سكاي برس /
هل نحن أمام غيوم سوداء جديدة في المنطقة شبيهة بفورة "داعش" في العراق وسوريا عام ٢٠١٤ والتصدعات الداخلية في غير بلد عربي عام ٢٠١١؟
إليكم بعض المؤشرات التي تنذر بتحديات جديدة:
- تلاحَظ عودة ملموسة لتجدد النشاط التخريبي لتنظيم "داعش" في العراق، من خلال تفجيرات متفرقة في بغداد وهجمات يومية على القوات العراقية في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى شمال العاصمة وغربها وتفجير العديد من أبراج الكهرباء ما أدى إلى مفاقمة أزمة الكهرباء في العراق. وإضافة إلى ذلك، ثمة سعي مزمن لتسعير الوضع الداخلي في العراق قبل الانتخابات التشريعية التي يُتوقع إجراؤها في الخريف المقبل. وتستغل الادارة الاميركية وأدواتها في الساحة العراقية مجموعة من العوامل لإعادة تكوين غالبية نيابية مريحة لها، ومن جملة ذلك الوضع المعيشي حيث تشتدّ أزمة الكهرباء في الصيف اللاهب، وتتراجع قيمة العملة العراقية أمام الدولار الاميركي ما يؤدي الى ارتفاع الأسعار، واستجدّت أزمة بنزين في بلد النفط (تشابه غريب مع الوضع في لبنان). ولم يسجَّل أن الولايات المتحدة قدمت شيئاً يُذكر للعراق لحل مشاكله المزمنة مثل مشكلة الكهرباء، بل انها تمنع شركة سيمنز الألمانية من الحصول على عقود للقيام بهذه المهمة، وفق مصادر عراقية.
يترافق ذلك مع رفض الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق وسوريا، والهدف المعلن لهذا الوجود الاحتلالي الضغط من أجل تغيير النظام في سوريا واستثمار الحصار الاقتصادي كأداة رئيسية في هذا المجال، وتشكيل سد في وجه إيران لمنع علاقاتها الطبيعية مع دول المنطقة. غير ان هناك أهدافاً ضمنية من بينها التحكم بمستقبل العراق وسوريا وثرواتهما الباطنة، وإقامة قواعد ارتكاز أميركية دائمة في المنطقة.
- هناك عودة قوية لحركة "طالبان" في أفغانستان، حيث باتت تسيطر على 70 بالمئة من الأراضي الأفغانية، ومن جملتها تلك التي كانت تُعدّ مركزاً للطاجيك والهزارة في شمالي البلاد. وهذا تطور ترافق مع الانسحاب الاميركي المتسارع الذي ترك الحكومة الأفغانية في مهبّ الريح من دون ظهير يُذكر.
ومن شأن الوضع المستجد في أفغانستان أن يتسبب باستنفار سياسي وأمني لدى كل من القوى الثلاثة التي تتحدى النفوذ الاميركي دولياً: إيران وروسيا والصين. وكل من هذه الدول لها شؤون وشجون في التعامل مع أفغانستان أو طالبان أو المجموعات التي تحتكم إلى مرجعية دينية متشددة. كما أن في الدول الثلاث مجموعات دينية أو عرقية يمكن أن تتسبب بأوجاع رأس بسبب الانبعاث الجديد لطالبان. فهل تحريك حجر الانسحاب الاميركي مجرد ضرورة انتخابية أميركية، أم يستبطن عنصر إلهاء للقوى الثلاث المذكورة؟
أفغانستان والعراق بالمناسبة كانا هدفين لغزو أميركي في عامي 2001 و2003 ما فتح الباب أمام عواصف كبرى في المنطقة لا نزال نعاني من آثارها إلى اليوم. مع تأكيد وجود فارق هام بين البلدين، وهو ان في العراق سدّاً قوياً أمام تمدد داعش مرة أخرى، وهذا السد هو الحشد الشعبي الذي يقف صامداً أمام مساعي التفكيك والتعطيل الأميركية، وتتعرض مواقعه الأمامية على الحدود بين العراق وسوريا لغارات أميركية بين وقت وآخر.
- إلى جانب التطورين الأمنيين المقلقين في العراق وافغانستان، والحصار المستمر على سوريا لإحداث تغيير في هرم السلطة، هناك سعي أميركي لتثمير الحصار المالي على لبنان، لفرض وصاية صندوق النقد الدولي عليه كخيار وحيد أوحد. وتستفيد أميركا من الفساد القائم ومن أدواتها المحلية لإثارة غضب الناس وتوجيهه ناحية المقاومة بشكل أساسي، بهدف استثماره في قلب المعادلة السياسية في الانتخابات النيابية المقبلة بعد أشهر قليلة. وترتكز الدعاية المناهضة للمقاومة على فكرة أن حزب الله يحمي الفاسدين، وهو ادعاء لم يتم اختباره في الواقع (هل منع الحزب قاضياً من ملاحقة فاسد مثلاً؟)، إلا اذا كان المطلوب من الحزب أن يفتح معارك جانبية تعقّد الأمور اكثر مما هي معقدة، وتضعف المناعة الداخلية أمام العدو المتربص!
- فلسطينياً، ظهرت ملامح لإعادة رئيس الوزراء السابق سلام فياض (الخيار الاميركي الموثوق) الى الواجهة، بالتزامن مع حضور مصري مكثف في قطاع غزة من بوابة إعادة الإعمار وتثبيت التهدئة. ويأتي ذلك بعد جولة المواجهة الأخيرة (سيف القدس) التي رفعت من رصيد المقاومة ووضعت القدس في قلب المعادلة القائمة.
نحن أمام هجمة أميركية مرتدة: انسحاب هنا، وتعزيز وجود عسكري هناك، وضغوط اقتصادية وسياسية لفرض النماذج الأميركية الجاهزة في بلاد الشام: سوريا ولبنان وفلسطين. لكن الولايات المتحدة ليست في أيام سطوة 2001- 2003. فمحاولات التطويع بالفتن والموديلات الأميركية الجاهزة لن تغير من حقيقة أن النفوذ الاميركي آخذ في التراجع وهو يعتمد على عناصر تستعين بالتجويع والتيئيس، وليس بالترغيب، كما في حكاية الحلم الأميركي.
وهناك فرصة مضادة للاستفادة من الحصار من أجل خلق وقائع جديدة خارج اللعبة المغلقة التي ساهمت الأدوات الأميركية في صنعها، ولعلنا بدأنا نلمس ذلك من خلال فتح قنوات إمدادات جديدة إلى لبنان وغيره، فضلًا عن البناء على تعزيز معادلة القدس المتقدمة.