تقرير- سكاي برس
منذ عام 1953، وضعت إسرائيل استراتيجية توسعية حملت اسم “مخطط نافو”، وهو مشروع جيوسياسي يستهدف إعادة رسم خارطة المنطقة عبر احتلال أراضٍ عربية وتهجير سكانها، من أجل فرض وقائع جديدة تضمن التفوق الإسرائيلي الدائم. لم يكن هذا المخطط مجرد نظرية أو طموح سياسي، بل كان خطة عملية تم تنفيذها على مراحل، مستغلة الأزمات الإقليمية والصراعات الداخلية في الدول العربية.
يقوم “مخطط نافو” على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها احتلال شبه جزيرة سيناء للسيطرة على طرق الملاحة في قناة السويس، وضم الضفة الغربية وشرق الأردن لجعل نهر الأردن الحد الطبيعي لإسرائيل، إضافةً إلى التمدد نحو الصحراء السورية. أما في الشمال، فقد ركّز المخطط على احتلال الجولان السوري، ومناطق حوران، وقمة جبل الشيخ، وصولًا إلى جنوب لبنان حتى مصب نهر الليطاني، وذلك لضمان سيطرة إسرائيل على الموارد المائية وخلق عمق أمني استراتيجي لها. كما نصّ المخطط على تهجير سكان هذه المناطق، بهدف تغيير تركيبتها الديموغرافية والحفاظ على طابعها اليهودي.
على مدار العقود الماضية، تحقق الكثير من بنود هذا المخطط. ففي عام 1967، احتلت إسرائيل الجولان والضفة الغربية وسيناء، قبل أن تنسحب من سيناء بموجب اتفاقية كامب ديفيد، بينما لا تزال باقي الأراضي تحت السيطرة الإسرائيلية حتى اليوم. وفي جنوب لبنان، نفّذت إسرائيل اجتياحات متكررة، بدءًا من عام 1978 وصولًا إلى الغزو الكبير عام 1982، واحتفظت بسيطرتها على مناطق لبنانية حتى عام 2000. أما في الضفة الغربية، فقد استُبدل الاحتلال العسكري المباشر بمشروع استيطاني ممنهج يهدف إلى خلق واقع ديموغرافي جديد يمنع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تحليل هذا المخطط يكشف عن استراتيجية إسرائيلية ثابتة تقوم على مبدأ فرض الوقائع بالقوة، ثم التعامل مع ردود الفعل الدولية وفق سياسات الأمر الواقع. في كل مرحلة، استخدمت إسرائيل الظروف السياسية والاضطرابات الداخلية في الدول العربية لتحقيق أهدافها، سواء عبر الحروب المباشرة أو من خلال دعم انقسامات داخلية تُضعف خصومها. وعليه، فإن “مخطط نافو” لم يكن مجرد خطة تاريخية مؤقتة، بل هو نهج مستمر يظهر في كل سياسات إسرائيل تجاه فلسطين وسوريا ولبنان، وحتى في طموحاتها تجاه سيناء والأردن.
اليوم، ومع استمرار الصراعات الإقليمية، تجد إسرائيل نفسها في موقع يسمح لها بمواصلة تنفيذ ما تبقى من هذا المخطط. تصاعد الضغط على غزة، ومحاولات فرض حلول التهجير، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، والاعتداءات المتكررة على الجنوب اللبناني والجولان، كلها مؤشرات على أن المشروع التوسعي الإسرائيلي لم ينتهِ، بل لا يزال يتطور وفق المستجدات السياسية والعسكرية.
السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كانت إسرائيل قد نجحت في تحقيق معظم أهداف “مخطط نافو”، فما الذي تبقى منه؟ وإلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا المخطط في ظل المتغيرات الإقليمية الحالية؟ الإجابة تكمن في قدرة الدول العربية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، على استيعاب هذه الاستراتيجية، والعمل على مواجهتها بسياسات جديدة تخرج عن إطار ردود الفعل التقليدية. فالتاريخ أثبت أن إسرائيل لا تتراجع إلا أمام قوة تفرض عليها إعادة حساباتها، وهو ما يتطلب إعادة بناء استراتيجية عربية قادرة على مواجهة هذا المشروع التوسعي، قبل أن تُفرض حدود جديدة على المنطقة كما خُطط لها منذ أكثر من سبعة عقود.