خاص سكاي برس/ بغداد
في الأسابيع الأخيرة، شهدت مدينة حلب تصعيدًا عسكريًا كبيرًا تسبب في مقتل ما يزيد عن 450 شخصًا، بينهم أكثر من 200 عنصر من القوات السورية النظامية وحلفائها، وما يزيد عن 130 مقاتلًا من الفصائل المسلحة المعارضة. المدنيون كانوا الضحية الأكبر، حيث تجاوز عدد القتلى بينهم 100 شخص، معظمهم نتيجة الغارات الجوية الروسية والمواجهات على الأرض.
حيث تتزايد التعقيدات في مدينة حلب السورية وسط تصعيد عسكري غير مسبوق، مع مواقف متباينة من القوى الدولية والإقليمية. المدينة التي كانت رمزًا للصراع السوري منذ اندلاعه، أصبحت الآن محورًا لتداخل المصالح وتنافس النفوذ بين الولايات المتحدة، روسيا، إيران، وتركيا. في الوقت نفسه، تتأثر الأوضاع بشكل كبير بالعراق، الذي يقع على حدود سوريا ويمثل أحد اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في هذا الصراع. إذ تتباين التغطيات الإعلامية العالمية وتحليل الأبعاد الاستراتيجية للصراع، من تقارير أمريكية وإسرائيلية إلى التحليلات العربية والتركية.
الخسائر العسكرية شملت تدمير عشرات الآليات الثقيلة للنظام السوري، بما في ذلك دبابات ومدرعات، بينما فقدت الفصائل المسلحة عددًا من مراكز القيادة ومخازن الأسلحة. روسيا استهدفت مواقع استراتيجية للفصائل المعارضة باستخدام طائرات سوخوي المتطورة وصواريخ دقيقة التوجيه، مما أثار جدلًا حول الأبعاد العسكرية والسياسية لهذه العمليات.
انعكاسات الصراع على العراق: تهديدات أمنية واقتصادية وداخلية
العراق، بحكم موقعه الجغرافي المجاور لسوريا، يتأثر بشكل مباشر بتطورات الوضع في حلب. الحكومة العراقية عززت انتشار القوات الأمنية على طول الشريط الحدودي بين البلدين، خاصة في محافظة الأنبار ونينوى. التقارير تشير إلى أن بغداد تخشى تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود، مما قد يهدد أمنها الداخلي. التصعيد في حلب يفتح الباب أمام احتمال تسلل التنظيمات المسلحة إلى الأراضي العراقية.
المحللون الأمنيون حذروا من أن امتداد الصراع إلى الحدود العراقية قد يؤدي إلى إعادة تموضع الجماعات المتطرفة في المناطق الصحراوية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في العراق.
إلى جانب تأثيرات الصراع السوري في حلب، لا يمكن تجاهل التداعيات المحتملة على العراق، خاصة على الحدود المشتركة. العلاقة بين الوضع الميداني في حلب والتطورات الأمنية في العراق تزداد تعقيدًا مع استمرار التصعيد:
• الوجود العسكري العراقي على الحدود: في أعقاب الهجمات المتزايدة على المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، فرضت الحكومة العراقية إجراءات أمنية مشددة على الشريط الحدودي، وزادت من نشر القوات العراقية هناك في محاولة لتأمين الحدود ومنع تسلل الفصائل المسلحة.
وبحسب تقارير صحفية، قامت القوات العراقية بتعزيز مواقعها في محافظة الأنبار، حيث تتمركز الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
• الحدود العراقية السورية: هناك قلق متزايد من أن الصراع في حلب قد يمتد إلى العراق، خاصة في المناطق الغربية القريبة من الحدود. الفصائل المسلحة المدعومة من إيران قد تجد في التوترات فرصة لتعزيز نفوذها في مناطق جديدة داخل العراق، خاصة في المناطق الصحراوية.
• موقف الحكومة العراقية: الحكومة العراقية أظهرت حذرًا في تعاملها مع التصعيد في حلب، وأكدت مرارًا على ضرورة الحفاظ على السيادة العراقية وعدم السماح للصراع السوري بتقويض الاستقرار الداخلي.
