Skip to main content

المشكلة في "القضاء" لا في الدستور .. !

مقالات الأحد 10 تشرين ثاني 2019 الساعة 14:51 مساءً (عدد المشاهدات 3137)

سليم الحسني

لا أتصور أن دستوراً قد تعرض للنقد من قبل الطبقة التي كتبته، مثل الدستور العراقي. فلقد أشبعه السياسيون شتماً وإدانة حتى صار الانطباع السائد أن مشاكل البلد وأزماته تبدأ من الدستور وتنتهي به، وأنه لولا نواقص الدستور ونقاط الخلل فيه، لما وصل حال العراق الى هذا الشكل من الخراب والتردي.

فهل الدستور العراقي بهذا السوء؟

بجواب مباشر وسريع، ليس للدستور هذه الدرجة من المسؤولية فيما جرى ويجري في العراق، بل أن دستوراً أقل من هذا بكثير من شأنه أن ينظم العملية السياسية لإعادة بناء العراق وتوفير عيشة راقية لشعبه، لو توفرت سلطة قضائية غير هذه الموجود.

وفي المقابل فأن أرقى الدساتير في العالم لو تم اعتمادها في العراق، فان الخراب والفساد سيكون بمثل الذي حصل ويحصل مع وجود هذه السلطة القضائية الحالية.

إن المشكلة العراقية ليست دستورية بالدرجة الأولى، فتنظيم الدولة فيها يعتمد على أسس مقبولة، والنظام الديمقراطي قائم فيها على انتخابات وبرلمان وتقسيم للسلطات. لكن الخلل في فساد السلطة القضائية.

يرى الكثير من الخبراء وكبار رجال السياسة في العالم، أن النموذج البريطاني في ادارة الدولة ورقي ديمقراطيتها، يعود الى عدم اعتمادها لدستور مكتوب، وقد ناقش قادتها في فترات مختلفة مسألة كتابة الدستور للمملكة المتحدة، لكنهم كانوا يصلون الى نفس النتيجة، وهي عدم كتابة الدستور.

إن ما ينظم الحياة الادارية والسياسية في بريطانيا مجموعة لوائح قانونية وتشريعات برلمانية واعراف وتجارب سابقة، وأهمها ما جاء في قانون وراثة العرش الذي يؤكد أن القضاة أحرار لا يخضعون لسلطة الملك او الملكة. وهذا ما جعل السلطات التشريعية والتنفيذية تلتزم بواجباتها، لأن هناك سلطة قضائية حقيقية مستقلة حرة، وهي ضمانة هذا النظام الديمقراطي العريق.

وفي ضوء ذلك يتعامل المواطن البريطاني بثقة تامة، بأنه عندما يتعرض الى الغبن أو يشعر بوقوع ظلم عليه في شأن خاص أو عام، فان هناك سلطة قضائية تأتيه بحقه كاملاً من أعلى مسؤول في المملكة.

ليس المسؤول البريطاني متفانياً في عمله لأنه يمتلك مواصفات عالية من التربية الشخصية والسمو الاخلاقي، ولكن لأنه يعلم أن هناك سلطة قضائية قوية، تتعامل بالقانون بمهنية عالية، وهو معرض للمثول أمامها بشكوى بسيطة من أي مواطن.

ليس سلوك الناس في الغرب مثالياً كما هي النظرة الشائعة، فهناك الكثير من المواطنين يتحينون اي فرصة لمخالفة القانون مثلما هو الحال في دولنا، لكن الذي يمنعهم من ذلك، هو الخوف من سلطة القضاء.

إن بريطانيا بهذه السمعة العالمية والمكانة الدولية من المؤكد انها ستتحول الى مثل العراق أو أسوأ منه، خلال أقل من عام واحد فيما لو كانت السلطة القضائية فيها على شاكلة الموجودة في العراق. ونفس النتيجة ستصل اليها كل الدول الكبرى فيما لو انتقل لها الجهاز القضائي العراقي.

سبب الخراب في العراق، هو كتلة السلطة القضائية بالدرجة الأولى، إنها فاسدة منتفعة وقمعية لمن يقترب اليها بالنقد، وهذا ما يريده قادة الكتل السياسية، لكي ينعموا بحرية السرقة وامتصاص ثروات البلد، في علاقة متبادلة بينهم وبين القضاء.

ولكي يوهموا المواطن، فانهم يصرفون انظاره عن فساد القضاء بالقاء اللوم على الدستور ونقصانه ونقاط الخلل فيه.

لا يمكن اغماض العين عن وجود النواقص ونقاط الخلل، لكن ذلك ليس كارثياً، وليس هو السبب الأكبر، إنه سبب واحد من أسباب كثيرة وأكثر أهمية مقارنة بالسلوك الفاسد للقضاء والسياسيين، فهؤلاء ـ مع غياب القضاء النزيه ـ يجعلون الدستور (المعصوم) كراسة جامدة عديمة الفائدة.

٩ تشرين الثاني ٢٠١٩

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة