بقلم:سمير الربيعي...
و"خطف" الاسلاميون في ظل عباءة الامام عرش الطاووس!
جزَم الفرنسّي دنيس ديدرو (1713-1784) قبل ثلاثة قرون أنّ الإنسان لن ينعم بالحريّة، قبل شنق آخر الملوك بأحشاء آخر رجال الدّين،
عندما هبت رياح الثورة على عرش الطاووس فى إيران لم يستطع الشاه حينها لملمة ريشه البهي وسط تلك الريح العاتيه..ولم يمكن له الصمود في وجه تلك الريح.
38 عاما عاشها الطاووس بكل خيلاه وغروره وعنجهيته هذه التسمية التي وصفت كل المراحل التي مرت بها إيران منذ عهد كورش ولحد السقوط بطوفان المتظاهرين.
شاه ايران محمد رضا بهلوي عاش فوق هذا العرش، وهو لا يدري أن الزمن يخفي خلف ستارته مفاجأة أو مأساة لم يحسب حسابها. عاد يوم 21 ديسمبر 1959- يوم زفاف الشاه على فرح ديبا كزوجة ثالثة وهي التي اختارها قلبه، وليس كما الامر بالنسبة لزوجته الأولى فوزية شقيقة الملك فاروق التي اختارها له والده وعاش معها 10 سنوات وطلقها عام 1949، لتختار له الاسرة الامبراطورة ثريا اصفندياري التي عاشت معه هي الاخرى حوالي 10 سنوات وطلقها عام 1958، عاد ذلك اليوم كليلة من ليالي الف ليلة وليلة حيث اتجهت انظار العالم الى هذا القصر الذي شهد الزواج، حيث كانت هناك مئة وخمسون عدسة صحفية تحتل مكانها في قصر المرمر وقصر كولستان، وتعلقت العيون انذاك بالعروس وفستانها الذي سحر العقول، فقد كان طول ذيله ثمانية امتار ويزن عشرة كيلو غرامات.
ولكن هذه قاعة عرش الطاووس - قاعة الحكم، وهذه قاعة البيانو.. وهذا السرداب السري الذي تسلل منه الشاه وعروسه الى قاعة المأدبة دون ان يراهما احد، ومنه خرجا الى الطائرة وغادرا نهائيا.
فلم يكن شاه ايران وهو يحتفل بزفافه الاسطوري وفرح ديبا العروس الجميلة الرقيقة يعلمان ان الزمن يخفي خلف ستارته مفاجأة أو مأساة لم يحسب حسابها.. فقد طار العرش والنفوذ وداست خيول الثورة فوق رايات الأحلام والامنيات، وغمرتها الأتربة، فلم يعد امبراطورا من حقه ان يحلم لابنه ولا حتى لنفسه، واغلقت امامه حدود بلده وابواب قصوره وتحولت اوراق البنكنوت التي كان يملكها الى مجرد اوراق ملونه لاتستطيع حتى ان ترد اليه كرامته ولا كبرياءه
ان عهد الأسرة البهلوية التي تعاقب على إمتلاك السلطة فيها أب وإبن فقط هما الوحيدان من هذه الأسرة التي حكمت خلال الحقبة . فإنه وبالرغم من قصر فترتها مقارنةً بالأسر التي حكمت إيران ، فإنها كانت مليئة بالأحداث الحاسمة والمؤثرة في منطقة إقليمية تعتبر من أهم مناطق العالم وكل حدث فيها مهما كان صغيراً أو بسيطاً يؤثر في عموم المعمورة . أنها حقبة إستمرت أكثر من نصف قرن مليئة بالأحداث والتناقض والصراعات ليس على مستوى إيران فقط بل كانت مسرحاً لأغلب القوى العظمى المتصارعة في المنطقة سواءاً كانت عالمية أو إقليمية أو محلية …
حكومة جديدة...
وفي منتصف اغسطس، انتبه الشاه الى ما يجري ولو متأخراً وكلف جمشيد اموزيغار بتشكيل حكومة جديدة لمعالجة قضايا اقتصادية واجتماعية. ويتمتع اموزيغار بنسبة تأييد لا بأس بها بين الليبراليين، خصوصاً انهم يرونه نظيف الكف قادراً على الاصلاح.
وتم اقناع رئيس الوزراء السابق اسدالله علم بالاستقالة لاسباب صحية، لكن تعيين اموزيغار لم ينفع خصوصاً مع تعيين وزير البلاط الفاسد امير عباس هويدي في الوزارة الجديدة.مع الحكومة الجديدة بدأت الامور تسير الى تحسن بطيء لكن لم يُعرف ما اذا كانت ستعطى الصلاحيات الكاملة لانهاء الفساد.
وان الجميع ينتظر خطة التنمية الخمسية الجديدة التي ستُعلن في مارس 1978 وما اذا كانت ستتضمن مشاريع انمائية ومساعدات لعامة الشعب، وما اذا كانت ستساهم مشاريعها في خفض نسبة التذمر بين الناس.
وتيرة الاحداث...
على الظاهر لا توجد وجهة نظر تاريخية واحدة حول وقت شروع الأزمة التي انتهت بانتصار الثورة الأسلامية في ايران، ومع هذا فإن التيارات المعارضة للنظام البهلوي قد حددوا فترة زمينة خاصة او احداث خاصة باعتبارها نقطة البداية في الثورة الأسلامية.
ان البوليس والشرطة واستخبارات الجيش قمعوا بوحشية تظاهرات تم تخطيطها لتتزامن مع زيارة الشاه الى واشنطن، وسقط في هذه التظاهرات عدد كبير لم يستطع احد ان يقدره، خصوصاً ان ميليشيات غريبة كانت تطلق النار على تجمعات الطلبة قالت المعارضة انها تتمته بدعم السافاك والحرس الامبراطوري.
وتحدث عن ان المصالح البريطانية مُصانة حتى الآن، وهي تزيد باستمرار وارتفعت بنسبة الثلث الى 650 مليون استرليني من دون احتساب مبيعات الاسلحة، وللسفارة طريقها المستقيم الى بلاط الشاه ومختلف الوزارات الاساسية على رغم انتقادات هيئة الاذاعة البريطانية لما يجري في ايران.
وختم السفيرالامريكي تقريره بالقول «ان الاقتصاد الايراني بخير، لكن مصير الشاه غامض في ظل عدم رضا شعبي ومحاولات اطراف عدة خلافته في المستقبل القريب».
الولايات المتحدة تتخلى عن شرطيّها في المنطقة...
"لا يوجد قائد ..لديّ شعور عميق بالصداقة الشخصية والإمتنان تجاهه مثل شاه إيران" الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر
في أوائل شهر يناير/ كانون الثاني ،1979 وبينما كانت الاضطرابات في ايران في أوجها، وفي الوقت الذي أخذ فيه نظام الشاه يترنح ويوشك أن يهوي، كانت الأنظار تتجه نحو الولايات المتحدة، لمعرفة ما ستفعله لحماية شرطيّها في المنطقة.
جاء في كتاب «أمريكا وإيران» للسفير الأمريكي السابق في ايران وليم سوليفان: «التفت الشاه نحوي وقال لي إن هناك مؤامرة تُحاك ضدي، وأنا لا أستغرب أن يفعل ذلك السوفييت أو الإنجليز، لكن ما يحزنني أكثر من أي شيء آخر هو دور وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي. آي. إي» في هذه المؤامرة، فسألت نفسي كثيرا وما زلت أسألها، على الدوام، عن الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة ومخابراتها تشترك في مثل هذه المؤامرة.. ما الذي اقترفتُه ضد أمريكا كي تعاملني بهذه الطريقة القاتلة؟...
جزيرة الأمان...
هكذا وصف الشاه محمد رضا بهلوي حاله قبل أن يسقط تمثاله الشمعي ويحترق في أيام قليلة قاسية، بعد أن تملّصت الولايات المتحدة من كل وعودها تجاه عميلها، الذي قام بعمله بتفانٍ وإخلاص كبيرْين، لكنه عندما سقط، كالآخرين، ترك وحيدا لينام في الصحارى وبين الحدود، بعد أن لفظته بقاع الأرض، قبل أن يستقبله أنور السادات في عاصمة المعز في نهاية المطاف...
يروي أسد علم، وزير بلاط الشاه في كتابه «الشاه وأنا» عن الشهور الأخيرة لحكم الشاه وملك الملوك وسيّد الآريين بقوله: «إنه لَشيء غريب وعجيب ما حدث للشاه. في آخر أيامه القليلة في الحكم، كان شبيها بالسمكة الصغيرة التي كلما حاولت الهروب من إحدى الأسماك الضخمة المفترسة، وجدت نفسَها، مجدّدا، على مقربة من فكّي سمكة أخرى.. حاول، مرارا وتكرارا، البحث عن ملجأ آمن، لكنه فشل في وقت كانت إيران تعاني من اضطراب في السلطة ومن بوادر انفصال عن الشعب: احتجاجات هنا وهناك وارتفاع في أسعار النفط.. لكنه لم يكن يعلم جيدا أن وراء كل هذا وذاك كانت الولايات المتحدة، التي عكّرت صفو حياة الشاه الاقتصادية والسياسية والعائلية وأخذت مخابراتها المركزية تستعد لاستقبال خليفته.. لم يكن يعلم، مطلقا، حينما أردف لروزالين، زوجة الرئيس الأمريكي كارتر، وهو يراقصها، أن إيران هي جزيرة الأمان في الشرق الأوسط، أنه قد أضحى جاهزا للسقوط.. فسقط...
كان رجال واشنطن دائما في «كواليس» اللعبة السياسية، فهي رغم دعمها الظاهر بداية للشاه، كانت لها أذرع طويلة أخرى تدعم الخميني في منفاه وتدعم ثورته، وفي هذا يقول أحمد مهابة، القنصل المصري في إيران في حكم الشاه، في كتابه الذي يحمل عنوان «إيران بين التاج والعمامة»: «في الوقت الذي كان تتصاعد موجة المدّ الثوري ضد نظام الشاه، كانت لجنة التنسيق الخاصة بمجلس الأمن القومي قد قرّرت، وبشكل سرّي وبأمر من الرئيس كارتر، زيادة إذاعات وكالة المخابرات الأمريكية باللغات السائدة في المناطق الإسلامية التي يسيطر عليها الاتحاد السوفياتي، بناء على الآراء والتصورات التي خرج بها مستشاره للأمن القومي بريجينسكي، الذي قال فيها إن التمسك بالإسلام حصن ضدّ الشيوعية، وعلى واشنطن الترحيب بقوة بهذا الإسلام، الذي بدأت تظهر ملامحه في الشرق الأوسط، لأنه إيديولوجيا متعارضة مع تلك القوى في المنطقة التي يمكن أن تكون مؤيدة للاتحاد السوفياتي، وبالتالي فإن المنطقة تشكل هِلالا للأزمات يمتدّ من شمال وشرق إفريقيا عبر الشرق الأوسط وتركيا وإيران وباكستان، وعلينا بالتالي خلق عراقيل مصطنعة لنقاوم هذا التغيير من أجل الحفاظ على الأمن الأمريكي القومي، خاصة أن الاتحاد السوفياتي في هذا الحيّز من العالم يقوم بلعبة كبيرة للسيطرة على النفط في المنطقة، التي تعتمد عليها في صناعة الحرب والسلم، وعلينا لتحقيق ذلك تبديل العساكر برجال الدين»...
أخذت الثورة الإيرانية معظم الناس على حين غرة . فقد كانت الحكومات والجماهير تكتفي بأن تنظر إلى هذا البلد على أنه " جزيرة من الإستقرار " وسط منطقة يشوبها العنف وتتسم بالتفجر - وذلك هو الوصف الذي استعمله الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر " . وعلى ذلك فإن الإضطرابات التي أدت إلى إقصاء الشاه عن عرشه ، وقيام نظام إسلامي بعده بقيادة عدوه اللدود " آية الله الخميني " ، لم تكن ظاهرة منعزلة . وإنما كانت وببساطة ،آخر فصل في عملية تاريخية طويلة تعود جذورها إلى الميراث القومي والديني للشعب الإيراني ، تفجرت ثم أخمدت ، أثناء الأزمة التي نجمت عن قيام الدكتور " محمد مصدق " بتأميم صناعة البترول عام 1950 _ 1953 ، وعند ذلك أخذت شكلا سريا إلى أن انفجرت بشكل نهائي عام 1978 _ 1979 . من خلال هذا الشكل الأخير الذي عبر عن الثورة ، أصبحت شيئا يتخطى دلالاتها المحلية ، إذ أنها تضمنت العديد من العناصر التي تهيمن على العقد الذي بدأناه : وهي : البعث الإسلامي ، ومشكلة الطاقة ، والتوزيع الجديد لثروة العالم ، والتنافس بين القوتين الأعظم . كل هذه العناصر تضافرت لتحول منطقة الخليج إلى مركز الجاذبية في العالم . ولا شك أن ما حدث في إيران قد ترك أثرا علينا كلنا ، وقد لا يكون من قبيل
وما ان حطت اقدام الامام على ارض مطار طهران صارات ايظا تحت تلك الاقدام تاريخ امبراطورية قوامها 2500 سنة من كان اخرها ذالك الطاووس الكهل.
مشهد شاه ايران محمد رضا بهلوي وهو يغادر بلده٬ والعسكريون يعانقونه وبعضهم يقبلّون يده وهم يبكون في مطار طهران.
اذا كان العسكريون عادة يقومون بثورات يطيحون الملوك بها٬ فما هي القوة التي أجبرت إمبراطور على المغادرة؟
وبعد هذا المشهد المريب المقتضب٬ عاد الامام الخميني على طيارة "اير فرانس" من منفاه في باريس٬ وكان ذلك هو الاعلان الرسمي لنجاح الثورة الاسلامية٬ بعد نشر بذورها
وفلسفتها على كاسيت حقق توزيعا خياليا٬ كما حاول المّنظرون وكتبة "فقهاء السلاطين" تبرير نجاحها٬ واُعلن قيام الجمهورية الاسلامية في ايران بعد سقوط عرش الطاووس.
غادر الشاه مع مساعديه المهددين باحكام اعدام سلفا٬ ليبدأ رحلته في العلاج من السرطان٬ والبحث عن سقف وطن يقبله كلاجىء سياسي في أوروبا أو جزر الكناري أو
الولايات المتحدة٬ إلى ان استقبله الرئيس السادات٬ الذي حفظ له بوفاء الصديق المخلص موقفه اثناء حرب اكتوبر/تشرين الاول٬ بعدما رفضه جميع الذين قدموا حق اللجوء
السياسي حتى لمن لا يستحقه٬ ليموت في القاهرة وُيدفن في جنازة مهيبة كامبراطور في مقبرة والده داخل احد مساجد العاصمة المصرية.
وقاد الثورة رجل من المؤسسة الدينية حالا فيها كرصاصة انطلقت من القرن السابع الميلادي لتستقر في قلب القرن العشرين ـ كما وصفه محمد حسنين هيكل في حينها ـ فتحول الى شمعة صغيرة قدرت طاقتها الانفجارية بـ الف قنبلة نووية ـ على حد تعبير احد الكتاب الظرفاء ـ
-------------------------------------------------------------------------------------------المصادر------------------------------
1 - سقوط عرش الطاووس انهيار القوات المسلحة الإيرانية في عهد الأسرة البهلوية -د. حقي شفيق صالح.
2 - مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي
3 – جريدة القبس الكويتية: كيف خطفت الحركة الإسلامية «عرش الطاووس» من الشاه وسلّمته في سنتين إلى الإمام الخميني؟نشر في : 06/02/2009.
4 – موقع دنيا الوطن :احتفال القرن الذي أطاح بـ"الشاه".
5 - «إيران بين التاج والعمامة» أحمد مهابة،
6 - «الشاه وأنا» أسد علم، وزير بلاط الشاه.
7 – مدافع ايات الله.محمد حسنين هيكل.
8 - «حب دائم.. حياتى مع الشاه» «الشهبانو فرح بهلوى» زوجة شاه إيران الراحل «محمد رضا بهلوى»