صحة الإشاعة التي مفادها أن صداماً لم يكن مرشحاً لأن يكون نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وأن المرشح كان صالح مهدي عماش، فكيف حصل أمر اختيار صدام؟ وهل هذه بوادر خلافات في القيادة العراقية، أم مناورات جديدة لأحمد حسن البكر باعتباره قريباً لصدام؟.

ذُهلت، كيف يعرف عبد الناصر هذه التفاصيل الدقيقة عن اختيار صدام لمنصب النائب دون عماش الذي كان مرشحاً لذلك المنصب فعلاً، في حين لم يعرف أن من سيقابله هو جواد هاشم وليس حازم جواد؟

قلت له إن معلوماتي هي أن اختيار صدام حسين لمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كان قد تم في الأيام الأول للثورة، ولم يكن صالح عماش مرشحاً. قلت ذلك مع أنني كنت أعرف أن الحقيقة هي عكس ذلك".

الحقيقة أن صالح مهدي عماش، كان قد رُشح لمنصب نائب الرئيس، وأن موضوع اختيار النائب كان مدرجاً على جدول أعمال القيادة، وكان يؤجَّل بحث الأمر في كل اجتماع منعاً لبعض الحساسيات التي قد يثيرها العسكريون من أعضاء القيادة، وخاصة حردان التكريتي.

وقد أكد لي، في حينه، والكلام ما زال لجواد هاشم ، أحد أعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، أن صالح مهدي عماش، قد أُوفد إلى الأردن لتفقد القطعات العسكرية العراقية هنالك. وقد استغل البكر وصدام غيابه، وبحثت القيادة أمر اختيار النائب، وتم التصويت «ديمقراطيا»، وفاز صدام حسين.

كانت تلك الحقيقة التي أنكرتها لعبد الناصر، ولكن يبدو أن معلوماته كانت دقيقة حول هذا الموضوع إلى حد بعيد. وقد علق قائلاً : "إن اختيار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة أمر يعود إلى الإخوة في العراق، ولكن الواد صدام، إحنا عارفينو، ده طايش، وبلطجي". في مذكراته الصادرة :رامسفيلد: صدام كان أهون الشرين عام 1983

قال وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد ان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين كان اهون الشرين عام 1983.جاء ذلك في مذكرات الوزير الأمريكي التي صدرت أخيرا، على شكل كتاب ضخم، عنوانه «المعلوم والمجهول» مكون من 815 صفحة من القطع الكبير مقسمة على 50 فصلا.

المفاجأة في الكتاب ان الوزير جعل قصة لقائه مع صدام حسين في 20 ديسمبر عام 1983 بمثابة مقدمة الكتاب، تحت عنوان: «بغداد»، حيث تصدرت مذكراته قبل الفصل الاول منه.

حصل اللقاء بين الرجلين في بغداد، حين كان رامسفيلد يحمل لقب «ممثل الرئيس الأمريكي في الشرق الاوسط».وكان اللقاء ارفع اتصال بين الولايات المتحدة والعراق منذ 25 سنة سبقته.وكان العراق قطع علاقاته مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس العراقي الاسبق عبدالرحمن عارف اثناء حرب 5 يونيو عام 1967 بين اسرائيل والدول العربية.

قال رامسفيلد انه لم يكن احد ما في ادارة الرئيس ريغين يحمل اوهاما بشأن صدام حسين.فقد كانت سيرته، حاله حال كل الحكام المستبدين، موصومة بالعنف والقسوة والدماء بما في ذلك استخدام الاسلحة الكيماوية في الحرب التي شنها على ايران قبل ثلاث سنوات من اللقاء.

اذن، لماذا يذهب مبعوث رئاسي أمريكي للاجتماع بمثل هذا الرجل؟

حكام أقل سوءاً... يقول رامسفيلد ان الولايات المتحدة، انطلاقا من حقائق الوضع في المنطقة انذاك والان، مضطرة الى التعامل مع الحكام الذين تعتبرهم «اقل سوءا» من غيرهم.وعادة ما تكون هذه التقييمات متغيرة، فيما يتعلق باعداء محتملين او اصدقاء متوقعين.وفي عام 1983 كان بعض قادة المنطقة اقل جدارة للتعامل معهم من قبل الولايات المتحدة، من صدام حسين نفسه.والاشارة هنا الى قادة سورية وايران في تلك الفترة.وعن هؤلاء القادة كتب رامسفيلد يقول ان النظام البعثي في العراق كان عدوا لدودا لدولتين كانتا تشكلان خطرا على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وهما سورية وايران.فسورية، على عهد الرئيس حافظ الاسد، والكلام لرامسفيلد، كانت داعما اساسيا للارهاب الدولي، وتحتل قسما من لبنان.اما ايران فقد كانت صديقة حميمة للولايات المتحدة حتى عام 1979، قبل نجاح الامام الخميني باسقاط نظام الشاه، واقامة الجمهورية الاسلامية.سارت الاحداث بعد ذلك بطريقة مؤلمة، حيث تم احتلال السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز 66 مواطنا أمريكيا، الامر الذي «سمم العلاقات الايرانية الأمريكية» واربك ادارة الرئيس جيمي كارتر، انذاك.

يقول رامسفيلد ان العراق كان على مسافة وسط بين هذين النظامين.وفي عام 1983 كان هناك الكثير من المنطق في محاولة تحسين العلاقات مع صدام حسين.فقد اخذت رياح الحرب العراقية الايرانية تهب ضد العراق، وكانت هيمنة ايران على المنطقة، في حال انتصرت على العراق، اسوأ بكثير من سيئات صدام حسين، بغض النظر عن مساوئ الاقتراب منه من قبل أمريكا.ادركت ادارة ريغن هذه الحقائق، واخذت بتنشيط اتصالات دبلوماسية على مستوى منخفض مع العراق منذ اشهر من ذلك التاريخ.

قبل لقائه مع صدام حسين، اجتمع رامسفيلد مع وزير الخارجية انذاك طارق عزيز.وفي هذا اللقاء الذي استمر حوالي الساعتين، قال الوزير الأمريكي: «من غير الطبيعي ان يوجد جيل كامل من العراقيين من الذين لا يعرفون الا القليل عن الولايات المتحدة، وجيل كامل من الأمريكيين الذين لا يعرفون الا القليل عن العراق».وافق عزيز على هذه الملاحظة. لقد تبنت واشنطن سياسات مدروسة وواضحة تجاه العراق انطلاقا من مبدا نكسون (1969-1974)الذي صاغه وزير الخارجية هنري كسنجر بايجاد بدائل في الشرق الأوسط بعد حرب فيتنام لتحقيق المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية تعزز من دور إسرائيل في هذه المنطقة الحيوية من العالم وتكمل أضلاع المثلث الممتدة من الرياض الى تل ابيب وطهران وصولا الى بغداد.

لقد ألقت تداعيات الحرب الباردة بظلالها على دول المنطقة وبضمنها العراق ولازال حتى الان طي المجهول دور الأجهزة السرية الأمريكية في الأحداث والانقلابات الدامية اللاحقة في العراق حتى 17-تموز –يوليو -1986 حين تسلم البعثيون السلطة من  الرئيس عبد الرحمن عارف في انقلاب لم ترق فيه قطرة دم واحدة. آن شخصيات عراقية بارزة مثل حردان التكريتي وعبد الرزاق النايف وعبد الغني الراوي وغيرهم من جنرالات المؤسسة العسكرية في العراق كانوا على صلة وثيقة بالمخابرات البريطانية والامريكية بشكل او بأخر . الصحفي محمد حسنين هيكل وتنبؤ المواجهة... قبل اشهر قليلة من انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 1988 زار الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل بغداد لحضور إحدى المؤتمرات في بغداد وقد نقل لصديقه وزير الخارجية طارق عزيز, الذي عرفه خلال قدومه للقاهرة عام 1969 حين ارسلته القيادة العراقية للتدريب في جريدة الاهرام القاهرية, رسالة صريحة مفادها آن المواجهة القادمة في المنطقة ستكون بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق.... ولم يعرف فيما اذا كان هذا الاستشراق المبكر للصحفي المصري ذي الصلات الدولية الواسعة مبنيا على معلومات سرية حصل عليها او هو استنتاج خبير بأوضاع المنطقة وشؤونها ,والى اي مدى تعاملت القيادة في بغداد بجدية مع هذه المعلومة الخطيرة .   --------------------------------------------------- -المصادر.... 1- سعد محمود شبيب:البـكر وصـدام حســين... العــلاقة الغــامضـــة. 2-من ذاكرة التاريخ : صدام يزيح البكر ويستولي على السلطة-حامد الجبوري. 3-عبدالمنعم الاعسم:احمد حسن البكر..اين مكانه من الاعراب؟. 4-عزيز الدفاعي :العراق في الحقبة الامريكية. 5- عزيز الحاج: شهادة للتأريخ. 6- صلاح عمر العلي، العضو السابق في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث في حوار صحفي عن اسرار وذكريات ومواقف. 7- الصحافي اللبناني فؤاد مطر- صدام حسين / السيرة الذاتية والحزبية ص(69 ـ 70 ] 8-مذكرات وزير عراقى مع البكر وصدام-دار الساقى -لندن-ابراهيم غرايبة--المؤلف: جواد هاشم . 9-«المعلوم والمجهول» مذكرات وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد. 10- اوكار الهزيمة:هاني الفكيكي. 11-بعث العراق: سلطة صدام قياماً وحطاماً:حازم صاغية <!--[if !supportLineBreakNewLine]--> <!--[endif]-->

حمل تطبيق skypressiq على جوالك