Skip to main content

هل يصبح العراق بلا أميركيين وإيرانيين؟

مقالات الأحد 29 تشرين ثاني 2020 الساعة 19:03 مساءً (عدد المشاهدات 1686)

سكاي برس /

عدلي صادق

 

في محاولة للتخفيف من ثقل الرياح الشديدة التي لا يزال يتعرض لها الرئيس الأميركي المغادر دونالد ترامب، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين الذين رفضوا زعزعة الثقة في النظام الانتخابي ومؤسسات الدولة؛ أصدر بعض القرارات التي يمكن أن تلقى استحسانا، على طريقة “الضرب بالكف وتعديل الطاقية” قبل أن يسلّم المسؤولية لمنافسه الفائز جو بايدن.

 

وعلى الرغم من كونه لا يزال يتمسك بالموقف الذي يشق الأميركيين طولا وعرضا، ويتسبب في إضعاف هيبة الدولة؛ إلا أنه لم يتردد في الاستفادة من الفرصة التي تتاح لكل رئيس مغادر، لكي يتخذ في أواخر أيامه بعض القرارات التي يمكن أن تُذكر لصالحه، بالخير. فمثلما قرر في 17 نوفمبر الجاري، إعادة بعض القوات الأميركية التي تخدم في الخارج إلى بلادها؛ يتوقع موالوه وخصومه منه المزيد من القرارات في الأسابيع المقبلة.

 

ويدل تصريح وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، كريستوفر ميلر، الذي تحدث عن تخفيض القوات في العراق وأفغانستان، على أن المسؤولين الأميركيين، يمكن أن يرحبوا بالقرارات التي يرونها منطقية أو صحيحة ومفيدة. وكان صدى قرار ترامب، على لسان ميلر، أن وزارة الدفاع سوف تخفض القوات في أفغانستان والعراق ​​إلى 2500 رجل، لكل منهما بحلول 15 يناير 2021، أي قبل أيام قليلة من مغادرة ترامب البيت الأبيض.

 

وعلى صعيد هذا التفصيل، يتركز الانتباه على الوضع في العراق تحديداً، لأن أمور أفغانستان تتطور وفق عملية محددة انخرطت فيها الولايات المتحدة، ولا اختلاف على وجهتها بين الإدارة الأميركية المغادرة والإدارة المقبلة. ويبدو أن الخطوة الأميركية، قد أثارت بعض القلق لدى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، على الرغم من أنها لم تكن مفاجئة بالنسبة إليه، حسب أوساط أميركية وإسرائيلية. فعلى الأقل، كان ترامب نفسه، عندما التقى الكاظمي (19 – 8 -2020) حذر رئيس الوزراء العراقي الذي تولى منصبه قبل نحو ثلاثة أشهر فقط من اللقاء؛ أنه في حال فوزه، سيسحب جميع القوات الأميركية في غضون ثلاث سنوات، وبعد اللقاء بقليل تراجع ترامب عن جدوله الزمني الأول، وقال إن الوجود العسكري الأميركي لفترة طويلة، سيكون بمثابة حِصنٍ حيوي، ضد مساعي إيران للسيطرة الكاملة على العراق.

 

يبدو أن المقاربة الزمنية الأولى التي تحدث عنها ترامب للكاظمي، قد تعرضت للتعديل عبر الخط المفتوح بين نتنياهو والرئيس الأميركي. فإسرائيل لا تكف عن الحديث عن حاجتها وحاجة الولايات المتحدة، إلى شطب النفوذ الإيراني في العراق. والإسرائيليون يقولون إن إيران ذات نفوذ قوي في العراق، وتمارس سلطتها على العديد من جوانب الحكم فيه، من خلال مجموعة من الميليشيات التي صنعتها وتديرها، لاسيما وأن هذه الميليشيات، قد استولت فعليا على الشرطة والقوات شبه العسكرية في البلاد، حسب ما ترى إسرائيل.

 

وبالتالي فإن تل أبيب لا تؤيد سحب القوات، طالما أن رئيس الوزراء الكاظمي، بدأ فعلا، بعد فترة وجيزة من تسلم منصبه، عملية انتزاع السيطرة على البلاد من قبضة الإيرانيين، وقد دلت على هذه الوجهة، حركته السياسية في الجوار. لذا ستكون القوات الأميركية المرابطة في العراق، عنصرا مساعدا له.

