سكاي برس/ بغداد
(بقلم كاتبها)
قال رسول الله ﷺ عن علي: “لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.”
كيف ينجو رجلٌ من ستين عامًا من اللعن المنهجي؟ كيف يتردد اسمه بعد قرون كأنه شبحٌ يؤرق الضمائر؟ كيف يصبح اسمٌ واحدٌ معضلةً في معادلة الأمة، لا تحلها قرارات السلاطين، ولا تكتمها منابر الحاقدين؟ علي بن أبي طالب ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو ذلك السؤال الذي يرفض التاريخ أن يطويه، ذلك الصوت الذي لا يسكت، ذلك الميزان الذي كلما حاولوا كسره، فضح اعوجاجهم أكثر.
لقد كان وجود علي بحد ذاته استفزازًا. استفزازًا لمن رأوا في العدل تهديدًا، وفي المبدأ عائقًا، وفي النزاهة خطرًا على مصالحهم. وحين لم يستطيعوا إنكار مآثره، لجأوا إلى خطة بديلة: التشكيك، التحريف، والتقليل من شأنه بحيلة ذكية… تجاهله. لا تمنحه الشرعية، لا تقترب منه كثيرًا، وإن اضطررت فقل: “في القلب شيء منه”. وهكذا تحول علي إلى قضية مؤجلة، إلى ملف خطير، إلى اسمٍ كلما ذُكر ارتبكت الطوائف، واحتدّت النزاعات.
لكن لماذا كل هذا العداء؟ لأن عليًا لم يكن يناسب الرواية الرسمية، ولم يكن صالحًا لدين السلطة. كان حجرًا ثقيلًا في معادلة الحكم، وشاهدًا على لحظة الانحراف. كان هو “المشكلة” التي حاول التاريخ الرسمي حلها بالتجاهل تارة، وبالتحريف تارة أخرى، لكنه لم ينجح. علي ليس مشكلة، بل كاشف المشاكل، وكلما حاولوا دفنه، عاد أشد وضوحًا.
ولأن التاريخ يعشق السخرية، فقد أفلت علي من كل محاولات الطمس. ستة عقود من اللعن الرسمي لم تستطع أن تمحوه، وقرون من التهميش لم تنجح في تغييبه. بل بالعكس، كل محاولة لإخفائه، جعلت حضوره أكثر استفزازًا. كيف لرجل أن يُنسى، وهو الذي يشكّل معيار الحق؟ كيف يُطمس، وهو الذي كلما أُقصي، انكشف الظلم أكثر؟
إن ذكرى علي ليست مجرّد اسمٍ في كتب التاريخ، بل هي اختبار دائم لضمير الأمة. امتحانٌ يكشف من الذي يخاف الحقيقة، ومن الذي يملك الجرأة ليقف أمام المرآة ويرى صورته كما هي. وحتى اللحظة، لا تزال الأمة تخسر هذا الامتحان، لأنها لم تملك الشجاعة الكافية للاعتراف بما فعلت.