بقلم: فهمي هويديالملعوب ليس جديدا، لأن عرضه مستمر منذ أكثر من عام، إذ منذ صار «الإرهاب» عنوانا في الفضاء السياسي، وجد فيه كل من أراد أن يفتك بغيره ضالته. ومن الإرهابيين من سارع إلى ركوب الموجة فصعد فوق جثث ضحاياه ورفع صوته عاليا، زاعما أنه يحارب الإرهاب. للنظام السوري موقعه في القائمة لا ريب، لكن الأكثر صفاقة في هذا الصدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يكتف بادعائه مقاومة الإرهاب فحسب، وإنما وصلت به الجرأة حدَّ الإعلان عن الانضمام إلى ما سماه «الاعتدال السني» في معركته ضد الإرهاب. فغسل بذلك يديه من دماء الفلسطينيين وحاول أن يدغدغ مشاعر أنظمة أهل السنة. وفي الوقت ذاته أراد أن يحقق هدفه الأكبر المتمثل في تصفية حسابه مع إيران النووية بدعوى أنها «شيعية». ولا أستبعد أن يعلن في وقت لاحق تعاطفه مع الفكر الوهابي لاستكمال أوراق اعتماده لدى السعودية في صراعها الذي تقوده في الوقت الراهن.
ما سبق ليس افتراضا ولا مجرد استنتاج، ولكنها معلومات خارجة من إسرائيل ذاتها، التي أصبح الموضوع مثارا في أوساطها السياسية والإعلامية، إذ ليس سرا أن رئيس وزرائها نتنياهو دأب طوال الأشهر التي خلت على الحديث عن انضمام إسرائيل إلى دول «الاعتدال العربي» في معركتها ضد الإرهاب، مستثمرا في ذلك حالة «الخبل» التي خيمت على الخطاب السياسي والإعلامي في أهم الدول العربية، إلا أن عواطفه تجاه أهل السنة برزت في الآونة الأخيرة، حين أعلن عن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، وتجددت بعدما انفجر الصراع بين السعودية وإيران. فقد نقلت عن صحيفة «يديعوت أحرونوت» في ٢٨/١٠/٢٠١٥ أن دولا مهمة بين أهل السنة ترى أن إسرائيل جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة. وتتفق معنا في الموقف من إيران والتنظيمات الإرهابية، كما أن أغلب التعليقات الإسرائيلية لم تعد تتكلم عن تضامن إسرائيل مع دول الاعتدال العربي، ولكنها أصبحت تركز على مساندة الدول السنية في مواجهة إيران الشيعية. وفي تصريح أخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي ذكر أن بلاده تسعى لإقامة علاقات وطيدة مع الدول السنية المعتدلة في الشرق الأوسط في مواجهة الإرهاب وتمدد النفوذ الإيراني.
يوم الخميس الماضي ٧/١ نقلت صحيفة هآرتس عن قائد المستوطنين الأسبق في الضفة الغربية يسرائيل هارئيل أن: الصدع السني الشيعي يخدم مصالح إسرائيل الإستراتيجية. فهو يثبت لكثيرين أن انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط ليس راجعا إلى احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. وذهب الدكتور عوفر يسرائيلي المحاضر في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية بأكاديمية الجيش الإسرائيلي إلى أبعد، حين نشر مقالة على أحد المواقع قال فيها إن التطورات الأخيرة في السعودية (بعد إعدام الشيخ نمر) تشكل فرصة لإنعاش التعاون بين المملكة وإسرائيل. إذ اعتبره بمثابة «نقطة تحول» في العلاقات بينهما (وصفها بأنهما يمثلان القوتين الإقليميتين في الشرق الأوسط). وأشار في مقالته إلى أن البلدين يتشاركان في أربعة أمور، هي: التحفظ على الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى الذي رعته الولايات المتحدة باعتباره اتفاقا سيئا ــ العمل من أجل السلام مع الفلسطينيين الذي دعت إليه المملكة من خلال مبادرة السلام التي أعلنتها وأيدتها القمة العربية ــ رفض المناوشات الإيرانية في المنطقة من خلال حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ــ الموقف من نظام الرئيس الأسد في سوريا.
كثيرة هي الشواهد والقرائن الدالة على سعي إسرائيل لاختراق العالم العربي والقفز فوق القضية الفلسطينية. وما كان لها أن تقدم على ذلك المسعى لولا إدراكها أن العالم العربي شهد تراجعات مهمة أوصلته إلى حالة القابلية للاختراق. وهو ما يعد من وجهة نظر المخطط الإسرائيلي لحظة تاريخية فارقة. يدلل الإسرائيليون على ذلك بتصويت مصر لأول مرة لصالح ضم إسرائيل إلى إحدى لجان الأمم المتحدة. في عدول استثنائي عن الموقف العربي التقليدي الذي ظل يلتزم بمقاطعة إسرائيل في المحافل الدولية. يستندون أيضا إلى التطورات المهمة الحاصلة في العلاقات الخليجية الإسرائيلية التي أسفرت عن تمكين إسرائيل من الوجود دبلوماسيا بالخليج في الآونة الأخيرة. إضافة إلى وجودها الاقتصادي والأمني. ولسفير إسرائيل السابق في واشنطن مايكل أوري (النائب الحالي في الكنيست) كتاب أخير وثق فيه وقائع التواصل الإسرائيلي الخليجي في العاصمة الأمريكية.
نلوم مَن على ما يجري: اللص الذي سطا على الدار ونهب محتوياتها، أم كبير العائلة وأصحاب الدار الذين فتحوا له الأبواب طائعين؟ المشكلة في الإجابة أن البعض ما غدا يعتبره لصا، حتى أفهمنا أنه من الجيران المعتدلين، ومحب لأهل السنة المخلصين!.
أحدث المقالات