سكاي برس /
سليم الحسني
في ٧ تشرين الثاني ١٩٧٩، التقى الامام الخميني في مدينة قم مبعوث البابا يوحنا بولس الثاني، حيث اطلع على رسالته التي يطلب فيها من الإمام الخميني التدخل لإطلاق سراح الرهائن الذين احتجزهم شباب الثورة في السفارة الأمريكية.
أجاب الإمام الخميني في ذلك اللقاء بكلمة مطولة، جعلت العالم يتوقف منصتاً الى كلمات هذا الرجل الذي أرادوا حصاره فحاصرهم، وحاولوا إحراجه فحشرهم في أضيق دائرة، ثم راح يجلي الحقائق الواحدة بعد الأخرى بالشواهد والسنين والأسماء والمفاهيم السماوية المشتركة بين الإسلام والمسيحية، وبقيم الإنسانية.
بيّن الإمام الخميني أن المحتجزين لم يمارسوا عملاً دبلوماسياً إنما كانوا متآمرين يقودون المخططات التدميرية، وحين يخرج النشاط عن صفته الدبلوماسية ويتحول الى تآمر ضد الشعوب فلابد من كشف المتآمرين وتعريف العالم بهم وبجرائمهم، حيث قال:
"يجب الكشف عن المؤامرات ضد الإنسانية وضد بلادنا وهذا حق أمتنا. ليس للسفارات أي حق قانوني في التجسس أو التآمر. وهذا المركز كما أثبت الخبراء كان مركز تجسس وتآمر".
في كلمته تحدث الإمام الخميني ناصحاً بابا الفاتيكان بأن يعمل من أجل المسيحيين في العالم ومن أجل كل الشعوب، لكي يعطي الصورة المشرقة عن الدين المسيحي، فلا يسمح للحكومات الظالمة المستكبرة أن تمارس عدوانها على الشعوب وهي تحمل الهوية المسيحية. فقد قال:
"يجب على السيد البابا أن يفكر في أمة السيد المسيح، ويفكر في كل الأمم المضطهدة. يجب أن يعلن السيد البابا أن ما تقوم به الحكومات العظمى من أعمال هي عكس منهج السيد المسيح، وعليه أن يكشف أمام العالم جرائم تلك الحكومات ليسمعها العالم المسيحي وكل شعوب الأرض".
كلمة السيد الخميني كانت حشداً من المفاهيم والدروس السياسية والإنسانية لقادة العالم في طريقة التعامل مع الشعوب. وكانت منظومة خطابية تحدد المسار الذي يجب ان يكون عليه مرجع الأمة وبابا الفاتيكان وعلماء الأديان السماوية.
كان الامام الخميني في لقائه مع المبعوث البابوي يصنع عز الشيعة بكلماته الموجهة للبابا وقادة العالم. كان يعلن بيان الكرامة الإنسانية وهو يتحدث عن معاناة شعوب الأرض من القوى الاستعمارية الكبرى وسكوت بابا الفاتيكان عليها، والسكوت ابتعاد عن قيم الدين والإنسانية.
كان الإمام الخميني يسمّي الأشياء والمواقف والأشخاص بكامل حروفها، ليسمعها الناس جميعاً، وليسمعها المعنيون بوضوح، إنه يعيش القوة بداخله، ويمتلك اليقين بموقفه فما الذي يجعله بعد ذلك يحتمي بالاشارات والاستعارات والتلميحات؟
كان الإمام الخميني يتحدث بصفته عالم دين إسلامي يخاطب عالم دين مسيحي، فيتحدث معه بالمشتركات الإنسانية والإلهية والتي تفرض على كل عالم دين أن يقوم بواجبه في الدفاع عن المظلومين من شعوب الأرض من مسلمين ومسيحيين وغيرهم.
وجّه الإمام الخميني أسئلته المتتالية لبابا الفاتيكان، عن الأسباب التي جعلته يسكت طوال السنوات الماضية عن محنة الشعب الإيراني. عن أسباب سكوته على المظالم المنتشرة في العالم. عن أسباب صمته على جرائم القوى الكبرى وهي تتدخل بشؤون الشعوب ومقدراتها وتبعث قواتها وجيوشها فتحتل وتقمع وتدعم الأنظمة الدكتاتورية.
لم يتحدث الإمام الخميني بصفته الرسمية مطلقاً، إنما كان يتحدث بلغة المرجع الديني الذي يعرف مسؤوليته ويلتزم بها ويسعى للنهوض بها، فهو خادم لأمته كما كان يقول.
حينما انتهى اللقاء، وقفت وسائل الإعلام العالمية تكرر كلمات هذا الرجل الزاهد الذي جلس على الأرض في غرفة بسيطة، فيطلق سيل العبارات المؤثرة الصادقة الواثقة في الدفاع عن شعبه والشعوب المستضعفة.
في ذلك اللقاء سمع العالم صوت الشيعة المزلزل بالقوة والثقة وهو يواجه القوى العظمى ويدافع عن شعوب الأرض.
في ذلك اللقاء العلني الذي تم بثه في نفس اليوم، تأكد الشيعة أنهم استعادوا عزهم وكرامتهم وقوتهم، وتطلعوا الى مستقبل يحفظ هذا الإنجاز من خلال الأدوار التي تقوم بها مرجعيتهم الدينية في قادم الأيام.