سكاي برس /
سليم الحسني
قبيل مقتله، حاول السيد مجيد الخوئي زيارة المرجع الأعلى السيد السيستاني، لكنه قوبل بالرفض. كان السبب وراء ذلك عدم اتضاح الموقف العسكري يبن أمريكا والعراق، فالحرب لا تزال مشتعلة، ونظام صدام قائم في بغداد، وهذا ما جعل مكتب السيد السيستاني يأخذ الحيطة، خوفاً من تكرار تجربة الانتفاضة الشعبانية عام ١٩٩١.
لم يقدم مقتدى الصدر على قتل مجيد الخوئي في الأيام الأولى لعودته للنجف الأشرف، فقد كان واضحاً أنه جاء بحماية أمريكية، لكن الأمر تغير بعد الانسحاب المفاجئ لأفراد حمايته، فوجد مقتدى الصدر أن رجل أمريكا القادم على الدبابة أصبح وحيداً، فأرسل أتباعه لقتله في عملية دموية بشعة.
اكتشفتْ قيادة الاحتلال الأمريكي بعد مقتل مجيد الخوئي، نزعة العنف عند مقتدى الصدر. وقد مثّل هذا الاكتشاف نقطة مهمة في مسار الأحداث التي تريدها أمريكا. فالمشروع الأمريكي كان بحاجة الى شخصية مؤثرة في الحوزة لتمرر من خلالها نسخة الإسلام المستورد، والى شخصية أخرى قادرة على إثارة العنف والاضطراب الأمني لتفتيت الشيعة من الداخل.
أصبح مقتدى الصدر أسيراً طليقاً في حسابات الأجهزة الأمريكية، فملف اغتيال الخوئي ورقة ضغط وابتزاز ثقيلة، تلوح بها أمام أنظار القاتل حين تريد تحذيره، وتخفيها عنه حين تريده أن يتمادى.
إن أمريكا بخبرتها وتجاربها الطويلة في مناطق العالم، كانت دائماً بحاجة الى رجل نار، تضع أمامه الحطب وتتركه يشعل الحرائق، وبذلك تضمن بقاء الأزمة مستمرة، فيما تتحكم هي بمستوياتها من خلال تحديد كمية الحطب. (تاريخياً ولدت هذه الفكرة في ذهنية الإدارة الأمريكية أثناء حربها الأهلية، وتم اعتمادها بعد ذلك في العديد من المناطق التي تدخلت فيها عسكرياً).
مقتدى الصدر صار جاهزاً للقيام بدور رجل النار، كان رجل نار سهل التوجيه، بحكم صغر عمره في بداية الاحتلال، وعدم امتلاكه أي خبرة وتجربة في مجال السياسة، كما أن رصيده العلمي البسيط يجعله يبحث عن عناصر قوة يستعين بها، ولم يكن أمامه سوى استيعاب جماعات العنف حوله تحت عنوان والده المرجع الشهيد محمد الصدر.
حقق مقتدى الصدر الكثير للمشروع الأمريكي، بعض الخطوات كانت عن طريق استدراجه، وبعضها عن طريق توجيهه من خلال قنوات متفرقة أبرزها محمد بن سلمان وهو شخصية شديدة الشبه بمقتدى الصدر. (هناك توقعات بأن يقوم الرئيس الأمريكي الجديد بايدن، بفتح ملف مجيد الخوئي وملف جمال خاشقجي في وقت متقارب).
بدأ مقتدى الصدر نشاطه في بداية الاحتلال بإعلان العداء للمرجع الأعلى السيد السيستاني، لكن الأمور تغيّرت بعد ذلك وبشكل تدريجي لتتحول الى الانسجام. وبعد عام ٢٠١٤ أي في حكومة حيدر العبادي، وصل الأمر الى التنسيق الوثيق بين السيد محمد رضا السيستاني وبين السيد مقتدى الصدر. وقد روّج بعض تلامذة السيد محمد رضا عنواناً لافتاً في تلك الفترة وما بعدها بوصف زعيم التيار الصدري بـ (الذراع الضاربة للمرجعية).
تعمّق التنسيق والتعاون بين السيدين محمد رضا السيستاني ومقتدى الصدر قبيل انتخابات عام ٢٠١٨، ووصل الى أعلى مستوياته بين الرجلين. وكان المسار ينسجم بطبيعة الحال مع توجهات السفارة الأمريكية ومع المشروع الذي حمله (بريت ماكغورك) لإعادة تشكيل الخارطة الشيعية بعد الانتخابات. بحيث يكون مقتدى الصدر صاحب الكتلة الأكبر، في مقابل اضعاف الكتلة البرلمانية للحشد الشعبي.