سليم الحسني
في ١٦ أيلول كان السيد محمد رضا السيستاني قد انتهى من الإجراءات العملية لفرض عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء. وفي تلك الأيام كانت الأسماء المتداولة بين الكتل السياسية لا تضم عبد المهدي، فقد ظهر اسمه ثم تراجع من الواجهة والاهتمام.
لكن المعلومات التي وصلتني بعد التوثيق والمقارنة والتأكد منها، جعلتني أكتب الى السيد محمد رضا السيستاني، رسالة خاصة أبيّن له فيها، أن تبنيه خطوة ترشيح عادل عبد المهدي لها تداعياتها السلبية على المرجع الأعلى السيد السيستاني. فالناس لا يمكن لهم أن يتصوروا بأن نجله يتصرف من وراء ظهره، ومن دون علمه. وقد كنت أحرص ولا أزال على ضرورة الفصل بين المرجع الأعلى السيد السيستاني، وبين نجله ووكلائه ووممثليه.
أنشر هنا نص الرسالة:
(سماحة آية الله السيد محمد رضا السيستاني حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للتاريخ لسان يحكي الوقائع البسيطة والكبيرة، ويتوقف طويلاً عند المفاصل الحساسة، مثل هذه التي تجري حول تشكل الحكومة واختيار رئيس الوزراء.
لقد توقف تاريخنا الشيعي عند كل مرجع من مراجعنا الكرام، فكتب عن مواقفهم السياسية، عن وعيهم واحاطتهم بالظروف الصعبة، عن دقتهم في التعامل مع الأشخاص، عن تقديمهم مصلحة الأمة والشيعة وحفظ مكانة المرجعية التي لو لاها لما كان للشيعة كيان ووجود.
سيكتب التاريخ ـ وقد بدأ يكتب ـ أن المرجع الأعلى للشيعة السيد علي السيستاني، استجاب للشاب المتهور المتذبذب السيد مقتدى الصدر، وعمل برأيه في ترشيح عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء.
وسيروي التاريخ أن مرجع الشيعة الأعلى، خالف سيرة أسلافه من مراجع الشيعة، وكسر بيده هيبة المرجعية، عندما أعلن شرطاً ثم خالفه بنفسه.
سماحة السيد الجليل
في حزيران من هذا العام (٢٠١٨) نشر السيد عادل عبد المهدي مقالاً بعنوان: (رئاسة الوزراء، اشكركم فالشروط غير متوفرة) وقد قرأها أهل السياسة والثقافة والاعلام، على أن المقال مصمم للترويج لنفسه.
ثم عاد المهتمون بالسياسة والمولعون بالبحث عن التفاصيل، الى ربط الأحداث بدقة بعد إعلان السيد مقتدى الصدر ترشيح عبد المهدي، ثم انتشار الموافقة الفورية للسيد السيستاني حفظه الله على رأي مقتدى الصدر.
وقد رأى هؤلاء المهتمون والمتفحصون، أن لقاءات واتصالات كان يجريها عادل عبد المهدي مع سماحتكم ومع السيد مقتدى الصدر، وقد وجدوا أن هذه اللقاءات قد سبقت إعلان ترشيحه، ثم جاء الإعلان في وقت دقيق مدروس بعناية ومفاجئاً للجميع، لكي يضربهم في منطقة التفكير فيصابوا بالشلل ويستسلموا لقدر مقتدى الصدر وأمره الذي صار سارياً على المرجع الأعلى للشيعة السيد علي السيستاني.
هكذا سيكتب المعنيون وهكذا سيقول التاريخ، وهكذا سيقرأ الشيعة والعالم.
وسيكتب التاريخ أيضاً يا سماحة السيد الجليل:
في زمن مرجعية السيد السيستاني، استجاب لرأي أحد السياسيين المتعاملين مع أمريكا والسعودية، ودعم مرشحاً عُرف بالفشل وكان يعرف المرجع الأعلى ومكتبه فشله، لكنه عمل برأي مقتدى الصدر وتبعه في اختياره.
وستكون الكلمة المؤلمة للتاريخ عندما يقول:
لقد اختار المرجع الأعلى السيد السيستاني مرشحاً من الجهة التي تدعمها السفارة الامريكية في بغداد، وانه تراجع عن رأيه من أجله، وبعد أشهر بدأ الفشل على رئيس الوزراء الذي اختاره السيد السيستاني.
سيدنا الجليل
المرجعية مكانة عالية، وموقع رفيع، لا يتورط بترشيح شخص، ومن المؤلم أن تتحول الى كتلة سياسية في صراع الكتل على المناصب.
نسأل الله التوفيق، وأن يجعلنا من الثابتين على منهج مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
لقد حاولت في الرسالة أن أبين للسيد محمد رضا السيستاني المسؤولية الكبيرة التي يتحملها في الحفاظ على مكانة المرجع الأعلى للشيعة، وأن اشتراكه مع مقتدى الصدر في اختيار عبد المهدي، سيفهمه الناس على انه استجابة من المرجع الأعلى لرأي مقتدى الصدر. وهذا ما حدث لاحقاً بالفعل، فقد راح السيد مقتدى الصدر يقول إنه اختار عبد المهدي استجابة لرأي بيت السيد السيستاني، بينما يقول السيد محمد رضا بأن مقتدى الصدر هو الذي اختاره أولاً.
وهكذا ستلحق إساءة بمكانة المرجع وموقع المرجعية، فالسيد السيستاني مرجع عظيم، وزعيم الشيعة، ويعرف دور المرجعية وهو الأحرص عليها من غيره، ولا يمكنه أن يجعلها كتلة سياسية، أو سلطة دنيوية. لكن المشكلة الكبيرة في أبناء المراجع ووكلائهم وممثليهم، فهم يستغلون هذه العلاقة لبسط سلطانهم، مستغلين بساطة الكثير من الشيعة.
للحديث تتمة