متابعة/ سكاي برس
عبد الباري عطوان
عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قمته الثانية مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون التي انعقدت أمس في هانوي خالي الوفاض، لسبب بسيط وهو أن الرئيس الكوري مفاوض مراوغ وصلب، واشترط رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة أمريكيا على بلاده قبل أي حديث عن نزع أسلحة بلادة النووية، ومعه كُل الحق.
الرئيس ترامب اعتقد خاطئا أن نظيره الكوري الشمالي صيدا سهلا، يُمكِن تحقيق إنجاز من خلال التّفاوض معه يستخدمه في تحويل الأنظار عن أزماته المُتفاقِمة في واشنطن، وآخرها ما ورد في شهادة مُحاميه السّابق مايكل كوهين من اتّهامات أبرزها هوسه الجنسي، واحترافه الكذب والانتهازيّة، ودفعه عشرات الآلاف من الدولارات لغانية أقام معها علاقات جنسيّة بهدف إسكاتها، وعدم نشر الغسيل القذر في وسائل الإعلام، وما يُؤكّد هذا التّقدير الخاطِئ، أنّ مُتحدّثًا باسم البيت الأبيض أشار إلى استعدادات لإقامة حفل توقيع مُشترك في هانوي في خِتام القمّة.
الأمر المُؤكّد أنّ القيادة الصينيّة هي التي تقِف خلف هذه الصّلابة في موقف الرئيس الكوريّ الشماليّ، وهي التي أرادت إفشال هذه القمّة، وتوجيه صفعة للرئيس ترامب الذي يخوض حاليًّا حربًا تجاريّةً شرِسةً معها، مثلما يُريد أيضًا مُنافستها اقتصاديًّا في منطقة جنوب شرق آسيا التي يعتبِرها مُحيطها الجُغرافيّ الأهم.
كُنّا من أكثر المُشكّكين في إمكانيّة نجاح المُفاوضات بين الرئيسين الأمريكيّ والكوري الشماليّ، ليس لأنّنا نملُك بلّورة سحريّة تُنبئنا بأسرار المُستقبل، وإنّما لأنّنا ننتمي إلى المدرسة التي كانت تؤمن دائمًا بأنّ الرئيس كيم جونغ أون لن يتنازل عن أسلحته النوويّة، لأنّه يُدرك جيّدًا أنّه سيُواجه مصير الزّعيمين العربيّين صدام حسين ومعمر القذافي إذا فعل ذلك.
الرئيس ترامب حاول أن يُعزّي نفسه، وهو الذي قضى 22 ساعة في الطائرة لحُضور القمّة، بالقول إنّ نظيره الكوريّ الشماليّ تعهّد له بأنّه لن يُقدِم على أيّ تجاربٍ نوويّةٍ أو صاروخيّةٍ باليستيّةٍ جديدة، وهذا صحيحٌ لأنّه وبكُل بساطة لديه ما يكفي من الرؤوس النوويّة والصواريخ الباليستيّة التي يُمكِن أن تقصف العُمق الأمريكيّ، ولا يحتاج المزيد.
مسؤولون سخِروا من الرئيس ترامب، وأكّدوا أنّه تعرّض لخديعةٍ كُبرى من الرئيس الكوريّ الشماليّ الذي يستغل غباءه، ويتحلّى بأعلى درجات المُناورة، ويرفُض رفضًا مُطلقًا التخلّي عن أسلحته النوويّة، ونحن نتّفق مع هؤلاء كُلِّيًّا.
ترامب شخص مغرور، مُتغطرس، وعُنصري، ووجد من يعرِف كيف يتعاطى معه، ويكسر غُروره، ويتلاعب به، هذا الشّخص اسمه كيم جونغ أون.. وقمّة هانوي وانهيارها في ساعاتها الأُولى تُؤكِّد هذه الحقيقة.. واللُه أعلم.