Skip to main content

التاهو والوهم الكبير: كيف يُخدَّر وعي العراقيين بالتفاهة؟

مقالات الاثنين 17 آذار 2025 الساعة 23:05 مساءً (عدد المشاهدات 251)

خاص_ سكاي برس 

كتب/ مـٰـراد الغـضـــبان

في زمن أصبحت فيه الرذيلة ماركة مسجلة، والتفاهة سلعة تُسوَّق بعناية، يخرج علينا يوميًا مهرجان جديد من “البلوكرات” و”الفاشنيستات” اللاتي يتفاخرن بهدايا فارهة، سيارات بمئات الملايين، مجوهرات، شقق، وكل ذلك بمنشور لا يتجاوز سطوره أصابع اليد. فتاة تتباهى بسيارة “جي كلاس”، وأخرى تُعلن أنها تلقت هدية بـ150 مليون دينار، بينما يتفاعل الآلاف مع هذه الأخبار وكأنها فتح مبين. لكن، هل تساءل أحد كيف ولماذا تُرَوَّج هذه القصص؟ ومن المستفيد من تحويل المجتمع العراقي إلى قطيع يلهث خلف وهم الثراء السريع؟

المفارقة أن هذه المنشورات التي تحصد ملايين المشاهدات، تُنشر في صفحات مغمورة، لا يتجاوز تفاعلها اليومي عشرات الإعجابات، لكنها تنفجر فجأة عندما يتعلق الأمر بـ”بلوكر” أو راقصة. الأمر ليس مصادفة، بل استراتيجية مدروسة، تهدف إلى صناعة نماذج مشوَّهة تُقدَّم للمجتمع كقدوات، حيث يصبح الفساد قاعدة والشرف استثناءً، ويُدفع الشباب إلى الإحباط والتساؤل: لماذا نعمل ونتعب بينما التافهون يحصدون الملايين؟

لكن الحقيقة الصادمة أن هذه الروايات، رغم انتشارها، لا تستقيم مع المنطق. أي فاسد، مهما بلغ به الجنون، لا يوزّع سيارات بـ100 مليون دينار علنًا، ولا يُلقي بالمجوهرات كما تُلقى الحلوى. شركات الإعلان نفسها، التي يُفترض أن تموّل هذا “السخاء”، تنفي تمامًا أن تكون هناك جهة تدفع مبالغ خرافية لمجرد الترويج. إذن، من الذي يموّل هذه الأكاذيب؟ ولماذا يُراد للعراقي أن يصدقها؟

الهدف واضح: اغتيال وعي العراقيين. يريدون إقناعك أن كل مسؤول هو لصّ، وأن كل فتاة يمكنها أن تصبح مليونيرة خلال أشهر، وأن طريق الشرف هو طريق الفقر والخذلان. يريدونك أن تعتقد أن العراق ليس أكثر من مزرعة للفساد والانحلال، وأن الدولة منهارة تمامًا، فلا معنى للولاء أو الانتماء. وحين يخرج عامل بسيط ليقول: “أعمل منذ سنوات ولم أحصل على تاهو، بينما بنات الليل يحصلن عليها مجانًا”، فهو لا يدرك أنه وقع في فخ أعدّوه بعناية، ليُحمِّل الدولة والمجتمع ذنب ما هو في الحقيقة مجرد وهم إعلامي.

حتى المسؤولون، بمختلف مستوياتهم، صاروا يتجنبون أي احتكاك بهذه الشخصيات، خوفًا من أن تتحول صورة واحدة إلى فضيحة مدوية. ومع ذلك، يستمر ضخ هذه الأخبار، وكأنها حقيقة لا تقبل الجدل. فهل يعقل أن تخرج “بلوكر” لتقول علنًا إن مسؤولًا منحها هدية ضخمة؟ قليل من التفكير يكشف أن القصة أكبر من مجرد استعراض تافه، بل هي لعبة سياسية وإعلامية تهدف إلى ضرب ثقة العراقيين بكل شيء.

الأخطر من كل ذلك أن العراق لا يملك حتى الآن جهة إعلامية قادرة على التصدي لهذا الخراب. لا مؤسسة تستطيع تفكيك هذه الأكاذيب، ولا منصة تمتلك الوعي والإرادة لمواجهتها. في المقابل، هناك قنوات محلية وعربية وعالمية تتسابق لترويج هذه الصورة، وكأن المطلوب هو أن يظهر العراق وكأنه بلد بلا قيم، بلا تاريخ، بلا أمل.

اليوم، عندما تبحث عن “العراق” على الإنترنت، لن تجد حضارته ولا إنجازاته، بل سيلًا من الفضائح المصطنعة، من فيديوهات العطواني إلى دعايات الفاشنيستات، إلى قصص تُهين الرجل العراقي، وتضرب التعليم، وتشوه صورة المرأة، وتزرع اليأس والانقسام. كل ذلك ليس صدفة، بل جزء من حرب حقيقية، سلاحها الإعلام، وضحيتها وعي العراقيين.

لكن العراق ليس كما يُراد له أن يكون، والعراقيون ليسوا قطيعًا يُساق بهذه السهولة. قد يستمر هذا المخطط لبعض الوقت، لكن الحقيقة ستنكشف في النهاية. السؤال الوحيد هو: كم سنخسر قبل أن نصحو؟

“إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة