سكاي برس/ بغداد
المواقف التي أعلنها المرجع الديني علي السيستاني، 4 نوفمبر الجاري، حول ضرورة "منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات"، جاءت في توقيت دقيق سواء على مستوى الداخل العراقي، أو ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من أوضاع أمنية وسياسية منذ 7 أكتوبر 2023، والحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، فضلاً عن المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل، وما يشكله كل ذلك من خطر ليس على العراق وحده، بل على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأسرها! مصدر مقرب من "المرجعية" في النجف، حيث مقر "الحوزة العلمية".
إلى أن "تصريحات السيد علي السيستاتي جاءت نتيجة استشعار للمسؤولية الشرعية والوطنية المناطة به، كونه المرجع الديني الأعلى، وأيضاً شخصية تتمتع بالاحترام لدى مختلف العراقيين ودول الخليج العربي، فهو يستشعر أن حالة الحروب المشتعلة في المنطقة من الممكن أن تصل إلى العراق لا سمح الله، وهو أمر سيدمر ما تبقى من سلطة الدولة المتآكلة أصلاً بسبب الفوضى والفساد والمحاصصة الطائفية".
إن "السيستاني يريد أن يكون السلاح بيد الدولة العراقية فقط. وأن يكون قرار الحرب والسلم قراراً سيادياً عراقياً، ليس لأي دولة خارجية دور فيه"، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الهدف هو تحييد العراق من أن يكون جزءا من "صراع المحاور الإقليمية"، أو أن تنخرط الفصائل العراقية المسلحة في حروب خارجية، تنعكس بشكل سلبي على الأمن والاستقرار الهش في العراق! السيستاني الذي يُنظرُ له بوصفه أبرز مرجعية دينية للمسلمين الشيعة في العالم، ينتهج سياسة مستقلة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يحمل جنسيتها، إلا أن لديه آراءه السياسية والفقهية الخاصة، فهو "زعيم الحوزة العلمية في النجف"، وأيضاً يعتبر الامتداد الطبيعي لـ"المدرسة الفقهية الكلاسيكية" التي تركز على "أولوية حفظ الدماء والأنفس والأموال، واحترام النظام العام"، ولذا يُلاحظ أن المرجع علي السيستاتي ليس منخرطاً في السياسة بتفاصيلها اليومية ومعاركها الحزبية، لأنه من المؤمنين بأن "رجال الدين ليس عليهم الاشتغال بالعمل الحزبي السياسي"، خصوصاً أنه لا يتبنى فكرة "ولاية الفقيه العامة"، على عكس النهج الذي يؤمن به مرشد الثورة في إيران علي خامنئي.
الحرب الإسرائيلة منذ أكثر من عام على قطاع غزة، والحرب في لبنان، وما صاحب ذلك من عمليات قتل وتهجير للمدنيين العزل، وهدمٍ لعدة آلاف من الوحدات السكنية، كل ذلك دفع المرجع السيستاني إلى التعبير عن "عميق تألّمه للمأساة المستمرة في لبنان وغزة وبالغ أسفه على عجز المجتمع الدولي ومؤسساته على فرض حلول ناجعة لإيقافها أو في الحدّ الأدنى تحييد المدنيين من مآسي العدوانية الشرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني"، وفق البيان الذي أصدره مكتب السيستاني، عقب استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه.
وفق مصدرٍ قريب من "المرجعية الدينية" في العراق، فإن "المرجعية العليا قلقة جداً من استمرار عمليات القتل والتهجير، وتعتبر أن ما يحصل لن يؤثر فقط على فلسطين ولبنان، بل المنطقة بأجمعها"، مضيفاً "هنالك مهجرون وصلوا إلى العراق من لبنان، والمرجعية تقوم بمساعدتهم إنسانياً، وتوفر الاحتياجات أيضاً للنازحين في داخل لبنان"، إلا أن "المرجعية في ذات الوقت تعتقد أن استمرار الحرب سيزيد من معاناة المدنيين، ويضعهم أمام مأساة أكبر، وسيؤدي ذلك لأعباء متواصلة على الدول في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا تدعم المرجعية الجهود الإسلامية والعربية الرامية لوقف العدوان الإسرائيلي فوراً".
ماذا عن الميليشيات في العراق؟
يجيب ذات المصدر قائلاً "هنالك تبرم كبير من انتشار الفصائل المسلحة، وقيامها بأعمال تقوض الدولة، فضلاً عن أن بعضها يتصرف وكأنه السيد المطلق، أو يأتمر بأوامر خارجية من دول مجاورة، وكل ذلك يضر بالداخل العراقي، ويجعل هيبة الدولة وسلطتها معرضتين للخطر". القريبون من "النجف" يستشعرون قلقها من احتمال انخراط الميليشيات بشكل أكبر في حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، أو اتخاذ هذه الميليشيات قرارات منفردة تتجاوز فيها الدولة العراقية، مما قد يؤدي لتعرض العراق لهجمات إسرائيلية تدمر بنيته التحتية وتؤدي لسقوط عدد كبير من المدنيين العزل.
أشار إلى أن "من يتعمق في حديث السيد السيستاني سيجد أن دعوته هذه ليست موجهة للعراقيين وحسب، بل لعموم المنطقة، وخصوصاً في هذه المرحلة الحرجة، حيث لا يريد أن تكون هنالك خطابات عاطفية أو تحريضية يتأثر بها الشباب، فتدفعهم إلى القيام بأعمال تضر بمصالح دولهم واستقرارها وأمنها"، معتبراً أن "أكبر خطر يهدد المنطقة الآن هو استمرار العدوان الإسرائيلي، وما يصاحبه من فوضى وانفلات السلاح بيد التنظيمات العسكرية، مما قد يؤثر على استقرار الدول العربية.
فيما السيستاني بحديثه هذا يريد أن يكون سداً أمام كل ذلك ويساهم في الاستقرار والأمن". إذن، هنالك عناصر رئيسية في حديث المرجع علي السيستاني، يمكن تلخيصها كالتالي:
• منع التدخلات الخارجية في الدول.
• ترسيخ سيادة القانون.
• حصر السلاح بيد الدولة.
• مكافحة الفساد.
• التركيز على الأمن والاستقرار والرقي والازدهار.
هذه الخطوط العامة المذكورة أعلاه لن تتحق وفق بيان مكتب السيستاني إلا إذا عمل العراقيون على أخذ "العِبر من التجارب التي مرّوا بها ويبذلون قصارى جهدهم في تجاوز إخفاقاتها"، وهي عبرٌ ليس المعني بها ما يحدث في الداخل العراقي وحسب، بل العبرُ أيضاً مما يحدث في إيران وإسرائيل وفلسطين ولبنان، لأن "في ذلك درسا كبيرا على الجميع التعلم منه، وإلا ما سيحدث مستقبلاً سيكون وبالاً على الجميع، وهو ما لا يريده العقلاء"، وفق الخبير بـ"شؤون المرجعية" الذي تحدث لـ"العربية.نت"، فهل ستصلُ رسائل السيستاني إلى من توجه بها لهم، وهل سيلتزمون بها؟!