سكاي برس/ بغداد
أدى انهيار خط المقاومة المدعوم من إيران في لبنان وسوريا إلى توجيه الأنظار نحو "المقاومة الإسلامية في العراق"، التي ضمت فصائل مسلحة مقربة من الحشد الشعبي وإيران، فهل سيؤثر ما قامت به تلك الفصائل على واقع الحشد الشعبي في العراق؟
وهل من الممكن أن يؤدي ذلك إلى احتمالية تفكيك مؤسسة هيئة الحشد الشعبي؟ وماذا سيكون مصير آلاف الأشخاص المنتمين للفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي؟
ويرجع تشكيل هيئة الحشد الشعبي في العراق إلى عام 2014 عندما أصدر المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، في النجف فتوى بتشكيل حشود شعبية لمواجهة خطر تنظيم داعش، الذي توغل داخل مدن عراقية وسيطر على ثلث أراضي العراق، ووصل إلى مشارف العاصمة بغداد.
فهبت الحشود بعد دعوة وجهها رئيس الوزراء حينها، نوري المالكي، وحملوا السلاح وتوجهوا إلى جبهات القتال مع عناصر الجيش العراقي، وبعد مرور عامين، أصدر مجلس النواب العراقي عام 2016، بعد طلب رفعه نواب من الكتل الشيعية، قانونا خاصا بالحشد الشعبي في العراق، باعتباره أحد تشكيلات القوات المسلحة العراقية.
وتم تخصيص ميزانية خاصة به، وقواته تنضوي تحت إمرة قيادة العمليات المشتركة، وكان تعدادها بحدود 70 فصيلا بحسب قول الفريق أول، جبار ياور، الذي كان يشغل منصب أمين عام قوات البيشمركة آنذاك.
وتوسع الحشد الشعبي، وانضمت إليه فصائل من أديان ومكونات وقوميات عديدة من العراق، لكن لكل فصيل عقيدته الخاصة التي يناضل من أجلها بحسب قول ياور، الذي أكد أن غالبية الفصائل أعلنت التزامها بقرارات القيادة العامة للقوات المسلحة، عدا " 15 فصيلا مثل النجباء وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وغيرها" التي لم تكن تلتزم بتوجيهات القيادة العامة.
فكانت تشن بين الحين والآخر هجمات على منشآت ومقرات يوجد فيها قوات من التحالف الدولي. وبعد حرب غزة نشطت تلك الفصائل، وأظهرت تأييدها وانضمامها بشكل علني لمحور المقاومة، الذي قادته إيران ضد إسرائيل، فكانت تشن هجمات مستمرة عبر مسيرات "لأهداف حيوية" داخل إسرائيل، وتنشرها عبر حسابتها ومواقعها على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويرى مدير مركز بدر للدراسات الاستراتيجية، أبو ميثاق المساري، أن تلك الفصائل تحكمها "عقيدتها العابرة للأوطان، وتساهم في درء العدوان" بحسب قوله عن إخوانهم في غزة ولبنان وسوريا. وبعد ضلوع هذه الفصائل واستمرارها في محاربة إسرائيل وفق مبدأ "وحدة الساحات"، فإن إسرائيل قد أرسلت رسائل مباشرة عبر الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى الحكومة العراقية، لوقف هجمات هذه الفصائل التي تستغل أراضيها، فكانت النتيجة أن انسحب عدد من الفصائل من جبهة المقاومة، لكي لا يتأثر العراق بها، لكن بقيت أخرى مصرة على موقفها وهجماتها.
وكانت المفاجأة عندما انهار نظام بشار الأسد في سوريا، إذ توقفت تلك الفصائل عن هجماتها، واختفت عن الواجهة الإعلامية، وكأنها تخلت عن دورها، فلم يبق في الواجهة العراقية غير الحشد الشعبي الذي كان يقوده في السابق، أبو مهدي المهندس، وقتلته الولايات المتحدة مع قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في يناير 2020.
