سكاي برس/ بغداد
سجّل العراق 5,402 حالة طلاق خلال شهر أغسطس الماضي، بحسب إحصائية لمجلس القضاء الأعلى العراقي.
ويشمل البيان الإحصائي لحالات الزواج والطلاق الذي ينشره المجلس شهرياً على موقعه الإلكتروني، جميع المحافظات العراقية، باستثناء إقليم كردستان شمال البلاد. ويمثل هذا الرقم انخفاضاً مقارنة بالشهر الذي يسبقه، وبأغسطس عام 2023، بناء على ما ورد في البيانات الشهرية، إلا أن معدلات الطلاق بشكل عام تمثلّ "ارتفاعاً مخيفاً" كما وصفها رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، الأحد الماضي.
وورد في البيان الذي نشره الغراوي، أن العراق سجّل 357 ألف حالة طلاق خلال السنوات الأربعة الماضية. مشيراً إلى أن "ارتفاع" الأرقام "يهدد استقرار الأسرة والمجتمع". وذكر أسباباً عديدة من شأنها أن تؤدي للانفصال بين الزوجين، منها "عدم التفاهم والتقارب فكرياً وثقافياً وأيضاً عمرياً" بالإضافة لـ"زيادة العُنف الأسري والخيانة الزوجية ومواقع التواصل الاجتماعي".
وبالحديث مع محاميين عراقيين على تفاصيل الأسباب الأكثر تكراراً داخل المحاكم العراقية في دعاوى الانفصال التي تشمل الطلاق والطلاق التعسّفي والخُلع والتفريق القضائي.
الحالة المادية والخيانة الزوجية
يقول المحامي العراقي الدكتور محمد العامري إن "الخيانة الزوجية" من أكثر الأسباب التي تؤدي للطلاق في المحاكم العراقية، وتبدأ عادةً عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي التي "سهّلت الخيانة" بحسب تعبيره.
ويوضح العامري أن قانون العقوبات العراقي فعلياً "يعاقب الخائن بالحبس مدة لا تزيد عن 5 سنوات وفق المادة 377 منه". من جهته، يشير المحامي حيان الخياط إلى "الحالة المادية (المالية)" باعتبارها الأكثر تكرارا من بين أسباب الطلاق التي تشهدها المحاكم.
تكون لدى الزوجة توقعات معينة لا تجدها بعد الزواج، يقول الخياط، أو لدى الزوج نفسه بأن "يصل لمستوى مالي واجتماعي معين ولا يحدث ذلك"، حينها تبدأ المشاكل بين الطرفين وتنتهي بالطلاق. ويضيف المحامي أن السبب الثاني الأكثر شيوعاً للطلاق "الخيانة الزوجية" وتلعب التكنولوجيا "دوراً كبيراً في حدوثها".
من الأسباب الأخرى "المهمة"، لكن تتكرر بشكل أقل منهما "المشكلات مع الأهل وعدم توفر سكن مستقل عن بيت عائلة الزوج" إذ تؤدي لحصول خلافات تنتهي بالطلاق بين الزوجين، يتابع الخياط.
ما الآثار السلبية للطلاق؟
في بيانه، الأحد الماضي، أشار فاضل الغراوي إلى "خطورة" الطلاق على الأسرة والمجتمع، على الرغم من أن أغلب الأسباب التي ذكرها قد تمثل ضرراً لكلا الطرفين أو أحدهما إذا استمرت العلاقة.. فأين الخطورة؟ يقول د. العامري، إن العنف الأسري الذي تتعرض له النساء من أبرز أسباب الطلاق وهذا العنف "يعاقِب عليه قانون العقوبات العراقي" ولكن "دائماً لا يؤخذ على محمل الجد من قبل السلطات المختصة".
السبب برأيه أن "الرجل العراقي يعتقد أن ضرب النساء من الثوابت الطبيعية وليس جريمة"، على الرغم من احتمال حصول جريمة قتل قد يرتكبها أحد الزوجين إذا استمر العنف ولم يتم الطلاق.
ويؤكد د. العامري أن الطلاق فعلاً قد يكون "أفضل حل إذا زاد زاد العنف داخل الأسرة". في المقابل، هناك آثار سلبية للطلاق، يتفق المحاميان العراقيان أن أكثر المتضررين منها هم "الأطفال" إن كان للزوجين أبناء.
ويشرح الخياط: "هذه الآثار لا تظهر مباشرة بعد الطلاق ولكن بعد مرور فترة من الزمن لأن الأطفال قد يصبحون طرفاً في نزاعات الوالدين المرتبطة بهم، كالحضانة والنفقة والمشاهدة، ثم تتولد مشاكل أخرى وتستمر في كثير من الأحيان". وفي السياق نفسه، يقول د. العامري إن للطلاق آثاراً سلبية "تؤثر أولا على المجتمع بصورة عامة بدءاً بتفكك الأسرة" بينما أكثر المتضررين منه "الطفل أولاً ثم المرأة".
"الطفل سيتربى في بيئة لا يتواجد بها أحد الوالدين وقد يؤثر عليه ذلك وعلى سلوكياته" يضيف المحامي د. العامري. الزوجة أيضاً لها نصيبها من الضرر، بحسب المحامي حيّان الخياط، والسبب "نظرة المجتمع النمطية لها بأنها السبب في حصول الطلاق، وقد كان بإمكانها البقاء وعدم جعل المشكلة تكبر وغير ذلك من اللوم".
يتفق معه المحامي د. محمد العامري، لافتاً إلى أن المجتمع قد لا ينظر إلى الزوجة باعتبارها "مذنبة" فحسب بل ينظر إليها كـ"مجرمة" في بعض الأحيان.
"إنصاف" القانون؟
بعد الطلاق -خصوصاً إذا كان هناك أبناء- تبدأ المسائل القانونية بين الزوجين، وللقانون العراقي أحكامه في ما يتعلق بالزوجة والزوج والأبناء، فهل يتم تنفيذها بسهولة ويُسر؟ يرى د. العامري أن بعض المواد في قانون الأحوال الشخصية الناظم حالياً "ملغومة"، على سبيل المثال ما يتعلق بالحضانة.
ويوضح "يعطي القانون الحضانة للأم ولكن لا يسمح لها بأن تصدر لطفلها (أو أكثر) جواز سفر ولا يسمح لها بالسفر معه ولا حتى لغرض العلاج إلا بإذن الأب، الذي قد يستخدم ذلك وسيله للضغط".
كما لا يُسمح للأم بنقل ابنها لأي مدرسة أو إصدار وثائق ثبوتية له، كما يقول المحامي العراقي. على العكس منه، يؤكد الخياط أن قانون الأحوال الشخصية "منصف جداً للمرأة"، مبيّناً: "أنصفها من حيث الحقوق المالية، بالحصول على المهر، والنفقة على الأطفال، بالإضافة لأجرة الحضانة للطفل حتى يُكمل عشر سنوات، هذه لها. وإذا كان ابنها رضيعاً تأخذ أجرة الرضاعة".
من الأسباب التي تجعل القانون "غير منصف" بحسب د. العامري، أن المرأة قد "تعاني لأشهر وأحياناً سنوات، حتى تحصل على الطلاق في المحكمة إذا كان الزوج رافضاً للأمر. وإذا حصلت على المؤخّر يكون على شكل أقساط زهيدة لا تتعدى 100 دولار أميركي شهرياً وهذا مخالف للشرع الإسلامي الذي أوجب حصولها عليه دفعة واحدة".
ويلفت الخياط، إلى أن الزوج يتضرر كذلك من الطلاق، بسبب الأعباء المالية التي سيدفعها لاحقاً، وقد تتعلق بالمهر والنفقة وغيرها، أو تكون تعويضاً بسبب وقوع الطلاق التعسفي، إضافة لذلك حق الزوجة في الإقامة ببيت الزوجية.
"كما يتأثر الرجال نفسياً بعد وقوع الطلاق، لكنّ نسبة تعافيهم أسرع من النساء عموماً"، يتابع الخياط. الجدير ذكره، أن جدالاً قائماً في العراق منذ أسابيع، بسبب مشروع تعديل على قانون الأحوال الشخصية، الذي خضع للقراءة الثانية من قبل مجلس النواب في بداية الأسبوع الحالي. ويتوقع الكثيرون، منهم نوّاب في البرلمان أن يتم تمريره، رغم وجود معارضة كبيرة له من قبل نوّاب وحوقيين ونشطاء المجتمع المدني في العراق.
وقدم مقترح التعديل عضو اللجنة القانونية النيابية رائد المالكي، الذي قال في بيان أواخر يوليو الماضي إنه "يعطي الحرية للعراقي بأن يختار تطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية النافذ عليه (قانون ١٨٨ لسنة ١٩٥٩) أو يختار أحكام المدونة الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية التي سيتم وضعها والموافقة عليها من مجلس النواب".
وأشار المالكي إلى أن أحكام المدونة الشرعية ستتضمن بابين اثنين، أحدهما للفقه الجعفري والآخر للفقه السني "توضع من قبل المجلس العلمي في ديواني الوقفين الشيعي والسني بالتنسيق مع مجلس الدولة ووفقاً للمشهور من أحكام الفقهين". وهذا يُتيح لهما التدخّل في قضايا الزواج والتفريق وحضانة الطفل وحقوق النساء في الإرث والنفقة، الأمر الذي يتخوّف منه معارضو التعديل.