سكاي برس /
إميل أمين
هل تنطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة من أوكرانيا، مثلما كانت الأراضي النمساوية موقع اشتعال الحرب العالمية الثانية؟
وسط ضجيج الشرق الأوسط، وملفاته الساخنة، بدا وكأننا لا نراقب المشهد الأميركي – الروسي على الأراضي الأوكرانية بما يكفي، مع درجة الخطورة المتسارعة، التي قد تقود في لحظة من سخونة الرؤوس إلى حرب عالمية.
ليس سراً أن واشنطن، ومنذ أن اقترعت شبه جزيرة القرم على الانفصال عن أوكرانيا، وعودتها إلى الحاضنة الروسية، باتت تناصب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العداء، وتسعى جاهدة لتغيير الأوضاع وتبديل الطباع، حتى وإن أدى ذلك إلى مواجهة أوكرانية – روسية.
في الثاني من شهر أبريل (نيسان) الحالي، أجرى الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، أول اتصال له مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي أكد فيه الرئيس بايدن دعم الولايات المتحدة الثابت لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، في مواجهة العدوان الروسي المستتر في دونباس وشبه جزيرة القرم، على حد تعبيره.
هل يمكن اعتبار التصريح بمثابة تدخل في شؤون روسيا؟
أغلب الظن أن موسكو التي تعي ما يدور بجوارها، كانت حاضرة بسيناريوهاتها، خصوصاً في ضوء الدعوة المباشرة من وزير خارجية أوكرانيا، دميترو كوليبا، للولايات المتحدة، لممارسة ما سماه «الخطوات المحددة والصحيحة من الإدارة الأميركية»، وعنده أن أحد التوقعات الرئيسية لأوكرانيا… هو مشاركة أميركية أكثر فاعلية وعاجلة، وهو الأمر المهم، في إنهاء احتلال دونباس، وشبه جزيرة القرم.
هي إذن دعوة صريحة للتدخل العسكري الأميركي مباشرة، في مناطق واقعة رسمياً تحت السيادة الروسية، الأمر الذي ينقل المواجهات إلى مستوى أعلى أكثر خطراً وسخونةً.
المثير والمزعج في الحراك الذي يجري على رقعة الشطرنج الأوكرانية، هو أنه بمجرد انتهاء مكالمة بايدن مع زيلينسكي، بدأت عمليات قصف مكثف لجمهوريات الدونباس من قبل الجيش الأوكراني.
الأحداث المتسارعة جنونية بالفعل، ولا يعرف المرء كيف يمكن أن يصدر مثل هذا التصريح عن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي اتصل في الأول من أبريل، بنظيره الأوكراني، وقدم ضمانات أميركية لدعم أوكرانيا حال نشوب صراع عسكري مع روسيا، بينما رفعت القيادة الأميركية مستوى استعدادها في أوروبا إلى أقصى المستويات.
هل «الناتو» على موعد مع الهجوم على روسيا في شهر مايو (أيار) المقبل، كما يتساءل المحلل السياسي الروسي، ألكسندر نازاروف؟
مساء الأربعاء الماضي، تحدث الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، عبر الهاتف، مع القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، رسلان خومتشاك، ومع فاليري غيراسيموف، رئيس الأركان العامة للجيش الروسي.
لم يظهر في الأنباء ما الذي دار بين الثلاثة، لكن ما تم رصده في الأيام القليلة الماضية يشير إلى تجهيزات عسكرية على الجانبين تنبئ بما لا يمكن توقعه في أي لحظة.
قبل الاتصال المشار إليه بعدة أسابيع أظهرت خطوط تحركات الاستطلاع الأميركية والبريطانية بدون طيار فوق الدوناس، نشاطاً مكثفاً، والأمر نفسه جرت به الأحداث على طول الحدود مع شبه جزيرة القرم بشكل كبير.
وفي هذه الأثناء تتسارع الخطى لإجراء مناورات «الناتو» التي تحمل اسم «المدافع عن أوروبا»، في منطقة البحر الأسود، التي ستنقل لها الولايات المتحدة نحو 1200 وحدة من المعدات العسكرية إلى أوروبا.
بهدوء يحسد عليه، وبحزم واضح وحاد إلى أبعد حد ومد، يتراءى الرد الروسي للعالم، إذ علق المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، نهار الجمعة الفائت، على الأنباء التي تشير إلى احتمالية وجود قوات أميركية على الأراضي الأوكرانية بالقول، إن ذلك أمر «مرفوض وغير مناسب»، وأضاف أنه «في حال حدوث هذا السيناريو سيؤدي ذلك إلى زيادة التوترات بالقرب من الحدود الروسية».
تبدو موسكو سائرة على نهج الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت (1901 – 1909)، «تحدث عن السلام وأمسك عصا غليظة»، إذ بدأت بالفعل في تحريك الجيش الروسي، وإرسال عدد من الأفواج والقطع العسكرية إلى شبه جزيرة القرم، وإلى الحدود مع أوكرانيا.
لم توفر واشنطن التشكيك في نيات الروس بعد تلك التحركات، ما جعل الكرملين يصرح بأن روسيا تنقل قواتها المسلحة داخل وضمن حدود أراضيها بحرية، وأنه لا شأن لأحد بالتدخل في هذه الأمور والقضايا الداخلية.
تبدو روسيا بالفعل كمن يحمي حدوده الداخلية، لكنها في الوقت نفسه تبعث برسائل للجار الأوكراني، ولمن يقف وراءه، بخاصة إذا قام البعض بنشر صواريخ بالقرب من روسيا.
هل لدى واشنطن رفاهية الدخول في مغامرة عسكرية قد تدفع إلى حرب عالمية، وهي التي تعيش حرباً ضروساً في مواجهة فيروس شائه واقتصاد مرتبك يعالج بالديون التريليونية؟
لا أحد يملك جواباً شافياً وافياً على وجه الدقة، فيما المخاوف من أن يمضي الجميع في طريق سيناريو كرة الثلج المتدحرجة من فوق الجبل… فانظر ماذا ترى؟