فعلى الرغم من أن الحشد لم يشترك مباشرة في الهجمات التي كانت تشن ضد إسرائيل، إلا أنه ما زال يشكل خطرا على المعسكر الغربي، بحسب زيرفان برواري، مستشار مركز لندن للتدريب والدراسات الاستراتيجية، الذي أكد أن "إنشاء الحشد الشعبي كان لهدف محدود وهو القضاء على تنظيم داعش" وقد تم ذلك عام 2017، لكنه غير من استراتيجيته فيما بعد وقام باستهداف المصالح الأميركية في المنطقة. وبين برواري أن الحشد الشعبي قد خرج من مساره الذي وضع له، ونفذ أجندات خارجية، وقامت بعض فصائله بمهاجمة قواعد عراقية تؤوي جنودا من الولايات المتحدة الأميركية، إضافة الى استهداف منشآت وشركات أجنبية في العراق وإقليم كردستان.
لذلك فإنه يرى أن فرضية "حل الحشد الشعبي"، وإن لم يدعو إليها أحد، ستبقى قائمة، لا سيما بعدما كبدت المقاومة خسائر جسيمة في غزة ولبنان وسوريا، موضحا أن هناك محاولات لإنهاء ما يسمى بمحور المقاومة، في جميع البلدان ومنها العراق. واستبعد الباحث الأكاديمي، عمر الناصر، فرضية قيام الدولة العراقية بتفكيك الحشد، معللا ذلك بعدم وجود مبررات منطقية "لوجود العديد من المخاطر التي ما زالت تحيط بالعراق".
ويتفق معه المحلل السياسي، محمد علي الحكيم، في أنه من الصعوبة بمكان حل تشكيلات الحشد الشعبي، "لوجود الخلايا النائمة وفلول تنظيم داعش في العراق ودول الجوار".
ويشاركهما الفريق أول، جبار ياور، في أنه من الصعوبة تفكيك هيئة الحشد الشعبي، لأنه من المؤسسات النظامية التي لها صيغة قانونية و"يحتاج إلى أن يقوم أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب التصويت على قرار حله"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه بالإمكان القيام بهذا الأمر إذا أرادت الحكومة العراقية ذلك واقتنعت به.
ويؤكد مدير مركز بدر للدراسات الاستراتيجية أن حل هيئة الحشد غير ممكن في العراق "تحت أي ظرف"، لأنه يعتبر "ظهيرا قويا وأساسيا لترسيخ الأمن في العراق"، ولن يتخلى العراق عنه مهما كانت الظروف بحسب تعبيره. وحاولت الحكومة العراقية طوال الأشهر الماضية إبعاد البلاد عن شبح الحرب في غزة ولبنان، وقد نجحت في ذلك إلى الآن، لكن العقيدة التي قامت عليها الكثير من الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي تؤمن بمقاومة القوات الأجنبية الموجودة في العراق، بحسب، عمر الناصر، الذي أكد أن "هذه الفلسفة لا تتناسب مع الظروف الحالية للبلاد".
وهو يرى أن أفضل حل للتعامل مع هذه الفصائل هو اللجوء إلى "عملية حوار واقعية معها لتجنب إراقة الدماء في المنطقة"، ويقول إن فرضية تفكيك الحشد الشعبي، إن وجدت، فإنها في البداية لا بد وأن تستند على فتوى تصدرها المرجعية الشيعية.
في حين يؤكد، زيرفان برواري، أن احتمالية تطبيق هذه الفرضية في هذا الوقت الراهن تعد من أكثر الاحتمالات الواردة، وقد عزا ذلك إلى كون "معظم قيادات الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي تدرك أنه لم يعد بإمكانها المقاومة"، موضحا أنه بالإمكان مزج عناصرها في بقية صنوف الجيش العراقي أو دمجها في مؤسسات اقتصادية تابعة للحكومة. وتبقى فرضية تفكيك الحشد الشعبي، الذي تراه عدد من الدول منظمة إرهابية في العراق، بمثابة هاجس يؤرق الكثير من القيادات الشيعية في العراق، بسبب الصلة القوية التي تربطه بإيران من جهة وانضمام بعض الفصائل التابعة له إلى حلف المقاومة من جهة ثانية.