سكاي برس/ بغداد
يعيشون في إقليم شمال غربي إيران بمحاذاة الحدود العراقية. وُهبوا سهولا زراعية منبسطة ومروجا فسيحة أشبه بلوحات تشكيلية لا تشوهها إلا أنباء قمع السلطات الإيرانية واستهدافها لهم بعمليات تلويث تقول المنظمات المحلية إنها "متعمدة". إنهم الأهواز، عرب إيران.
مطاردة مستمرة
يوم السبت الماضي، تناقلت منظمات حقوقية تنشط في إقليم الأهواز خبرا جديدا لكنه معتاد؛ الحكم على ناشط أهوازي بالسجن سبعة أشهر، والتهمة: صورة. وتفيد منظمة "كارون" لحقوق الإنسان، الناشطة بالأهواز، بأن ما سمتها "وزارة المخابرات الأهوازية" التابعة للنظام الإيراني، اعتقلت ناشطا مدنيا في الإقليم لنشره صورة لسجناء سياسيين تعتقلهم السلطات الإيرانية.
هذا الناشط المدني البالغ من العمر 45 عاماً يدعى حسين سلطاني، وهو من سكان مدينة الهويزة. في شهر الماضي، اعتقلته الشرطة لنشره صورة للسجناء السياسيين الأهوازيين المعتقلين في سجن "شيبان"، ووجهت له تهمة "الدعاية والأنشطة ضد النظام".
وبسبب تلك الصورة، نُقل سلطاني إلى سجن "شيبان" الذي يضم العديد من السجناء السياسيين الذين كان يتضامن معهم، وفق التقارير الحقوقية. وليست السلطات الإيرانية وحدها من تطبق على أنفاس الأهواز، فالتلوث أيضا يجثم على صدور السكان الذين يقولون إن سلطات إيران تفتعله في سياق استنزافها للثروات الطبيعية بالمنطقة. الأهواز.. أو خوزستان الأهواز هي عاصمة الإقليم الذي يحمل إداريا اسم "خوزستان"، لكن كلمة الأهواز هي التي تعرف بها المنطقة كلها على نطاق واسع، خارج إيران.
ويعتقد أن كلمة الأهواز هي تحريف للكلمة العربية أحواز التي تعني الممتلكات من الأراضي. ولا تتوفر إحصائية رسمية محدثة تقدر حجم العرب في إقليم خوزستان في إيران، لكن تقديرات لمجموعة حقوق الأقليات "MRG" أشارت، في 2017، إلى أن عرب الأهواز يشكلون ما يصل إلى 4 ملايين من سكان إيران.
ومجموعة حقوق الأقليات هي منظمة دولية، مقرها لندن، تُعنى بحقوق الأقليات العرقية والدينية واللغوية والسكان الأصليين حول العالم. وبحسب المنظمة، يعاني عرب الأهواز من صعوبات اقتصادية كبيرة فضلاً عن قمع لغتهم. ورغم أن أغلب العرب في خوزستان من الشيعة، وهو المذهب الديني السائد في إيران، تقول المنظمة الدولية إن أولئك الذين يعيشون إلى الجنوب بالقرب من مدينة بندر عباس هم من السنة في الغالب، وتشير تقارير حقوقية إلى أنهم يواجهون قمعا بسبب معتقداتهم وممارساتهم السنية.
ثروات وتلوث
يستمد إقليم خوزستان، أو الأهواز كما يطلق عليه، أهميته مما لديه من ثروات طبيعية. إذ يرقد الإقليم على مخزون وفير من النفط، وتعد مدينة عبدان، الواقعة فيه، أهم مركز تكرير وتصدير للبترول في إيران. هذه المدينة الساحلية تتيح لإيران أيضا مرفأ استراتيجيا على الخليج العربي، وبالتالي ممرا إلى الملاحة الدولية. وتتميز الأهواز أيضا بخصوبة الأرض ووفرة الإنتاج الفلاحي. لكنها تشهد، في المقابل، معدلات عالية من تلوث الهواء تهدد المنطقة وإمكانياتها الطبيعية والبشرية.
فوفقا لمدير عام حماية البيئة في الإقليم، داوود ميرشكار، تُعد مشاعل الغاز النفطية، التي يُقدر عددها بنحو 50 في منطقة الأهواز، أحد أكبر مسببات التلوث الهوائي. وبحسب تصريح ميرشكار، الذي أورده موقع "شبكة دولة الأحواز الإعلامية"، المعارض للحكومة في طهران، في تقرير نشره يوم 2 نوفمبر، تعاني المنطقة أيضا من استخدام الوقود الثقيل "المازوت" في محطات الطاقة، والذي يُسهم في رفع معدلات التلوث، على الرغم من الجهود للحد من اعتماده واستبداله بالغاز الطبيعي.
وتقول "شبكة دولة الأحواز الإعلامية" إن الأوضاع البيئية في الأهواز "في تردٍ مستمر" بسبب "قرارات السلطات الإيرانية المتكررة بإقامة مشاريع صناعية كبيرة، مثل المصانع ومحطات الطاقة بالقرب من المناطق السكنية، دون مراعاة لآثار هذه المنشآت على البيئة أو صحة المواطنين". كما تنتشر، بحسب الشبكة، عمليات حرق مزارع قصب السكر في المنطقة، مما يزيد من حدة التلوث بشكل ملحوظ ويؤدي إلى انبعاث كميات هائلة من الدخان والملوثات الهوائية الضارة، التي تؤثر على السكان مباشرة.
