سكاي برس/ بغداد
أثار فوز المرشح الجمهوري والرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، تساؤلات عن طبيعة المرحلة المقبلة التي سيشهدها العراق على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وأعلن ترامب فوزه بولاية رئاسية ثانية، اليوم الأربعاء، مؤكداً أن الشعب منحه هذه الولاية الجديدة، وفي كلمة ألقاها عقب إعلان النتائج الأولية، قال ترامب: "لقد فزت فوزاً تاريخياً، واستعدنا الأغلبية في مجلس الشيوخ"، وتعهد "بانهاء الحروب".
مواقف رسمية
وهنأ رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الرئيس المنتخب دونالد ترامب ونائبه جيمس ديفيد فانس والشعب الأمريكي بنجاح العملية الانتخابية.
وأكد السوداني في تغريدة له على موقع "إكس - تويتر سابقاً": "التزام العراق الثابت بتعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".
وأشار رئيس الوزراء إلى أن "العراق يتطلع لأن تكون هذه المرحلة الجديدة بداية لتعميق التعاون بين البلدين في مجالات متعددة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة ويعود بالنفع على الشعبين الصديقين".
فيما كتب رئيس الجمهورية العراقية، عبد اللطيف جمال رشيد، في منشور له على منصة "إكس": "نتمنى لترامب ولإدارته التوفيق في قيادة الولايات المتحدة نحو مزيد من التقدم والازدهار".
وأضاف، "كما نتطلع إلى مرحلة جديدة يسودها الأمل في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وتعزيز العلاقات البناءة التي تخدم مصالح وتطلعات الشعوب".
وفي كوردستان، قال رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، في تغريدة عبر حسابه الرسمي: "أتقدم بأحر التهاني إلى الرئيس ترامب ونائب الرئيس المنتخب فانس على فوزهما في الانتخابات". وأضاف "نتطلع إلى العمل معاً لتعزيز شراكتنا وتعميق العلاقات الثنائية بين إقليم كوردستان والعراق والولايات المتحدة".
بدوره، هنأ رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، ترامب على إعادة انتخابه مرة أُخرى للمنصب ذاته، وكتب في منشور على منصة "إكس": "نتطلع إلى تعميق الشراكة بين إقليم كوردستان والولايات المتحدة، والعمل معاً لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة".
"ليس بصالح العراق"
ولتسليط الضوء على سياسة ترامب المتوقعة وكيفية تعامله مع العراق، قال المحلل السياسي، عباس الجبوري، إن "ترامب لديه أهدافاً سيعمل على تحقيقها في المستقبل، ورغم أن مساحة السياسة الأمريكية ثابتة، لكن الرؤساء عادة ما تكون لديهم مساحة معينة يتحركون بها".
ورأى الجبوري خلال حديث له ، أن "ترامب يعتبر من الرؤساء الديكتاتوريين، فهو يحاول تجاهل بعض المؤسسات ويتجاوز على الكثير من الصلاحيات، لذلك فوزه ليس بصالح العراق أبداً".
وأوضح أن "ترامب سيحاول جهد الإمكان إبقاء القوات الأمريكية في العراق وربما زيادتها، كما سيفرض عقوبات على جميع من يحاول المساهمة في حرب غزة، وسيفرض عقوبات على إيران".
وبين الجبوري، أن "ترامب يقول (ليس هناك عراق بل نفط)، ووفق هذا المبدأ التجاري على العراق أن يعد فريقاً متكاملاً من الخبراء للتصدي لسياسة ترامب الجديدة في الشرق الأوسط والعراق".
جهود داخلية وخارجية
من جهته، رأى المحلل السياسي، مجاشع التميمي، أن "العراقي ينتظر من ترامب الكثير من الأمور المتعلقة في الشأن السياسي على المستويين الداخلي والخارجي". وعلى المستوى الداخلي، ذكر التميمي ، أن "العراق يحتاج أن يكون هناك موقفاً أمريكياً داعماً للحكومة العراقية، وتقريب وجهات النظر بين المكونات كافة، من خلال اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في المجالات المدنية، وخاصة في موضوع دعم الاقتصاد العراقي الذي يطمح أن يكون المستثمر الأمريكي فاعلاً فيه".
أما على مستوى السياسة الخارجية، فإن العراق - بحسب التميمي - يمر بـ"أزمة جفاف كبيرة ويراد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أن تضغط على دول المنبع من أجل إطلاق مزيداً من المياه ضمن الحصة المائية للعراق، حيث يشهد العراق أزمة جفاف خانقة".
وتابع: "فضلاً عن منع الدول الإقليمية من التدخل في الشأن السياسي العراقي، باعتبار أن الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً للعراق، ولهذا تنتظر الحكومة العراقية من ترامب الإيفاء بالتزامات الولايات المتحدة تجاه العراق، باعتبارها هي من قامت بتأسيس النظام السياسي الحالي بعد إسقاط نظام صدام".
الاقتصاد العراقي
وفيما يخص تأثير فوز ترامب على الاقتصاد العراقي، نبه الخبير الاقتصادي، د.مصطفى فرج، إلى أن "فوز ترامب قد يؤثر على الاقتصاد العراقي بعدة نقاط، منها (أسعار النفط، والعقوبات على إيران، والاستثمارات الأجنبية)".
وأوضح فرج هذه الثلاثية بالقول ، إن "أسعار النفط العالمية قد تتأثر بسياسات ترامب انخفاضاً أو ارتفاعاً لذلك قد يتأثر العراق بها، وهناك مؤشر على انخفاض أسعار النفط عالمياً بعد فوز ترامب".
أما العقوبات على إيران، فإن ترامب - وفق فرج - "معروف بسياسته الصارمة تجاه إيران، ومن الممكن أن يقرر فرض عقوبات أشد عليها ما سيؤثر على تجارة العراق معها، وكذلك في استيراده للغاز منها لاستخدامه في مجال الطاقة".
وعن الاستثمارات الأجنبية، بين أن "سياسة ترامب التجارية والاقتصادية قد تؤثر على تدفقات الاستثمارات الأجنبية، وقد يتأثر استقرار السوق العراقية بتغير السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط".
وخلص فرج إلى القول، إن "التأثيرات بصورة عامة تبقى متعلقة بتغير السياسات العالمية والإقليمية وقدرة الحكومة العراقية على التكيف معها واستغلال الفرص الناتجة عنها".
المزيد من الضغوط
وفي الشأن الاقتصادي أيضاً، لفت الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد، إلى أن "السياسة الأمريكية الخارجية لا تختلف من حيث المنهجية والهدف، إنما تختلف في الناحية التطبيقية حول كيفية التعاطي مع الملفات الدولية ومنها الملف العراقي، لأن تعامل الجمهوريين مع إيران ليس كما هو من قبل الديمقراطيين الذين يعتبرون أكثر مرونة في التعامل مع الملف الإيراني وأدواتها المتمثلة بالميليشيات في المنطقة".
وأخبر عيد، بأن "الجمهوريين يرون أن تدخل إيران في العراق وتغولها الكبير فيه يشكل تهديداً لمصالحها، حيث يجد ترامب في العراق مصدراً من المصادر الاقتصادية والاستراتيجية بالنسبة للسياسة الأمريكية، وهو ما يدفعهم لتوجيه البوصلة إليه كنقطة مهمة في الشرق الأوسط".
أما من الناحية الاقتصادية، فإن "السياسة الأمريكية الخارجية ستعمل على حصر التوسع الاقتصادي الإيراني وهو ما قد ينتج عنه مزيداً من الضغط على العراق فيما يخص الصادرات النفطية واستثمارات الغاز من جهة، وحصر أموال واردات الغاز الإيرانية من جهة أخرى"، بحسب عيد.
وزاد بالقول: "كما ستعمل الولايات المتحدة في سياستها الجديدة من خلال وزارة الخزانة والبنك الفيدرالي، على تشديد الرقابة على الأموال العراقية ورصد ومراقبة التحويلات المالية لمنع وصولها لجهات إيرانية أو جهات صدرت بحقها العقوبات سابقاً".
وتوقع عيد، أن "هناك احتمالية كبيرة في زيادة فرض العقوبات على مصارف وجهات متنفذة جديدة عاملة داخل العراق، قد تصل إلى فرض العقوبات على مصارف حكومية إذا ابتعد البنك المركزي العراقي عن إيقاع نفسه في مخاطر التحويلات المالية".
وأكد أن "سياسة ترامب هي ضرب المصالح الإيرانية التي تهدد المصالح الأمريكية، مما قد ينذر باستهداف الميليشيات والتيارات العاملة في العراق والقريبة من الجانب الإيراني في الأيدلوجية والعمل المشترك الذي سينتج عنه مشاكل ومخاطر أمنية محتملة داخل العراق ستنعكس بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي العراقي".
عمليات "كر وفر"
أما فيما يخص الجانب الأمني العراقي وتعامل ترامب معه، رأى الخبير الأمني، علي العسكري، أن "مشروع ترامب هو الاقتصاد للولايات المتحدة الأمريكية قبل كل شيء، وإذا كان يريد الإيفاء بوعده هذا فعليه المحافظة على أمن واستقرار العراق والخليج".
وبين العسكري، خلال حديثه ، أن "الاقتصاد العراقي متوقف على صادرات النفط، والتي هي جزء من انتعاش الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، وهذا يعني أن الاتفاقية الأمنية يجب أن تكون سارية المفعول ما بين العراق وأمريكا". وكذلك، فيما يخص الفصائل، فهي ستبقى في عملية كر وفر مع القوات الأمريكية، وأن الأخيرة تعرف كيف تتعامل معها من أجل الحفاظ على استقرار صادرات النفط قبل استقرار العراق، وأن أمريكا لديها التخوف من إيران في هذا الجانب، وفق العسكري.
لا متغيرات
بدوره، رأى الخبير العسكري، منقذ داغر، "عدم حصول متغيرات كبيرة بعد فوز ترامب على خلاف توقعات الكثيرين، أو على الأقل لن يكون بالحجم الذي يتوقعه البعض، رغم أن ترامب ليس من النوع الذي يمكن التنبؤ بأفعاله، حيث يمكن له مقايضة أي شيء مقابل مصلحة يحققها لبلاده بحسب اعتقاده، حتى إذا تطلب الأمر قلب الأمور 180 درجة وبشكل مباشر".
لكن، على المستقبل القريب ليس من المتوقع حصول شيء لأنها فترة استلام وتسليم إلى ربيع السنة المقبلة، واعتقد أن ترامب استفاد من تجربته السابقة، لذلك هو ليس نفسه كما كان في الولاية الأولى"، وفق ما يقوله داغر .
يذكر أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كان قد هاجم بشدة، إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وذلك خلال كلمة له في حفل تأبيني أقيم ببغداد العام 2023 بالذكرى السنوية لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس بغارة جوية قرب مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020. كما أعلن رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان، صدور أوامر قبض بحق ترامب على خلفية أوامر أصدرها لقتل سليماني والمهندس.
وفي هذا السياق، أكدت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، اعتزام العراق التعامل مع دونالد ترامب بشكل طبيعي رغم مذكرة القبض الصادرة بحقه من القضاء العراقي بتهمة اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
وصرح عضو اللجنة النائب مختار الموسوي، في تصريح سابق له، بأن المصلحة الوطنية تقتضي هذا التعامل، مؤكداً أن العلاقات بين بغداد وواشنطن لن تتأثر بعودة ترامب للرئاسة، مشيراً إلى صعوبة تنفيذ مذكرة القبض في حال زار ترامب العراق مستقبلاً.