بغداد / سكاي برس
علي بشارة
«يعمل الشباب في السعودية وإيران على دفن عام 1979 والتطلع لمستقبل أفضل»، هكذا ربط الكاتب الأمريكي «توماس فريدمان»، بين حرب الأجيال الجارية في كل من إيران والسعودية.
وفي مقاله بصحيفة «نيويورك تايمز»، دعا «فريدمان» إلى دعم الشباب السعودي والإيراني لدفن عام 1979، لتقديم هدية لمسلمي العالم كله.
ويقول الكاتب الأمريكي، إن «إيران والسعودية اللتين تخوضان حربًا على تصدير ما تراه كل واحدة منهما التفسير الديني الصالح للمسلمين في العالم تشتركان في شيء واحد هو الجيل الشبابي»، بحسب ما نقلت صحيفة «القدس العربي».
ويضيف: «قيادة الشباب للتظاهرات التلقائية التي ضربت إيران في الأيام الأخيرة، ترافقت مع رفع السعودية القيود ومواجهة المؤسسة الدينية، ويعتقد أن التطورين يعلمان بداية النهاية للطهورية المتطرفة التي أصبحت وجهة العالم الإسلامي في عام 1979».
لماذا 1979؟
وعن سبب اختيار هذا العام بالتحديد، يقول «فريدمان»: «هذا عام محوري، يروج له ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، باعتباره العام الذي فقدت فيه السعودية اعتدالها، ففي هذا العام فقدت المرأة دورها، واختفت التعددية السياسية والتعليم الحديث في كل المنطقة العربية- الإسلامية، وتغذت جماعات التطرف مثل القاعدة وداعش التي أدت نشاطاتها لتدمير حياة الأبرياء المسلمين وغير المسلمين وتركيب الكثير من البوابات الإلكترونية في المطارات حول العالم».
كما شهد ذات العام، والحديث لـ«فريدمان»، خروج الثورة الإسلامية، وفرض ملالي الثورة الحجاب على المرأة، وتبني نظام ديني للحكم بعد سقوط الشاه.
ويشير الى ان العام 1979 شهد ايضا اعلان "صدام حسين" رئيساً للعراق بعد ازاحته لـ"البكر" وكل من ينافسه على السلطة.
ويضيف: «في العام نفسه سيطرت مجموعة من المتشددين (جماعة جهيمان) على الحرم المكي، ما أفقد العائلة السعودية الحاكمة صوابها، وكان رد فعلها بعد هزيمة المسلحين هو منع الموسيقى والترفيه في مملكة الصحراء، ومنحت المطاوعة، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطة واسعة، وكثفت جهودها لتصدير رؤية متشددة للإسلام، معادية للمرأة إلى المدارس والمساجد من لندن إلى جاكرتا».
ويتابع الكاتب الأمريكي «هو العام الذي غزا فيه الاتحاد السوفييتي أفغانستان، حيث دعمت الولايات المتحدة المجاهدين الإسلاميين الذين مولتهم السعودية على القتال، وهزيمة روسيا هناك».
وشهد العام نفسه حادث جزيرة الثلاثة أميال النووي في أمريكا، والذي حد من نمو الطاقة النووية، ومن هنا فالتجميد النووي والاضطرابات في الشرق الأوسط وصعود دينغ زياوبينغ للسلطة وتبنيه الرأسمالية في الصين أدى لزيادة الطلب على النفط، وأصبح لدى السعودية وإيران فائض من المال استخدم للتنافس بينهما لتصدير الرؤية الأصولية لكل منهما، بحسب «فريدمان».
جيل إيراني جديد
ويضيف: «مع زيادة نسبة الشباب وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية أصبح هؤلاء متمردين على النظم السابقة، ولا يريدون تلقي رؤى يفرضها عليهم جيل الكبار».
ويتابع: «يعمل الشباب في السعودية وإيران على دفن عام 1979، والتطلع لمستقبل أفضل، ولهذا كانت التظاهرات الأخيرة ردا على ما ورد في ميزانية منحت الحرس الثوري مخصصات عالية من أجل مواصلة مغامراته في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وكذا مؤسسات دينية ليس لها أهمية سوى أن صاحبها يدير مكتبة باسم والده آية الله الراحل».
