بقلم/ سليم الحسني
تصاعدت في الفترة الأخيرة، تقولات اشخاص قريبين من مكتب السيد السيستاني بأن مرجع الشيعة الأعلى يتبنى الدستور العراقي الحالي، وأن هذا الدستور هو مشروع سماحته في بناء وإدارة الدولة.
إن هذا الكلام محاولة لإلقاء المسؤولية كاملة على المرجع الأعلى السيد السيستاني، فيما حدث في العراق من فشل اتفق الجميع على تشخيصه، وكانت المرجعية في طليعة الذين أدانوا الحكومات السابقة، وكان الاجراء الواضح في ذلك، رفض السيد السيستاني استقبال السياسيين، ليؤكد شجبه لمواقفهم وطريقة إدارتهم للوزارات والبرلمان والسلطات.
لقد وصل الشعب العراقي بعمومه الى قناعة راسخة بأن العملية السياسية فاشلة، بل أنها عملية تخريب وتدمير لمقدرات الدولة. وأجمع الخبراء على أن الدستور العراقي يحوي من نقاط الخلل والفراغات والنواقص ما زاد من حجم الأزمات التي أوشكت أن تصل الى الاقتتال وسفك الدماء في اكثر من مرة.
ويترافق مع هذا الكلام للمحسوبين أو المرتبطين بمكتب السيد السيستاني ـ بأي عنوان كان ـ كلام آخر أكثر خطورة من السابق، وذلك حين يزعمون بأن المرجع الأعلى للشيعة يدعو الى اعتماد صيغة الدولة المدنية، وقد جاء ذلك مرة على لسان خطيب الجمعة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بتاريخ ١١ كانون الثاني ٢٠١٣، ومرة على لسان السيد منير الخباز، من دون أن يصدر عن سماحة السيد السيستاني ما يوضح حقيقة رأيه وموقفه ونظريته في هذا الخصوص.
نحن هنا أمام قضيتين في غاية الخطورة:
الأولى: شرعية الدستور الحالي، باعتباره مشروع المرجع الأعلى الذي حصل على موافقته بكل ما تضمنه من مواد وما حواه من نواقص وما نتج عنه من أزمات ومشاكل وتدهور جعلت العراق في الدرك الأسفل من الدول الفاشلة.
وعلى هذا فأن أصحاب هذا القول يوجهون إساءة بالغة للمرجع الأعلى، ويحاولون الانتقاص من مكانته وحكمته ومنزلته في عالم التشيع. وذلك من خلال تبرئة ساحة السياسيين من الدستور ونتائجه ولوازمه، وإلقاء المسؤولية على مرجع الشيعة في اختياره.
الثانية: قولهم بأن السيد السيستاني (دام ظله) يرى في الدولة المدنية هي أفضل الحلول للنظام السياسي، وخصوصاً في العراق، كما جاء على لسان السيد منير الخباز، حيث قال بالحرف:
(إن السيد السيستاني يرى بأن الدولة المدنية هي الحل الوحيد لتأمين حاجات المجتمع الإسلامي الذي يضم أقليات من الديانات الأخرى كالمسيحية والايزدية والصابئة فضلا عن المذاهب الإسلامية المختلفة، كما إن الشيعة وفي إطار جسم المجتمع الاسلامي العام، يعتبرون أقلية، وإن كانوا في العراق أكثرية؛ الهدف من ذلك هو أن يأخذ كل دين ومذهب حريته في ممارسة طقوسه وشعائره، والحل يتمثل في الدولة المدنية التي تقوم على صناديق الاقتراع والتمييز بين السلطات الثلاث، فما لم نركز على إقامة الدولة المدنية في العراق، لا نستطيع أن نوفر الحرية لأصحاب الأديان والمذاهب المختلفة بما فيهم المذهب الشيعي، فالإصرار على الدولة الدينية سيخلق صراعا عنيفا يبقى ويستمر مئات السنين، ولأجل ذلك يدعو السيد السيستاني إلى التركيز على الدولة المدنية وهذه سابقة لم يدع إليها مرجع أو عالم من الشيعة بهذا الوضوح) انتهى.
هذا كلام خطير لما فيه من انتقاص من مقام المرجعية ودورها ومكانتها وأصالتها وحرصها على الشرع المقدس وحفظ مدرسة أهل البيت عليهم السلام. فالدولة المدنية في التعريف المعتمد، هي التي تجرد رجل الدين من أي سلطة وتأثير ودور في المجتمع، وهي المرادف الموضوعي للاسلام الأميركي، وهذا ما يصرح به كبار الساسة والمسؤولون الامريكان، وقد تناولته المؤسسات البحثية الأميركية، ودعت الى فرضه في العراق بكل الوسائل والسبل. والقصد منه القضاء على دور المرجعية الشيعية قضاءً نهائياً لا تقوم بعده قائمة لها ولا لمنهج أهل البيت عليهم السلام، وتحترق كل جهود القرون الطويلة التي جاهد مراجع الشيعة وعلماؤهم من اجل حفظ الإسلام الأصيل من التحريف والتشويه والإقصاء.
إن المرجعية في ضوء ما تقدم تتعرض لمحاولة تشويه متعمدة، والأمر لا يخلو من ريبة من وجود منتفعين يريدون تمرير المشروع الأميركي. وقد تمكنت الأجهزة الأمريكية بطرقها وخبرتها واساليبها من خداع بعض المحسوبين على مكتب المرجع الأعلى أو بعض المتنفذين فيه، مستغلين ما عندهم من طموحات شخصية لزجهم في المشروع الأميركي الزاحف بسرعة وقوة على قلعة التشيع أي النجف الأشرف.
أتمنى على كل مخلص من علماء الدين والمفكرين والشخصيات الشيعية، الاستفهام عن هذين المحورين الحساسين، ببذل الجهود للإستماع مباشرة من السيد السيستاني (دام ظله) ليكون الرأي دقيقاً فيما ينسب اليه، والله المستعان على ما يتعرض له الإسلام من حملات تشويه وتضليل.