بقلم / مازن الاشيقر
كثر الحديث في الإعلام مؤخراً عن تكهنات وتخمينات عن عزل (سحب الثقة عن) الرئيس الامريكي دونالد ترمب. كما وإزدادت حدة الكلام عن العقوبات الأمريكية على إيران. كما وهناك عمل دؤوب لإعادة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالإضافة الى التأجيلات والمماطلات لتشكيل الحكومة العراقية.
من ناحية السياسة الداخلية الأمريكية، هناك صراع قوي بين اليمين السياسي بقيادة الحزب الجمهوري والرئيس ترمب مقابل اليسار السياسي بقيادة الحزب الديمقراطي. ما يزال اليسار ممتعض جداً من فوز ترمب في إنتخابات 2016 وما تزال تحاول إيجاد طريقة لإيقاف حكم الرئيس ترمب. ما يجعل الموضوع أكثر تعقيداً لليسار هو النجاح الإقتصادي الذي إستطاع ترمب تحقيقه خلال سنة حكمه الأولى بتخفيض نسبة البطالة الى أقل من 3.9% وزيادة نسبة النمو الإقتصادي الى أكثر من 4.1% سنوياً وإنخفاض نسبة الضرائب الى الأقل منذ عشرات السنين وزيادة الرواتب في كل القطاعات بالإضافة الى زيادة معدل سوق المال (البورصة) حيث يملك الكثير من الأمريكان وبالأخص المتقاعدين ودائع هائلة في سوق المال.
منذ حوالي سنة ونصف، حاول المحقق روبرت ميولر البحث عن دليل واحد يثبت نظرية اليسار بأن الرئيس ترمب تواطئ مع الروس للفوز بإنتخابات 2016. وبإعتباره فشل في إيجاد أي دليل، توجه المحقق ميولر الى مسائل ثانوية مثل علاقات ترمب الحميمة بالنساء قبل عشرة سنوات فأكتشف بأن إثنان من النساء استلمتا مبالغ سخية (160$ ألف لكل منهن) من المحامي الأسبق لترمب لغرض عدم الإفصاح عن علاقتهما. نكر ترمب بمعرفته عن هذه الدفعات ولكن المحامي له رأي آخر. هذا كل أساس الزوبعة الإعلامية. للعلم، نفس التهم كانت موجهة ضد الرئيس بوش الأب بعلاقة عاطفية مع إمرأة صينية ولهم طفل عندما كان السفير الأمريكي في الصين، وكذلك الرئيس بيل كلينتون له طفل من صديقة له حيث دفع 850$ ألف دولار لها لإبقاء المعلومة سرية. لم تصل كل تلك التهم او التهمة الحالية ضد ترمب الى مستوى عالي من الجدية كي تبدأ الخطوات العملية لعزل الرئيس ترمب.
تاريخياً، الرئيس الأسبق في السبعينيات، ريچارد نيكسون كان قد إتهم بتورطه في فضيحة ووترگيت، حيث توصل المحقق الى أدلة دامغة بتورط نيكسون بإرسال أشخاص لكسر نافذة مقر الحزب الديمقراطي (البناية اسمها ووترگيت) وسرقة تسجيلات وخطط الحزب قبل الإنتخابات. نجح مجلس النواب الأمريكي (الكونگرس) بعزل نيكسون وتسلم نائبه جيرالد فورد مقاليد الحكم. وفي عهد الرئيس بيل كلينتون، إتهمه الكونگرس بعلاقة حميمة مع إحدى موظفات البيت الابيض مونيكا لاوينسكي وتوصل المحقق الى أدلة دامغة بأنها كانت تزوره الى المكتب البيضاوي وعدم سماح لأي موظف آخر دخول المكتب لساعات طويلة. مع هذا، قرر كلينتون الإعتراف بعلاقته مع مونيكا لوينسكي والموافقة على توقيع عدد كبير من القوانين المعطلة في الكونگرس والتي كان يرفض توقيعها مسبقاً، وبهذه الصفقة استطاع ان يتلافى الخوض في خطوات عزله.
عودة الى موضعنا. الكونگرس الامريكي يتكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب وكلاهما فيها أكثرية من الحزب الجمهوري. ما يطمح له اليسار أن يغزو الناخبون الديمقراطيون صناديق الاقتراع يوم 6 / 11 تشرين الثاني نوفمبر القادم ويفوز الديمقراطيون بالأكثرية (نصف زائد واحد) في مجلسي الكونگرس. في هذه الحالة، سيعرقل الكونگرس الديمقراطي كل خطوات ترمب الإصلاحية لمحاربة الفساد وتخفيض الإسراف الهائل في دوائر الدولة وإعادة كتابة قوانين الهجرة وغيرها من الإصلاحات التي وعد بإنجازها خلال حملته الإنتخابية. لذا بدأت حملة اليسار بالترويج الى إن ترمب سوف يتم عزله قريباً لتشجيع الناخبون الديمقراطيون بالمشاركة في الإنتخابات.
من ناحية أخرى، أهمية هذا اليوم، 6 / 11 لم يعد سراً، حيث أجل الرئيس الكوري الشمالي كيم جونگ أون من عملية إنهاء ترسانته النووية الى بعد هذا التاريخ. الرئيس الفلسطيني محمود عباس يماطل في الشروع بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل لإعلان حل الدولتين وعاصمتيهما القدس (الغربية لإسرائيل والشرقية لفلسطين). كما والتقى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري سراً مع مبعوث الحكومة الإيرانية في پاريس ونصحهم بالتريث في التفاوض مع إدارة ترمب لإنهاء برنامج إيران النووي حتى بعد هذا التاريخ وبالفعل تماطل إيران وغير متجاوبة مع إدارة ترمب.
وأخيراً وليس آخراً، تشكيل الحكومة العراقية القادمة يخضع الى نفس هذه المتغيرات. وكما يقول السيد رئيس الوزراء "البعض" من الكتل السياسية التي تطالب بعلاقات سياسية وإقتصادية متميزة مع الجارة إيران غير مستعجلة لتشكيل الحكومة مع المحور الآخر، لأنهم يعتقدون بأن الرئيس ترمب سيكون ضعيفاً سياسياً بعد هذا اليوم وبالتالي ستتشكل حكومة عراقية تكون الأقرب الى الجارة ايران. والمحور الآخر أيضاً غير مستعجل لتشكيل حكومة يشارك فيها أعضاء من كتل المحور الآخر، ويفضلون الإنتظار الى بعد هذا اليوم المهم وفوز الجمهوريين في الأنتخابات النيابية وسيكون بإمكانهم تشكيل حكومة من دون المحور الذي يطالب بتقوية العلاقات السياسية بالجارة إيران.
ختاماً، قرر الرئيس ترمب ان يعلن عن حزمته الثانية والأقوى من العقوبات الإقتصادية على إيران لتشمل منع إيران من تصدير نفطها ومعاقبة أي دولة تستورد النفط الإيراني، وقرر ترمب أن يكون يوم إعلان هذه العقوبات يوم 4 / 11 تشرين الثاني نوفمبر القادم، أي قبل يومين من الإنتخابات النيابية الإمريكية، كي تشكل هذه الحزمة من العقوبات دافع قوي للناخب الجمهوري بالخروج من مساكنهم والمشاركة بالإنتخابات وبقاء نسبة أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب ومجلس الشيوخ 50% زائد واحد.
الصورة التي جمعت دونالد ترمب مع الممثلة ستورمي دانيلز قبل إثنا عشر عاماً والتي هي جوهر هذه الفضيحة.