• التأثير على الأمن الداخلي: من المتوقع أن يؤدي استمرار التصعيد في حلب إلى زيادة عدد الهجمات على الشريط الحدودي العراقي، مما يعزز القلق من تصعيد العمليات العسكرية بين القوات العراقية والفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
الدور الروسي: دعم غير مشروط للنظام السوري
روسيا تستمر في لعب دور حاسم في المعارك عبر دعمها الكامل للنظام السوري. الغارات الجوية الروسية في حلب استهدفت مستودعات أسلحة ومراكز قيادة تابعة للفصائل المسلحة، مما أدى إلى تدمير قدراتها الهجومية في مناطق عدة. وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن عملياتها تهدف إلى “إعادة الاستقرار” للمنطقة، بينما يرى محللون أن هذه التحركات تعزز النفوذ الروسي في سوريا، وتجعل من موسكو لاعبًا رئيسيًا في الصراع الإقليمي.
التغطية الإعلامية الروسية، رغم محدودية تفاصيلها، سلطت الضوء على “نجاحات” النظام في استعادة السيطرة على مناطق واسعة في حلب:
• تقارير رسمية من وكالات روسية تحدثت عن تنفيذ أكثر من 100 غارة جوية في حلب خلال الأسابيع الماضية، مما أسفر عن تدمير مواقع استراتيجية للفصائل المعارضة.
• سبوتنيك: وصفت التحركات العسكرية الروسية بأنها “ضرورة لإعادة الاستقرار”، مع التأكيد على دعم الجيش السوري.
تركيا: تصعيد الانتقادات وتحركات ميدانية
تركيا صعّدت من لهجتها تجاه روسيا وإيران، متهمة إياهما بتأجيج الصراع في سوريا. أنقرة ركزت على دعم الفصائل المعارضة في حلب، حيث زودتها بطائرات مسيرة هجومية وصواريخ متطورة. صحيفة صباح التركية نقلت أن أنقرة ترى في التحركات الروسية-الإيرانية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
التصعيد التركي يتزامن مع تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، حيث تسعى تركيا لإقامة منطقة آمنة على طول حدودها مع سوريا. هذه التحركات تزيد من تعقيد المشهد في حلب، خاصة مع تداخل المصالح التركية-الأمريكية في مواجهة التحالف الروسي-الإيراني.
الإعلام التركي عبر عن موقف أنقرة المنتقد للتحركات الروسية والإيرانية، مشددًا على دعم تركيا للفصائل المعارضة:
• TRT عربي: أفادت بأن تركيا تعتبر التصعيد الروسي والإيراني تهديدًا لاستقرار المنطقة.
• صحيفة صباح: ركزت على جهود أنقرة لتأمين حدودها الشمالية وإقامة منطقة آمنة في سوريا.
• حرييت: حذرت من أن استمرار العمليات العسكرية في حلب قد يؤدي إلى تصعيد مباشر بين تركيا وحلفاء النظام السوري.
إسرائيل: تحركات عسكرية وتصريحات حادة
إسرائيل كانت من أكثر الأطراف الإقليمية نشاطًا في التعليق على تطورات حلب. الغارات الإسرائيلية استهدفت مواقع إيرانية في ريف حلب، وفقًا لتقارير قناة i24NEWS.
تل أبيب ترى أن وجود إيران في سوريا يشكل خطرًا استراتيجيًا عليها، مما دفعها إلى تكثيف عملياتها العسكرية هناك.
الإعلام الإسرائيلي ركز على أبعاد الصراع في حلب من زاوية تأثيره على أمن إسرائيل ونفوذ إيران في سوريا:
• هآرتس: وصفت الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع في ريف حلب بأنها “رسالة قوية” لإيران.
• قناة كان 11: أكدت أن تل أبيب ترى في تزايد النفوذ الإيراني تهديدًا مباشرًا، مشيرة إلى أن عملياتها الجوية تهدف إلى منع وصول الأسلحة إلى حزب الله.
• جيروزاليم بوست: سلطت الضوء على القلق الإسرائيلي من تحول سوريا إلى نقطة انطلاق لعمليات إيرانية ضد إسرائيل، معتبرة أن التصعيد في حلب يعقد الموقف الأمني.
الولايات المتحدة: دعم المعارضة وتصعيد الضغوط على إيران وروسيا
الولايات المتحدة لعبت دورًا محوريًا في دعم الفصائل المسلحة في حلب. وسائل إعلام أمريكية مثل CNN وواشنطن بوست أكدت أن واشنطن تقدم دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا للفصائل بهدف تقويض النفوذ الروسي والإيراني.
إدارة الرئيس الأمريكي أشارت إلى أن “تحقيق التوازن في سوريا” يتطلب إضعاف النظام السوري وحلفائه. الولايات المتحدة تسعى كذلك إلى تعزيز التنسيق مع تركيا لمنع امتداد النفوذ الروسي-الإيراني إلى شمال سوريا، مما يزيد من تعقيد الموقف في حلب.
• الإعلام الأمريكي: وسائل الإعلام الأمريكية تناولت تطورات حلب من منظور استراتيجي يعكس اهتمام واشنطن بتقويض النفوذ الروسي والإيراني إذ ركزت على أن الصراع في حلب يمثل نقطة تحول في الأزمة السورية.
• CNN: أشارت إلى استمرار دعم الولايات المتحدة للفصائل المعارضة باعتباره جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد لخلق توازن قوى في سوريا.
• New York Times: ركزت على التصعيد الروسي في حلب، معتبرة أن التحركات الأخيرة قد تعيد صياغة الخريطة السياسية للمنطقة.
• The Washington Post: أفادت بأن الغارات الروسية الأخيرة في حلب تشير إلى رغبة موسكو في إنهاء وجود المعارضة بشكل حاسم، مؤكدة أن واشنطن تحذر من تداعيات إنسانية كارثية.
العالم العربي: وجهات نظر متباينة
وسائل الإعلام العربية تناولت الوضع في حلب من زوايا متعددة:
• الجزيرة: سلطت الضوء على الأبعاد الإنسانية، مشيرة إلى تدمير البنى التحتية ومقتل مئات المدنيين.
• الميادين: ركزت على الدور المحوري لروسيا وإيران في حسم المعركة لصالح النظام السوري.
• العربي الجديد: تحدثت عن المخاوف من تحول حلب إلى “مسرح دائم للصراعات الإقليمية”.
الخسائر البشرية والعسكرية: أرقام ودلالات
• عدد القتلى: تجاوز 450 شخصًا في حلب، بينهم 120 من المدنيين، بينما بلغت خسائر الفصائل المسلحة أكثر من 200 مقاتل.
• الخسائر العسكرية: تدمير مستودعات أسلحة ومواقع استراتيجية للفصائل، مقابل فقدان الجيش السوري عددًا من الآليات الثقيلة.
• الدعم الدولي: شمل مساعدات لوجستية وعسكرية من تركيا للفصائل، ودعم جوي روسي مكثف للنظام السوري.
تحليل استراتيجي: مستقبل الصراع وأبعاد إقليمية
المعركة في حلب تحمل أبعادًا استراتيجية تمتد إلى خارج الحدود السورية. إذا استمرت وتيرة التصعيد الحالية، فقد يمتد الصراع إلى مناطق أخرى مثل دير الزور أو إدلب، مما يهدد الاستقرار في المنطقة بأكملها. العراق يظل مهددًا بشكل خاص بسبب قربه الجغرافي، حيث يمكن أن يتحول الشريط الحدودي إلى ساحة جديدة للصراع بين الفصائل المسلحة والقوات النظامية.
روسيا وإيران تسعيان إلى تعزيز سيطرة النظام على المناطق الشمالية، بينما تحاول تركيا والولايات المتحدة عرقلة هذا التقدم. السيناريوهات المحتملة تشير إلى استمرار الصراع لفترة أطول، مع احتمال تصعيد إضافي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
• إقليمياً: مع استمرار العمليات العسكرية في حلب، يزداد التوتر بين تركيا وروسيا. التأثير المباشر قد يشمل تطورات على الحدود العراقية، حيث تشير التوقعات إلى إمكانية تمدد النفوذ الإيراني والفصائل الموالية لها داخل العراق.
• دوليًا: استمرار الدعم الأمريكي للمعارضة يضع واشنطن في مواجهة مع روسيا، بينما تسعى إسرائيل لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا بأي ثمن.
تقرير من أعداد وكالة سكاي برس