سكاي برس/
عبدالله بن بجاد العتيبي
التهديدات العسكرية بين أميركا وإيران تحدث في الوقت الضائع من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أعاد إيران سنواتٍ للوراء بعقوباته القاسية، وأوقف بحزمه ومواقفه الصارمة كل مغامرات النظام الإيراني غير المحسوبة، وقلّل من قدرة النظام على دعم الميليشيات والتنظيمات الإرهابية التابعة له، وكان الطرفان يتوقعان فترة رئاسية ثانية له، ويستعدان لها، ولكن المفاجأة حدثت، وفاز الديمقراطي جو بايدن، وأصبح الطرفان وكأنهما يريدان تسجيل نقاطٍ حاسمة قبل انتهاء الوقت.
من جهة، يبدو الرئيس ترمب وكأنه يريد إنجاز المهمة الأخيرة التي يتوّج بها عهده، ويقطف بها ثمار سياسته القوية ضد إيران. ومن جهة أخرى، تريد إيران أن تبدي لأتباعها وللعالم أنها ما زالت قادرة على خلق الإرهاب والفوضى وصناعة الحروب بالوكالة وبالأصالة، وللثأر، وهي تمهّد بذلك للتعامل مع الرئيس الأميركي القادم بايدن، وترى أن بإمكانها إخافته وإضعافه قبل أن يبدأ رئاسته.
هل ثمة نذرٌ للحرب في المنطقة؟ للجواب وجهان… المعلومات تقول: «نعم»، والعقل يجيب: «لا»؛ فالمعلومات المتبادلة والتصريحات المتناقضة والتحركات العسكرية تقول إن شيئاً ما يحدث ويتم الاستعداد له من الطرفين، أما العقل فيقول إن أحداً لا يريد حرباً جديدة ساخنة في المنطقة قد تكون مدمرة وطويلة، والنظام الإيراني خائف بالفعل من أن أي تحركٍ خاطئ من جهته قد يكلفه كثيراً، وربما يتسبب في سقوط النظام في مرحلة ما، ومن هنا خرج وزير الخارجية جواد ظريف ليقول إن أميركا تخطط لعملٍ ما يتم إلصاق مسؤوليته بالنظام الإيراني، بينما قادة «الحرس الثوري» يهددون في الآن ذاته.
خفوت الإرهاب المدعوم إيرانياً في المنطقة خلال الفترة الماضية كان دافعه خوف النظام الإيراني من أميركا، وليس حدوث تغيير في عقيدة النظام وسياسته واستراتيجيته، وبالتالي يمكن بسهولة رصد تحركات إيران والميليشيات التابعة لها في الدول العربية، وستنضم إليها قريباً التنظيمات الإرهابية، كتنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة»، والأمثلة كثيرة، وستشهد الأشهر المقبلة تصاعداً إرهابياً شيعياً وسنياً ليستعيد النظام الإيراني قدرته على تهديد العالم بالتخريب والتدمير والسلاح النووي.
استهداف السفارة الأميركية في بغداد بالصواريخ تم من ميليشيات تابعة لإيران شاهدٌ، واستهداف مطار عدن عند وصول الحكومة الجديدة إليها بصواريخ من ميليشيات الحوثي وبتخطيط قيادات إيرانية تقود العملاء على الأرض في اليمن شاهدٌ آخر على أن إيران تمتلك خطة جاهزة للشروع في استعادة نشر الإرهاب والفوضى، بمجرد أن تأمن بأن الرئيس ترمب قد خرج من الرئاسة بشكل كامل، ولم يعد بيده أي قرار، والأيام حبلى.
إيران خسرت في الفترة الماضية في العراق مع رئيس وزراء وطني قوي يصرّ على الإصلاح وتقوية الدولة العراقية، وهي خسرت في اليمن بعد توافق الفرقاء اليمنيين على تنفيذ «اتفاق الرياض»، وهي خسرت في سوريا بعد الضربات الموجعة التي تتلقاها ميليشياتها هناك على يد الجيش الإسرائيلي، وهي خسرت كثيراً على المستوى الاقتصادي جرّاء العقوبات، وخسرت اجتماعياً بعد العجز الفاضح للنظام في مواجهة فيروس «كورونا»، وخسرت بظهور ضعف أجهزتها الأمنية عن حماية بعض رموزها في العراق وداخل إيران، وخسائرها بالجملة، وضعفها ظاهر، وبالتالي فهي تخطط لعودة صاخبة، ما لم يكن لأميركا والدول العظمى موقف واضح تجاه أي تصعيد سيحدث في الفترة المقبلة.
كل النجاحات السعودية و«التحالف العربي» في اليمن خسائر فادحة للنظام الإيراني، وواضح أن مهاجمة المطار لم تزد الحكومة إلا إصراراً على إكمال طريق النجاح وإنقاذ الدولة اليمنية وشعبها من براثن ميليشيا الحوثي الإيرانية، ولم يعد بوسع النظام الإيراني إيقاف قطار النجاح الذي انطلق، وهي ستسعى جهدها، عبر أذرعها الرافضة لتحرير اليمن من جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي بشكل عامٍ، إلى دولة عربية صغيرة متحالفة مع «الإخوان» ومنخرطة في مشروع تخريب اليمن.
من أهم العقبات التي ستواجه مخططات النظام الإيراني أنها لن تعود إلى مرحلة ما قبل ترمب بسهولة؛ فقد تغيرت كثير من توازنات القوى في المنطقة، وخسائر إيران لا يمكن تعويضها، ودول المنطقة بنت تحالفات قوية، وغيَّرت معادلات القوة سياسياً واقتصادياً، وشرعت في نجاحات متتابعة في غالب الملفات المهمة، والنظام الإيراني بحاجة إلى سنواتٍ ليتعافى من تلك الخسائر، وإن استمر نوعٌ من التوافق الدولي على إبقاء العقوبات عليه؛ فهو سيستمر في المعاناة وضعف القدرة على خلق الفوضى ونشر الإرهاب.
إضافة لخسائر النظام الإيراني، فثمة خسائر متتابعة لحلفائه لا تقل عن خسائره؛ فتركيا ذات المشروع الأصولي المتحالف مع مشروع إيران الطائفي خسرت كثيراً، ولم تزل خسائرها متواصلة في ملفات متعددة، وحلفاء تركيا الصغار من دول وجماعات إسلام سياسي تخسر كذلك في مقابل مكاسب متتالية للدول العربية، فليبيا تتجه نحو الوحدة والاستقلال وطرد المستعمر التركي ومرتزقته، والسودان انعتق من ربقة الإسلام السياسي وعاد لشعبه وعمقه العربي، وهو يصنع سلاماً مع إسرائيل ويأخذ أراضيه المغتصَبة من جيرانه، ويشكل مع مصر تحالفاً قوياً لحماية مصالح البلدين.
ومن قبل نجحت الدول العربية في إنقاذ مصر من اختطاف جماعة «الإخوان»، وإنقاذ البحرين من عملاء إيران، والعمل مستمرٌ في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، والظروف مواتية والمعطيات مبشّرة، ودول الخليج تسجل نجاحات متتالية في مواجهة فيروس «كورونا»، وإحكام السيطرة عليه؛ ما يمنحها شفاء سريعاً يمهد لأدوار أكبر في المستقبل القريب.
كل نجاحٍ في مواجهة «كورونا» سيعيد تحريك الاقتصاد العالمي، وستعود أسعار الطاقة لأرقامٍ مهمة ستنعكس سريعاً على القوة والتنمية وبناء المستقبل؛ فكل الخطط معدة، وإنما تباطأ التنفيذ مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وتغير الحياة الذي فرضه فيروس «كورونا» على العالم أجمع، وبالتالي فالقدرة على التعافي السريع مؤشر قوة، بينما سيكون التعافي البطيء وبالاً على المشاريع المعادية.
أخيراً، فنشاط التنظيمات الإرهابية السنية في العراق وسوريا واليمن ومصر سيكون مؤشراً مهماً في هذه السنة، بحيث سيوضح مسار السياسات الدولية وصراعات القوى في المنطقة والعالم، والأنظمة السياسية المتحالفة مع إيران معروفة، ورصد مواقفها وسياستها وقراراتها وحركة أموالها في هذه السنة الجديدة سيكشف كثيراً من المسكوت عنه، وسيضع العالم ومؤسساته الدولية ودوله وقياداته على محك المصداقية.