بقلم/ سليم الحسني
لم يسبق أن سكتت المرجعية الشيعية على أحداث خطيرة كالتي تجري في المنطقة حالياً. لقد عُرف عن مراجع الشيعة سرعة استجابتهم لحالات التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين. والمثال البارز في هذا الخصوص ما حدث عام ١٩١١، حين احتلت إيطاليا ليبيا، واحتلت روسيا شمال إيران، فيما احتلت بريطانيا المناطق الجنوبية منها.
وكان موقف مراجع الشيعة في النجف موحداً في اصدار فتاوى الجهاد وتطوع المسلمين لتحرير هذه المناطق من التدخل الأجنبي، والأكثر من ذلك أنهم شكّلوا كتائب قتالية، وسار على رأسها الشيخ محمد كاظم الخراساني (الآخوند الخراساني) الذي توفي في ظروف غامضة قبل يوم واحد من تحرك المجاهدين الى إيران.
وقد اضطرت روسيا وبريطانيا الى سحب قواتهما، لكن ذلك لم يمنع مراجع الشيعة من مواصلة إدانة الاحتلال الإيطالي لليبيا، ونظموا الوفود لنصرة الشعب الليبي، ودعوا الى إقامة المهرجات وإيصال أصوات الرفض الى العالم، وقد استمر هذا النشاط على مدى عدة سنوات برعاية وتوجيه مراجع النجف الأشرف.
مع تقدم الزمن والأحداث، فان مراجع الشيعة حافظوا على هذا المنهج، وكان الخط العام الثابت يتمثل برفض أي تدخل أجنبي، وبالاهتمام بشؤون المسلمين داخل وخارج العراق. فعندما صدر حكم الإعدام على سيد قطب في مصر، بعث السيد محسن الحكيم رسالة الى جمال عبد الناصر يطلب منه التراجع عن هذا الحكم.
وحين توسع النفوذ السياسي الأميركي في إيران في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، أصدر السيد أبو القاسم الخوئي بيانات الرفض والشجب ضد حكومة الشاه وضد التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين.
أما مواقفهم من القضية الفلسطينية فقد كانت علامة مهمة من علامات التاريخ الشيعي الحديث في نصرة فلسطين.
لكن التحول المريب حدث في الفترة الأخيرة، وتحديداً في الأسبوع الأول من شهر شباط ٢٠١٩، فبعد زيارة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة (جينين هينيس بلاسخارت) ) النجف الأشرف ولقائها السيد السيستاني، أعلن مرجع الشيعة رأيه بدقة ووضوح، بأنه يرفض المساس بسيادة العراق، ويرفض أن يكون منطلقاً لأذى الآخرين. وكان الكلام قاطعاً برفض وجود أي قوات اجنبية على أراضيه.
كان متوقعاً أن يأخذ موقف السيد السيستاني مداه الطبيعي في خطبة الجمعة وفي غيرها، لكن الذي حصل يبعث على الارتياب، فقد تم تجاوزه وإهماله، مع أن كلام السيد السيستاني يأخذ اهتماماً كبيراً ويبقى متداولاً حاضراً في الساحة.
إن التعتيم الذي حصل لموقف السيد السيستاني، يفسّر لنا، الصمت الغريب الذي يخيم على أجواء النجف الاشرف في عدم الاكتراث بما يجري في المنطقة من تصعيد متسارع، ومخاوف دولية عامة نتيجة التهديدات الأميركية وتزايد قواتها في العراق والدول الخليجية. وكذلك الصمت غير اللائق على الظلامات التي تتعرض لها شعوب البحرين والسعودية واليمن.
لقد كتبتُ العديد من المقالات، عن الحصار الذي يفرضه السيد محمد رضا السيستاني على والده مرجع الشيعة الأعلى، ومع هذه التطورات وما يلفها من صمت شامل، فان الصورة المؤلمة تبدو أكثر وضوحاً، بمعنى:
إن مرجع الشيعة الأعلى في حصار صارم يفرضه عليه نجله السيد محمد رضا، وذلك لحسابات عميقة خاصة به، تجعله يدعم الأشخاص والجهات التي تؤيد المشروع الأميركي، في مقابل تعطيل أي رأي وجهد يدعو الى حفظ سيادة العراق من عودة النفوذ العسكري الأميركي، بما في ذلك رأي والده السيد السيستاني.
والذي يلفت الانتباه، أن مجموعة المعتاشين المرتبطة بالسيد محمد رضا السيستاني، تروّج لتحميل إيران مسؤولية ما يحدث، مع أن أوروبا نفسها تدين ترامب في هذا المجال، وتحمله مسؤولية التصعيد.