بقلم/ سليم الحسني
تشير مؤلفة كتاب (الإسلام الديمقراطي المدني) الى أن الدول الغربية كانت تميل الى الاتجاه الإسلامي التقليدي وتجد فيه المجال الذي يمكن أن يخدم مصالحها، ضد الاتجاه الحركي للاسلام.
وتؤسس المؤلفة على ذلك رؤية تقدمها للحكومة الأميركية كما في النص التالي في الصفحة ٦١ من الكتاب:
(ينطوي الإسلام التقليدي على عناصر تدعم قيم الديمقراطية والمساواة والمشاركة. ومن الممكن انتقاء هذه العناصر، واستخدامها في تبرير عمليات الإصلاح. ولهذا كله فمن المغري اختيار التقليديين كطليعة لمشروعنا لترويج وتعزيز الإسلام الديمقراطي) انتهى.
وتضع المؤلفة بعض الضوابط لطريقة دعم الإسلاميين التقليديين، لكي تأتي النتائج كما تريد الولايات المتحدة في القضاء على الإسلام الحركي، وجعل (الإسلام الأميركي) هو المعتمد عند المسلمين. والنقطة المهمة هنا هي فرضه على العراق الذي يمثل نقطة مركزية في التوجه الأميركي.
في الصفحة ٧٥ من الكتاب، تنتقل المؤلفة الى طرح فكرة أكثر جرأة في معرض حديثها عن كيفية التعامل والتنسيق مع الإسلاميين التقليديين، حيث كتبت تقول:
(هناك مؤشرات واضحة على أن التغيير في الإسلام أمر مستطاع، بل قد وقع فعلاً، وعلى مدار التاريخ، حالات ابتعاد ضخمة وصريحة عن أحكام القرآن. وجدير بالملاحظة أن تلك الحالات لم تقع نتيجة جدال علمي مرهق استطاع أحد الطرفين أن يبُزّ فيه الآخر بمعرفة علم الحديث، بل على العكس تم دسّ هذه الأحكام في هدوء، وقُبلت دون أي جدال على الاطلاق).
وتقول:
(إن هذا يرينا بأن الإسلام ليس أكثر حصانة من غيره من أديان العالم الرئيسية ضد التغيير الذي تفرضه الحضارة على القيم) انتهى.
لا تحتاج هذه المقاطع الى إعمال العقل والتحليل والتفكيك، إنها واضحة تشرح نفسها بنفسها، فهي منهاج عمل مقترح للحكومة الأميركية لكي تعتمده وتعمل عليه لتحويله الى خطوات عمل.
ونجد مصداق ذلك في الطرح المتكرر والمريب لاستخدام مصطلح (الدولة المدنية) ولصقه عن عمد بالمرجع الأعلى السيد السيستاني، مع الترويج له بأنه يمثل تطوراً ونقلة نوعية في مجال الفكر الإسلامي، وبذلك تضيع الحقيقة الدينية التي تستند على أصالة الإسلام، والتي جاهد مراجع الشيعة على حفظها وضبطها وتأصيلها والتدقيق في مفرداتها جيلاً بعد جيل.
الكلام السابق يكشف لنا أن هذه التوجهات التي يجري الترويج لها في النجف الأشرف من قبل بعض المعممين والمقربين من أجواء المرجعية، يُراد من ورائها، فرض الإسلام الأميركي عن طريق الأمر الواقع، كما تشير الى ذلك مؤلفة الكتاب.
مع الإشارة الى ان تعبير (الإسلام الأميركي) ورد في الكتاب بهذه الصيغة، وجاء الكلام عنه بأنه النسخة المطلوب اعتمادها لنسخ الإسلام الأصيل.
مؤلفة كتاب (الإسلام الديمقراطي المدني) هي الباحثة اليهودية الأميركية (شيريل بينارد) وقد تولت منصب رئيسة مؤسسة (راند) وهي زوجة الدبلوماسي المشهور (زلماي خليلزاد) الذي عمل سفيراً في العراق، وفي دول إسلامية أخرى، وله نفوذه في مراكز القرار الأميركي الى جانب زوجته.
أشارت المؤلفة في هذا الخصوص الى أن (الصمت) حيال الأفكار التي تريدها أمريكا في تغيير الإسلام يمكن أن يقود الى النتائج المطلوبة، وتطلق على ذلك تسمية (الإجماع الصامت).
أميركا إذن تراهن على الصمت، صمت عالم الدين والمفكر والمثقف مما يحدث داخل بعض الأوساط في النجف الأشرف، وتستفيد من هيمنة جهات مقربة ونافذة في جهاز المراجع في إبقاء الصمت سائداً ومنع الكلام.