وتلون منظمة الصحة العالمية إقليم خوزستان باللون الأحمر القاتم، باعتباره بين أكثر مناطق العالم تلوثا. ورغم أن خوزستان موطن كثير من مصادر الثروة الأيرانية، لكن الإقليم لا يحصل إلا على ما قل منها لتنميته المحلية، ما يفسر التذمر بين العرب الإيرانيين، كما تقول منظمة "MRG" المعنية بحقوق الأقليات حول العالم. وتفاقم هذا الحنق، بحسب المنظمة الدولية، بسبب المشاريع الحكومية الضخمة، مثل مزرعة قصب السكر في دهخدا، التي أدت إلى تهجير ما بين 200 ألف إلى 250 ألف عربي، بعد منحهم تعويضات عن أراضيهم المصادرة تقل بأربعين بالمئة عن قيمتها السوقية الحقيقية.
ولم تعرض الحكومة على السكان العرب المحليين فرص عمل في هذه المشاريع، بحسب المنظمة الدولية. وبدلا من ذلك، خططت الحكومة الإيرانية وبنت مدناً جديدة مثل شيرين شهر لغير العرب الذين تم جلبهم إلى الإقليم من أماكن مثل يزد في وسط إيران، ما كان له تداعيات على العلاقة بين الطرفين.
من "الأربعاء الأسود" إلى الربيع العربي
احتدم التوتر بين السلطات الإيرانية والأهواز العرب بعد "الثورة الإسلامية"، حينما تحولت وعود الحرية والحقوق إلى أعمال قتل واعتقال. ففي 29 مايو 1979، المعروف باسم "الأربعاء الأسود"، وقعت احتجاجات عنيفة في مدينة خرمشهر بإقليم خوزستان، ردت عليها السلطات الإيرانية بإطلاق النار على المتظاهرين العزل. رغم ذلك، أظهر عرب الأهواز ولاءهم للنظام الإسلامي خلال الحرب الإيرانية العراقية في الفترة بين 1980-1988.
لكن التوتر ظل يظهر عقب ذلك، فقبل نحو عقدين دخلت العلاقة بين الحكومة الإيرانية والعرب في خوزستان مرحلة تدهور، فأُغلقت الصحف في الإقليم، وجرى اعتقال العديد من الناشطين، فيما قدمت شكاوى من أعضاء البرلمان السُنة من نقص التمثيل والدعاية المناوئة للمنتمين للمذهب السُني.
وفي أبريل 2005، أدت المظاهرات في عدد من المدن والبلدات في خوزستان إلى مقتل ما يصل إلى سبعة من رجال الشرطة والمسؤولين، بعد أن حاولت قوات الأمن الإيرانية تفريق المظاهرات الضخمة المناهضة للنظام. وقُتل أكثر من ثلاثين شخصا وأصيب المئات أو اعتُقلوا، بحسب مجموعة حقوق الأقليات "MRG".
واندلعت المظاهرات آنذاك بسبب تسريب محتويات وثيقة حكومية مُختلف عليها، يُزعم أنها خططت لتقليص الهيمنة العربية في منطقة خوزستان من خلال جلب المستوطنين من العرقية الفارسية والأذربيجانية ونقل العرب قسرا. كما وقعت سلسلة من التفجيرات آنذاك، أعقبها عدد من الاعترافات المتلفزة رتبتها وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، وتحدث المشاركون فيها عن مؤامرات مزعومة ضد إيران.
وفي عام 2011 عاشت الأهواز حملات أمنية أدت إلى اعتقال ما لا يقل عن 65 شخصا. وأوقفت السلطات الإيرانية 27 من عرب الأهواز، المقيمين في مدينة شوش، بسبب تورطهم المزعوم في حملة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية في مارس من العام نفسه، والتعبير عن دعمهم لمظاهرات ما يعرف بالربيع العربي. وفي يونيو من العام نفسه، أُعدم أربعة من العرب الأهواز، بينهم ثلاثة أشقاء، بعد اتهامهم بقتل مسؤول بسلطات إنفاذ القانون، وهو ما نفاه أفراد من أقارب المتهمين.
وكان الأربعة اعتُقلوا أثناء مظاهرات خرجت في محافظة خوزستان في 2011. وفي يوليو 2012، حُكِم على خمسة من العرب الأهواز بالإعدام وحُكِم على السادس بالسجن لمدة عشرين عاما. ونفت منظمات حقوق الإنسان الدولية، وقتها، الاتهامات التي وجهت لهم، وقالت إن اعتقالهم جاء بسبب ارتباطهم بالمظاهرات التي جرت في فبراير ومارس 2011، قبل الذكرى السادسة للاحتجاجات التي نظمها العرب الأهواز في عام 2005 للمطالبة بحياة أفضل لأبناء هذه الأقلية الإيرانية.
ومنذ ذلك الحين، ظلت تقارير المنظمات الحقوقية تتولى، منبئة عن إعدامات لمعتقلين من الأهواز دون إعلان تفاصيل عن وإعدامهم أو تسليم جثثهم، بينها نقل تقرير لمنظمة العفو الدولي أن أهاليهم يشتبهون في أنهم دفنوا في "الأرض الملعونة"، في إشارة إلى مكان مجهول.