Skip to main content

جدل عاشورائي

مقالات الخميس 20 آب 2020 الساعة 22:34 مساءً (عدد المشاهدات 2513)

سكاي برس /

نعمه العبادي /
منذ عشرات القرون يتكرر جدل في كل بداية شهر محرم الحرام، وبعض هذا الجدل قديم وبعضه جديد اصوله قديمة، وقد يستجد بعض آخر، ومما يؤسف له، أن ينخرط الكثير غفلة او سذاجة أو اشتباهاً في بعض مفرداته، واحياناً يتحول إلى مواقف متضادة يفرق العلاقات ويعكر الاجواء، بل قد يؤجج العداء، واعرض في هذا المختصر بعض هذا الجدل، واحاول بيان ما هو المناسب فيه:
- رأس السنة مناسبة فرح وليس يوماً للحزن: يتبادل معظم المسلمين التهاني برأس السنة على اساس انها هجرة النبي ص، ويعترض هؤلاء على اعلان مظاهر الحزن في هذا اليوم وكل الشهر، وهنا لا بد ان يعرف هؤلاء جملة امور اهمها: ان المصادر الدقيقة ذكرت ان هجرة النبي ص كانت في شهر ربيع وهناك قصد من اطراف غيرت التاريخ وحاولت التدليس على حادثة عاشوراء، وان الهجرة في حد ذاتها وإن انتهت الى تكوين دولة المدينة، فهي حدث محزن اخرج فيه النبي ص من دياره، وكان اخراجه محفوف بالمخاطر، ولم يسلم لولا مبيت الامام علي ع محله، كما ان ابتهاج اهل المدينة لم يكن في اول المحرم، بل لسلامة وصوله من الخطر الذي احاط به، وهذا كان لاحقاً، مع التنزل عن كل هذا، فإن حدث الهجرة على اهميته لا يعدل حجم الفجيعة والحزن والالم الذي لحق بقلب النبي ص وآله جراء ما حصل في مقتل الحسين ع وسبي ذريته، وكل فواجع تاريخ المسلمين اللاحقة التي جاءت جراء الاستهانة بالقتل والتعدي على الحرمات، وقد وعد الحسين ع بانه اذا استهان الحكام بقتله فلن يراعوا ذمة احد بعده، وهو ما حصل فعلاً.
- ان مظاهر عاشوراء من لبس السواد والبكاء واللطم على الحسين ع تساهم في اثارة العنف، وتخلق بيئة مشجعة عليه، وتؤثر على التربية: وهذه مغالطة ساذجة، فكل العزاء على الحسين ع هو ادانة مركزة للعنف والقتل، واعتراض على الظلم، ومواجهة بشكل عملي لكل القتلة، والتأسف على ما تم صنعه بالانسان النبيل الذي يؤازر الحق ويدافع عنه، كما ان هذه البيئة ترقق القلوب والنفوس وتشجع على الكرم والعطاء، ولم تخرج القاعدة ولا داعش ولا كل اصناف القتلة عبر التاريخ، وان مدرسة الحسين ع هي مدرسة الحزن على المعصية والبكاء على الخطأ وتنقية الروح من اي تعلقات بالدنيويات السيئة، وبعد هي تحث على التقارب والتراحم، وحب الآخر الايجابي.
- تقليب التاريخ يعيدنا الى الشقاق والفرقة والافضل نسيانه: بالمناسبة، فإن دعاة عفى الله عما سلف في هذه الجزئية بالتحديد، هم اكثر الناس دعماً لممارسات الافتراق في المواضع الاخرى، ثم من يقول ان الوقوف على الخطأ والبحث في الحقيقة، واستبيان هوية القاتل من المقتول، هي دعوة للافتراق والتشرذم، فهل هذه المذاكرة هي تحميل للآخرين مسؤوليات لم يقترفوها او ادانتهم بغير فعلهم؟ والجواب كلا وألف كلا، ومن يفعل ذلك مخطىء ومشتبه، والصحيح، اننا نحتاج من كل انسان ان يميز موقفه الحق من كل حادثة وحدث، ويعرف الظالم والمظلوم منه، وان السكوت والتواطيء مع قتلة الامس هي مشاركة فعلية لهم، وقبول بفكرة القتل نفسها، وهكذا الامر في كل الجرائم والاعتداءات، وان الذاكرة المجروحة اذا لم يتم مكاشفتها بشكل دقيق وصحيح، فهي تمدنا بعلم وبدونه بالكثير مما يؤجج الخلافات والانشقاقات، لذلك لا بد من البحث في حيثياتها.
- شعائر الحسين ع بدعة لا سند لها شرعي: وهذا الجدل ينبغي ان يسبقه حسم متقدم يتعلق بهذه الاشكالية وغيرها، وهو جدل ما هو المشروع وما هي مصادر التشريع الحقيقية وكيف يمكننا ان نميز بين العمل العبادي المشروع والبدع والاضاليل؟ وجواب هذا اننا نعتقد، ان مصادر التشريع الحقيقية هي الكتاب والسنة، والسنة تأتي متأخرة رتبة عن الكتاب، بمعنى كل ما قطع به الكتاب حاكم على السنة وغيرها، والسنة هنا، هي قول (حديث)، وفعل (السلوك العملي)، وتقرير (أمضاء فعل او قول بالقول او السكوت عليه وهو مطلع على ذلك)، المعصوم (وهو هنا محمد وفاطمة والائمة الاثنى عشر عليهم السلام تحديداً لا غير) على ان يتم نقل ذلك بالطرق الموثوقة الصحيحة، وبعد هذا التقرير يأتي السؤال، ماذا طلبت منا الشريعة بشأن الولاء والبراءك وبشأن شكر النبي ص على رسالته، وماذا تعني مودة القربى، كما ينبغي ان نتتبع سلوك المعصومين في هذه الجزئية، فهي الحاكم على افعالنا وصحتها، الامر الذي يكشف، ان العزاء والحزن والبكاء على الحسين وآله كان من أولى اولياتهم، وقد تعاهدوا على التوصية به لكل المسلمين.
- اخيرا اريد بيان امور:
الاول: اتمنى على كل شخص ينخرط في هذا الجدل بدون خلفية معرفية ولا اطلاع دقيق، ان يعود للمصادر وللمراجع الموثوقة، كما اتمنى عليه، ان يعطي نفسه لحظة تأمل وتدقيق، وليرى نفسه في اي واد منزلقة.
الثاني: لا بد من التذكير، ان هناك قواعد صارمة في شعائر الحسين ع وعزائه، ولا يجوز تحت اي ظروف ان يتم ابتداع او اختلاق امور تنافي سيرة المعصومين وطريقتهم في الاحياء.
الثالث: ليحاول كل من لم يحظ بمقاربة الحسين ع وعشقه، ولم يستمتع بهذه النقاء الصوفي العرفاني المميز، ان ينخرط تدريجياً ومع نفسه في حزن الحسين ع ومصيبته والتفجع له، وليشاهد الآثار العظيمة الني سوف يحصل عليها جراء هذا الاقتراب..
عظم الله اجورنا واجوركم جميعاً بفاجعة الحسين واهل بيته، ورزقنا ورزقكم، زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة