بقلم/ سليم الحسني
برصد خطب الجمعة في الأشهر الماضية، نجدها ملتزمة بشكل دقيق بتوجيهات الإسلام الأمريكي، أو ما يطلق عليه أيضاً بالإسلام المدني ومشروع الدولة المدنية.
تدعو النسخة الأميركية للاسلام، الى الابتعاد عن الشؤون السياسية، وتحويل الإسلام من رسالته العامة الى شأن شخصي صرف، بحيث تكون حدوده محصورة بالفرد فقط.
في كتابين مهمين اعتمدتهما الإدارات الأميركية، نجد التطبيق الحرفي لما ورد فيهما على المنهج الجديد لخطبة الجمعة في كربلاء. الكتابان هما: (الإسلام المدني الديمقراطي) والثاني (بناء شبكات الاعتدال الإسلامي) الأول من تأليف الأميركية اليهودية (شيريل بينارد) والثاني من تأليف مجموعة باحثين أميركيين. والكتابان يحددان الاستراتيجية التي يجب فرضها على العالم الإسلامي لإبعاد الإسلام، واستبداله بالإسلام الأميركي.
لقد نجحت هذه الاستراتيجية في السعودية والدول الخليجية والعربية، والهدف التالي هو فرضه على العراق.
وبحسب الخطوط التفصيلية التي يرسمها المشروع الأميركي، فان المطلوب هو تجميد قسم كبير من القرآن الكريم بآياته ومفاهيمه، وهو القسم الذي يدعو الى الاهتمام بشؤون المسلمين والعمل السياسي ومواجهة العدوان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل ما يتصل بالبعد الحركي في الإسلام.
في مقابل ذلك التركيز على القضايا الشخصية الصرفة التي تعزل الدين عن الشارع والحياة، وأن يكون النشاط الجماعي للمسلمين منحصراً في الطقوس الظاهرية الخاوية من مضمون العقيدة الإسلامية.
ويركز المشروع الأمريكي في نسخته للإسلام على القيادات الدينية المرموقة وعلى الواجهات الدينية البارزة، فهي نقطة الانطلاق الأساسية لتحويل الإسلام الأمريكي الى واقع قائم في المجتمع، بمسميات جميلة مثل الإسلام المدني والدولة المدنية والحداثة وغير ذلك.
إن مشروع الإسلام الأمريكي قد دخل النجف الأشرف بقوة، وصارت الهيئات التابعة لمكاتب المراجع هي التي تتولى الترويج له، والمثال على ذلك النشاطات التي عقدها مسؤول العتبة الحسينية ومنها مؤتمر خاص يدعو الى الإسلام المدني.
ويبرز النموذج الكبير في هذا الخصوص من خلال خطبة الجمعة، فهي صوت المرجعية العليا كما يعرف الناس كلهم ذلك، ويجري التعامل معها على هذا الأساس. لكن الخطبة أخذت مساراً متراجعاً عن النهج السابق، وصارت تبتعد عن شؤون الساحة والمسلمين بشكل لافت، وفي الفترة الأخيرة ومنذ تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، فان الخطبة أصبحت نسخة مكررة من حيث المنهج لخطب الجمعة الخاضعة للاشراف الأمريكي. وبمعنى أكثر دقة أنها صارت النسخة النموذجية التي يريدها مشروع الإسلام الأمريكي.
لا تتطرق الخطبة الى المآسي الموجعة التي يتعرض لها المسلمون ـ خصوصاً الشيعة ـ في البحرين واليمن والحجاز، مع أن هذه المآسي موضع إهتمام المؤسسات الإنسانية في العالم.
والأكثر من ذلك أنها أهملت الحدث الأول في المنطقة، وهو احتمالات الحرب بين أمريكا وايران، والذي يضع العراق في واجهة الصراع، حيث عاد الوجود العسكري الأجنبي مرة ثانية تحت عناوين جديدة.
وتصل حالة الاستغراب أوجها، عندما تحدث وقائع دامية تسيل فيها الدماء بالنجف الأشرف، ويصعد الخطيب في الصحن الحسيني الشريف، ليتحدث عن أمور هامشية ساذجة يعرفها أبسط مسلم.
ما يجري في النجف الأشرف ومن قبل مكتب المرجع الأعلى، يؤكد وبالشواهد الظاهرة أن المنهج هو اعتماد الإسلام الأمريكي، فهو يناسب أصحاب التوجهات الذاتية في بسط نفوذهم على البسطاء وعلى الساحة، فيجنون المكاسب الشخصية ويتحولون الى زعامات قادمة محاطة بالقداسة الكاذبة. فيما يتلاشى اسلام أهل البيت عليهم السلام بأسسه الأصيلة.
م