عبد الباري عطوان
من مساخر القدر ان يلجأ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الى الاستعانة باصدقائه العرب، وطلب نجدتهم من اجل التدخل لتهدئة الاوضاع الملتهبة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومنع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
نتنياهو يريد من هؤلاء “الاصدقاء” و”الحلفاء” الخُلّص، ان يمارسوا ضغوطا على الرئيس محمود عباس، للدفع بقواته الامنية الى الشوارع جنبا الى جنب مع قوات الاحتلال الاسرائيلي لاطلاق النار على الشباب الثائرين وقتل المزيد منهم.
الشباب الفلسطيني الثائر في الارض المحتلة، الذي يضحي بأرواحه، دفاعا عن المسجد الاقصى في وجه الاقتحامات اليهودية، لم يطلب مطلقا اي تدخل عربي، وكل ما يطلبه ان يكف هؤلاء المسؤولون العرب شرهم عنه، وان يتركوه في حاله، ولا يتأمرون عليه تحت ذرائع مختلفة.
فمن لا يقف في خندق الاقصى والمرابطين المدافعين عن هويته الاسلامية بالمال والسلاح والارواح، ويجند كل امكانياته وطاقاته في سبيل هذا الغرض المقدس، ليس من حقه ان يطالب بتهدئة انتفاضة الشرف والكرامة هذه، لانقاذ نتنياهو ومستوطنيه من مأزقهم.
فعندما لا يطرد هؤلاء “العرب” سفيرا اسرائيليا، ولا ينزلون الاعلام الاسرائيلية التي تلوث سماء بلادهم، ويبقون على السفارات مفتوحة، ويستمرون في عمليات التطبيع دون خجل او حياء، فإن هؤلاء لا يستحقون المسجد الاقصى، مثلما لا يستحقون الانتماء الى هوية رجاله، الذين يستشهدون دفاعا عنه.
هؤلاء الشهداء الذين سقطوا برصاص الاحتلال طوال الايام العشرة الماضية، وانضموا الى الآلاف من اشقائهم، لم يأخذوا الاوامر من الرئيس عباس، ولم ينزلوا الى ميدان الشرف والمقاومة بتوجيهات منه، ولهذا لن يستمعوا اليه، ولن ينفذوا تعليماته، بل لن يترددوا في توجيه حجارتهم نحوه، لان سياساته المتخاذلة الخانعة هي التي قادت الى مسلسل التغول والاهانات الاسرائيلية هذه.
سنوات عدة، والشعب الفلسطيني يقف وحيدا في مواجهة آلة الموت الاسرائيلية الوحشية، المرفوقة مع تغول استيطاني لم يترك ارضا، او مياها، او حتى هؤاء يتنفسه.. الشعب الفلسطيني واجه العدوان تلو الآخر.. وصبر على اقتلاع زيتونه، واعتقال المئات من ابنائه، مثلما صبر مكرها على ابشع انواع التمييز العنصري، وعندما طفح كيله وقرر ان يواصل مقاومته، معتمدا على الله وحده، بدأت المؤامرات عليه، من العرب، وغير العرب.
عشر سنوات وما يسمى بالرباعية الدولية في حالة من الصمت، وانعدام الحركة، فطالما ان العرب يركعون امام نتنياهو، ويذعنون لسياساته الاستيطانية، وتعهده بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة.. الآن وبعد ان انطلقت اعمال المقاومة، وقرر الكف الفلسطيني التصدي للمخرز الاسرائيلي، بدأت هذه اللجنة التي عينت اكبر مجرم حرب في العالم (توني بلير) ليكون مندوبها للسلام، تتحرك ليس من اجل انصاف الشعب الفلسطيني، وانما من اجل انقاذ اسرائيل من جرائمها، تماما مثلما فعلت اثناء الانتفاضة الثانية، ووضعت “خريطة طريق” لم تؤد الا للمزيد من الاستيطان والاهانات، وحواجز الاذلال بمجرد انخداع السلطة الفلسطينية بأكاذيبها، وايقاف الانتفاضة.
ندرك جيدا ان دماء فلسطينية عزيزة غالية ستسفك، مثلما ندرك ايضا ان شبانا صغارا سيستشهدون، والآلاف غيرهم سيعتقلون في مراكز الاعتقال النازية الجديدة، ولكن لم يتركوا للشعب الفلسطيني اي خيار آخر غير المقاومة، وهو اهل لها.
فعندما تتبنى المحكمة الاسرائيلية العليا قانونا بالحكم بالسجن عشرين عاما على كل من يلقي حجرا على المحتل المدجج بالاسلحة، فماذا بقي امام هؤلاء الشباب، غير استبدال الحجر بالسكاكين والقنابل، وربما الاحزمة الناسفة غدا، فسمو لي دولة واحدة في التاريخ الحديث تصدر مثل هذه القوانين الجائرة والارهابية في الوقت نفسه؟
هذا شعب ينضح عزة، وكرامة، ورجولة، ويؤكد يوما بعد يوم عن استعداده للتضحية نيابة عن كل الشعوب، ولا نقول الحكومات، العربية والاسلامية لحماية مقدساته، واستعادة ارضه، وكل ما يطلبه ان يقف سماسرة اسرائيل الجدد جانبا، وان لا يتدخلوا لنصرتها وحمايتها.
الشعب الفلسطيني يترك هذه الحكومات العربية المتواطئة مع اعدائه لشعوبها، فهي كفيلة بهم، فمن دماء شهداء الاقصى سيأتي الخلاص لهذه الامة.