 

وفي الحقيقة لا يقتصر الأمر على الكاظمي، لا في التقييم الموضوعي للمعطيات على الأرض، ولا في نظرة الإسرائيليين لهذه المعطيات. ففكرة انسحاب الأميركيين مقلقة لكافة الدول المناهضة لإيران، فإن لم تكن ستشجعها على التجرؤ والتوغل، يكمن أن تدفع هذه الدول مضطرة، إلى مسايرة طهران، وفي الحالتين سيكون الأمر محبطا لكل المقاصد الإسرائيلية في الإقليم. وهذا ما يجعل تل أبيب معنية بإيقاد الضوء الأحمر، والتحدث عن خطر لا يقتصر على إيران الدولة، وإنما عن خطر مضاعف، من ظهور جماعات إسلامية شيعية وسنية!

 

عدد القوات الأميركية في العراق، لا يزيد عن ثلاثة آلاف جندي، ولولا السلاح الجوي الأميركي، لأمكن للميليشيات الحالية أن تبيدهم. وخفض عددهم يزيد من احتمالات الخطر عليهم. ففي بداية العام 2020 كانوا خمسة آلاف جندي، ثم أصبحوا ثلاثة آلاف، وقرر ترامب سحب 500 وإبقاء 2500 ومنتقدو هذا القرار، وهم اللوبي المؤيد لإسرائيل بقوة، يرون أن قوة بهذا العدد الضئيل، لا تكفي للحفاظ على “حملة الضغط الأقصى” على إيران.

 

لكن ترامب من جانبه، يريد أن يصنع لنفسه ميزة، وهي أنه سيعيد المزيد من الجنود، وهذه مسألة تلقى استجابة شعبية يريدها لنفسه، في وقت باتت فيه مسألة منح إيران ميزة ربما تساعدها للسيطرة على العراق، أمرا ثانويا بالنسبة إليه كرجل يعاند نتائج الانتخابات ويراهن على صراخ المتعاطفين معه في الشارع!

 

منذ أن تولى الكاظمي منصبه، قادما من المؤسسة الأمنية العراقية الموصولة بالأميركيين؛ أظهر تصميما مع رباطة جأش، لممارسة سلطته على الميليشيات المدعومة من إيران. وبعد حوالي شهر من بدء عمله، وقعت الهجمات الصاروخية على السفارة الأميركية وعلى مطار بغداد.

 

وعندما اعتقلت القوات الأمنية العراقية المدرّبة أميركيا، عددا من المهاجمين، وداهمت مقرات ميليشيا “حزب الله” العراقي وضبطت صواريخ واعتقلت ثلاثة من قادة الميليشيا؛ تحركت على الفور قوة ميليشياوية مكونة من نحو 200 عنصر مقاتل في نحو ثلاثين عربة رباعية الدفع ورشاشات متوسطة، وتوجهت إلى منزل رئيس الوزراء، وطالبت بالإفراج عن العناصر المحتجزة، وكانت التسوية بالتراضي، لحفظ ماء وجه الحكومة مع إرضاء الميليشيات: رفض الإفراج الفوري، لكن الاعتقال نفسه يصبح في عهدة ميليشيا “الحشد الشعبي” تحرسهم وتؤمنهم!

وعلى الرغم من أن الذي حدث، أمر غريب، إذ كان المدعو “أبوزينب” قائد “حزب الله” هو الذي قاد الهجوم على منزل رئيس الحكومة؛ إلا أن الكاظمي احتفظ بقدرته على المبادرة، واستقطب الحشد الشعبي بالغواية الوظيفية، وكان قد أصدر قرارا لرئيس الحشد فالح الفياض، بعد شهر من تعيينه، بدمج كل المجموعات شبه العسكرية، في التنظيم الرئيسي للحشد، لجعل من يعتمد على إيران في تغطية كلفة حياته، يعتمد على حكومته، على أمل أن تنشأ مرجعية عليا جديدة، أو مصدر توجيه، مع وجهة ووظيفة جديدتين مستقبلا. وقد رأى بعض المراقبين، أن هذا انقلاب قام به الكاظمي، ويُعد “أقوى عمل للدولة ضد القوات شبه العسكرية المدعومة من إيران منذ سنوات”.

 

وخشية أن يكون قد وضع الثعبان في عُبّه؛ أدى الكاظمي زيارة رسمية إلى إيران في يوليو الماضي، لكي يوازن علاقاته السياسية في الإقليم، وربما قدّم للإيرانيين صيغة لا تخلو من فائدة، وهي عراق بلا أميركيين، وإيرانيون يظفرون من الغنيمة بالإياب!

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة