سليم الحسني
حكومة الكاظمي هي الأقل حظاً من بين الحكومات السابقة. لقد تشكلت في أسوأ الظروف. خزينة خاوية، هيبة الدولة ساقطة، وباء كورونا متفشٍ في البلاد، عودة تنظيم داعش في بعض المناطق، وغضب شعبي يتقوى بتبعات التظاهرات والفشل العام.
هذه الصعوبات الشاخصة أمام العين، ليست هي كل المشاكل التي تقف بوجه الكاظمي، فهناك مساحة أكثر خطورة وأشد تهديداً، إنها السلطة المتعاظمة للكتل السياسية. فقادة الكتل وصلوا الى ذروة القوة في التأثير والتحكم بالدولة. لقد طوى لهم عادل عبد المهدي المسافات، وأقعدهم على كراسي السلطة الفعلية، قبل أن يقدّم استقالته. أي أنه أنهى الدولة عملياً وحولها الى دول أحزاب، ووزع صلاحيات رئيس الوزراء على رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان.
هذه النقطة تستدعي النظر اليها بعمق، وتستوجب التوقف عندها لتكون هي المقياس الأهم في رصد حركة الكاظمي وتقييم أدائه. وهذا يعني أن عليه أن يستعيد من قادة الكتل ومن برهم صالح ومن محمد الحلبوسي، ما وهبه لهم عادل عبد المهدي.
قادة الكتل لن يرضوا بالتنازل عن مكاسبهم، فلقد سارت العملية السياسية على قاعدة التنافس بين الكيانات السياسية، ومن يأخذ مغنماً فهو ملكه لا ينازعه عليه أحد. وبذلك أسسوا مقاطعاتهم وحصّنوا حدودها، فإذا ما أراد رئيس الوزراء أن يعيدهم الى الدولة فان نوابهم في البرلمان يثيرون عليه ضجة ويشعلون له أزمة تشغله عن مواجهة القيادات السياسية.
برهم صالح لن يتخلى عن الصلاحيات المفتوحة التي جاءته من حيث لا يحتسب، لقد حصل على مكاسب سياسية لم يحصل المرحوم جلال الطالباني على عشرها رغم الجهود الشاقة التي بذلها في ولايتيه. فكيف يوافق على التفريط بها والعودة الى مواقعه الأولى؟
محمد الحبلوسي مدّ أذرعه في مرافق الدولة ومؤسساتها، وبنى امبراطوريته المالية والسياسية، وهو يستعد لمرحلة قادمة يكون صاحب الكلمة في تحديد رئاسة الوزراء التالية. وعليه لن يتراجع خطوة واحدة عن حدوده الواسعة.
هذا هو شكل الدولة حالياً، وهو يبيّن المنطقة المحدودة التي يتحرك عليها الكاظمي.
إن المطلوب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إعادة ترسيم الحدود داخل العملية السياسية، بحيث يعيد المتجاوزين على صلاحياتهم الى مواقعهم التي حددها الدستور، وأن يستعيد الهيبة لرئاسة السلطة التنفيذية.
إن هيبة الدولة تعود الى شكلها الطبيعي عندما يحترم برهم صالح حدوده، ويتوقف عن ممارسة دوره الجديد كرئيس أعلى للدولة. وتعود الهيبة عندما يصارح الكاظمي الشعب العراقي بتراخي القضاء وخضوعه لحسابات السياسيين ومصالحهم. وتسترد الدولة هيبتها عندما يقف بوجه محمد الحلبوسي ليدخل قاعة البرلمان ملتزماً بمساحته الدستورية.
هيبة الدولة ليست إجراءات شكلية، إنما هي فعل عملي مستقر على الأرض. وفي حالة العراق، فان هيبة الدولة تتحقق عندما يفي الكاظمي بوعوده بأسرع وقت.
ليس هذا هجوماً على رئيس الوزراء، لقد ذكرتُ في مقال سابق أنه كان صريحاً مع الشعب العراقي، لكن الصراحة يجب أن تستمر، وأن يرافقها الموقف الشاخص الملموس.
ننتظر من الكاظمي، هيبة الدولة الحقيقية. لقد تمادى عليها برهم صالح ومحمد الحلبوسي وفائق زيدان وقادة الكتل.