ويقول «فريدمان» إن «إيران لديها شعب متعلم وتراث ثقافي غني وهي أمة قادرة على تحقيق إنجازات في العلوم والطب والكمبيوتر والفنون، إلا أن نظامها لا يركز على تعزيز الشباب الإيراني بل توسيع تأثير طهران في الدول العربية الفاشلة من خلال ميزانيات بمليارات الدولارات ولهذا صرخ المتظاهرون (الموت للديكتاتور) أي المرشد الروحي للجمهورية الإسلامية، آية الله خامنئي، وصرخوا (انسوا سوريا وفكروا بنا)».
السعودية على الخطى
ولم يختلف الحال كثيرا في السعودية، بحسب «فريدمان»، الذي يقول إنه رصد المواقف ذاتها من خلال رحلة له إلى السعودية، حين استمع للشباب الذين عبروا عن رغبتهم باختفاء رجال الهيئة، وقالوا إنهم يريدون حياة مستقلة من دون تدخل، و«كان هذا الشعور بارزاً بين النساء».
فالشباب حسب رؤية الكاتب الأمريكي، يرغبون بحضور الحفلات الموسيقية، وقيادة السيارة، وفتح شركات، والاختلاط بالنوع الآخر، والاحتفال بالثقافة الوطنية السعودية، والطعام، والفن وليس الإسلام فقط.
يقول «فريدمان»، إن «بن سلمان» اتخذ خطوات لم يتجرأ أي من أبناء عمومته على اتخاذها، مثل منع الشرطة الدينية من الشوارع، والسماح للمرأة بقيادة السيارة وتخفيف سلطة رجال الدين، والسماح للمرأة بحضور المباريات الرياضية، والسماح بدور السينما، ودعوة نجوم البوب العرب والغربيين في حفلات غنائية، والعودة بالسعودية لمرحلة ما قبل 1979.
دولة واحدة ونظامان
وحسب رجل أعمال خليجي تحدث إلى «فريدمان»، فالأمير «بن سلمان»، يحاول تبني نسخة سعودية عن الصين «دولة واحدة، ونظامان».
ويعني بهذا، أنك لو كنت متديناً وتريد مكة فهي موجودة، وتستطيع زيارتها، ولو كنت تريد «ديزني لاند»، فـ«بن سلمان» مستعد لبنائها لك.
فولي العهد لم يعد مرتبطاً برؤية «سعودية واحدة»، وفي ظل الثقافة القبلية المتسيدة فيعني أن الكثير من الشباب سيعتمدون على الملكية والجيش.
فرق الحاكم
وبحسب «فريدمان»، فهناك فرق بين السعودية وإيران، خاصة أن الأولى لم تشهد تظاهرات كما هي الحال مع الثانية.
والفرق هناك كما يرى الكاتب الأمريكي، هو في القيادة، فإيران يقودها رجل عمره 78 عاماً، أما السعودية فيحكمها شاب عمره 32 عاماً، وهو ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان».
ويعترف الكاتب أن لدى ولي العهد حزمة من المشاكل، فهو متهور ومستبد مارس البلطجة على رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» وأجبره على الاستقالة، وورط نفسه في حرب اليمن، وأسهم في الكارثة الإنسانية التي يعاني منها البلد، واشترى لوحة فنية ويختاً بملايين الدولارات، وأعلن حرباً ضد الفساد في الداخل.
وبرغم كل هذا، يجد «فريدمان» ما يمدح به «بن سلمان»، خاصة جهوده في الإصلاح الاجتماعي، فهو متناغم مع الشباب بل ويسبقهم، إلا أنه يقول إن «الإصلاح السياسي ليس على الأجندة الآن».
تغيير قادم
ويلخص «فريدمان»، حديثه بالقول: «في السعودية هناك تحركات من الأسفل للأعلى والعكس للتخلص من 1979 والبحث عن مستقبل جديد».
أما في إيران، بحسب الكاتب الأمريكي، «فهناك تحرك من الأسفل للأعلى، وطي صفحة عام 1979، إلا أن رجال الدين يريدون سحقهم».
ويختم بالقول: «يجب أن ندعم الشباب السعوديين والإيرانيين لدفن عام 1979، ولو نجحوا فستكون هدية لمسلمي العالم وللعالم بشكل عام الذي أنفق التريليونات لمواجهة الغضب الذي أطلقه هذا العام المحوري».