Skip to main content

سرطان العقارات يلتهم العراق: اقتصاد وهمي وواجهات حزبية تمتص ثروات الشعب

مقالات الأربعاء 05 آذار 2025 الساعة 15:12 مساءً (عدد المشاهدات 143)

سكاي برس/ بغداد

كتب مراد الغضبان

العراق يغرق في فوضى اقتصادية مقنّعة، حيث تبتلع الأحزاب السياسية وأذرعها الاقتصادية السوق العقاري، محولة المدن إلى غابة من الأبراج والمجمعات التي لا تعكس أي ازدهار اقتصادي حقيقي، بل تضخم مالي قائم على المضاربة ونهب المال العام. هذه البنايات ليست استثمارًا، بل وسيلة لغسيل الأموال واحتكار الثروات، فيما المواطن يُسحق تحت وطأة الأسعار الجنونية.

سوق العقارات في بغداد وبعض المحافظات يعيش طفرة مفتعلة، إذ تقف خلفه جهات نافذة تمتلك السلطة والمال، تشتري الأراضي بأساليب ملتوية، إما بتحويل السكني إلى تجاري عبر صفقات مشبوهة، أو عبر شركات وهمية تتحكم بالسوق كيفما تشاء. الأسعار قفزت إلى مستويات غير منطقية، فسعر المتر المربع في المنصور والعرصات واليرموك وصل إلى 15 ألف دولار، بينما ارتفعت الأسعار في الشوارع الفرعية إلى 6 آلاف دولار، وهي أرقام لا تعكس واقع الدخل في البلاد، بل تعكس استحواذ حفنة من المنتفعين على السوق.

الأسوأ من ذلك أن هذه الجهات لا تكتفي بالمتاجرة بالعقارات، بل ترهن المواطنين لعقود طويلة عبر صفقات مع المصارف، حيث يتم تسويق الشقق بأسعار خيالية، لكن على أقساط تمتد بين 15 و25 عامًا، ليجد الموظف نفسه يدفع أقساطًا تتراوح بين 750 ألف ومليونَي دينار شهريًا، زِد على ذلك الفوائد المصرفية التي تصل أحيانًا إلى 10 أو 12%، ما يعني أن المواطن يسدد أضعاف سعر العقار على مدار السنوات.

لكن هذه الحلقة لا تنتهي عند المواطن الذي يشتري شقة، بل تمتد لتصل إلى كل تفاصيل حياته. فالتاجر الذي يبيع المواد الغذائية، أو الملابس، أو مواد البناء، أو يدير سوبر ماركت، هو في الغالب مستأجر لمحل تجاري بإيجارات فلكية تتراوح بين 3000 و4000 دولار، بل تصل في بعض المناطق إلى 15 ألف دولار شهريًا. هذه الإيجارات تمثل ما بين 75% و90% من وارد أي مشروع صغير أو متوسط، ما يجبر أصحاب هذه المشاريع على رفع الأسعار لتعويض التكاليف، وهو ما يؤدي إلى تضخم غير مسبوق في الأسعار، يدفع ثمنه المواطن وحده.

هذا الوضع يدمر أي فرصة لنمو الاقتصاد، لأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي العمود الفقري لاقتصادات العالم، بما فيها الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد بشكل أساسي على الشركات الناشئة. لكن في العراق، يتم خنق هذه المشاريع منذ ولادتها، فلا بيئة استثمارية، ولا دعم حكومي، ولا حتى قدرة على الاستمرار وسط هذه التكاليف المجنونة.

اليوم، العراق يتحول تدريجيًا إلى بلد غير صالح للعيش، حيث تتآكل الطبقة الوسطى، وتزداد نسب الفقر، ليس فقط بين محدودي الدخل، بل حتى بين الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص، الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن مواكبة ارتفاع الأسعار. كل ذلك بسبب اقتصاد هش، تقوده مصالح فئوية ضيقة، وتحركه مافيات العقارات، فيما الحكومة تتفرج على هذا الانهيار دون أي تدخل يُذكر.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة