لكاتبها
دلائل على ان العالم قد عاد إلى أيام الحرب الباردة، والحروب بالإنابة.
الاستغراق في الشفقة على الذات والتلاوم وفبركة النظريات الواهنة عن أوضاعنا هي سم في جسمنا.
عززت الصين وجودها ببحر الصين وبنت قواعد على جزر مختلف حولها مع اليابان وغيرها شمال شرق الصين والمحيط الهادئ.
تمتد الحرب الاقتصادية لأجل التنافس الشديد على من سيملك الفضاء السايبري في المستقبل، ويهيمن على شبكة الانترنت الدولية.
انعكست الحرب الاقتصادية على شركة هواوي الصينية، وهي الشركة الوحيدة غير الأميركية القادرة على الهيمنة على شبكة الاتصالات الدولية.
* * *
يبلغ الدخل القومي للولايات المتحدة حوالي (20) تريليون دولار، وللصين حوالي (13) تريليون. ومجموع الرقمين يشكل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم. مع أن عدد سكان البلدين يشكل أقل من 24% من سكان العالم.
أما حجم التجارة العالمية للولايات المتحدة فيبلغ حسب أرقام (2018) حوالي (5.6) تريليون دولار، منها (2.5) تريليون صادرات، و (3.1) تريليون مستوردات.
أما الصين فيبلغ مجموع تجارتها الخارجية حوالي (4.5) تريليون دولار. أي أن مجموع التجارة الخارجية للدولتين يساوي (10.1) تريليون دولار. أما حجم التجارة الدولية فقد بلغ العام (2017) حوالي (33) تريليون دولار. بمعنى آخر، فإن تجارة الولايات المتحدة والصين مع العالم تشكل حوالي (30%) من التجارة العالمية.
وهكذا نرى أن حرباً بين هذين العملاقين في مجال تجارة السلع وحده، سيكون كافيا لإحداث تشويش خطير في تدفق السلع، وتراجع معدلات النمو، والعودة عن نظام التجارة المفتوحة التي وصلت ذروتها العام 2017.
وبدأت تشهد تراجعاً بعدما بدأت إدارة الرئيس الأميركي في فرض رسوم جمركية، واتباع سياسات المقاطعة والحصار الاقتصادي على الدول مثل إيران وفنزويلا، وفي الاستفادة من مركز الولايات المتحدة كأكبر مركز مالي للتشويش على عملات الدول كما فعلت مع إيران، والأرجنتين، وفنزويلا، وتركيا.
والحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين ليست محصورة على مجال تبادل السلع، ولكنها صارت تمتد من أجل التنافس الشديد على من سيملك الفضاء السايبري في المستقبل، ويهيمن على شبكة الانترنت الدولية.
فمن المتوقع أن يكون هذا الفضاء وتلك الشبكة سريعة وفعالة، وسوف تحتكر كل المعاملات التجارية والخدمية والتواصلية والتدفقات المالية.
وقد انعكست هذه الحرب بشكل خاص على شركة هواوي الصينية، وهي الشركة الوحيدة غير الأميركية القادرة على الهيمنة على شبكة الاتصالات الدولية. وبحرمان الشركة من برامج غوغل وإندرويد وغيرها، سيدفع بها إلى بناء منصاتها التواصلية.
وها نحن نقف أيضاً على أبواب حرب باردة سعياً لبسط النفوذ. ففي الوقت الذي هددت فيه الولايات المتحدة إيران وأرسلت سفنها للخليج، فإنها تسعى إلى حرمان الصين من النفط الإيراني المباع لها وفق ترتيب مريح.
وكذلك، فإن وجود مدمرات وحاملات طائرات وتعزيز القوات في القواعد الأميركية في المنطقة، سترى فيه دول أخرى تهديداً لها ولمصالحها مثل تركيا، والصين، وحتى دول حليفة للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
ولذلك، قامت الصين بتعزيز علاقاتها بإيران وباكستان، وها هي تضغط لتمرير قانون إعادة المواطنين الصينيين المخالفين لقوانينها في مناطق هونغ كونغ، وتايوان، وماكاو.
وقد سبق للصين أن عززت وجودها في بحر الصين حين بنت قواعد على جزر مختلف حولها مع اليابان، وغيرها في شمال شرق الصين وفي المحيط الهادئ.
والخلاصة، أن ما نراه يدور في العالم اليوم من سعي أميركي لتشديد قبضتها على جيرانها في اميركا الشمالية وأميركا اللاتينية ، وما تفعله مع الأوروبيين لإضعاف الاتحاد الأوروبي والسعي لتشجيع المتشددين في المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد، ومناصرة بولندا وإرسال جنود لها على حدود روسيا، والسعي لاحتواء النفوذ الإيراني وتمكين الهيمنة على الخليج العربي وشمال إفريقيا.
وما نراه بالمقابل من إجراءات صينية في مناطق أكثر قربا لها وأقل مساحة من مساحة النفوذ الأميركي يعطي دلائل على ان العالم قد عاد إلى أيام الحرب الباردة، والحروب بالإنابة.
ومن هم المستفيدون من هذا الغلواء؟
طبعاً دول مثل روسيا، وكذلك الهند بقيادة مودي، ولربما البرازيل وإن كان وضعها صعباً. لا شك أن المعطيات الاقتصادية، والتذبذب السريع والمتواتر في أسعار البورصات، والعملات، والنفط، والسلع الرئيسية دلالة على عدم استقرار الاوضاع الاقتصادية الدولية.
واحتمالات زيادة التوتير عالية. والصين لم تعد تقبل أن تبقى الطرف المتواضع المراقب، بل إن الظروف الدولية واستمرار التوتر مع الولايات المتحدة سيجبرها على أن تكشر عن أنيابها.
نحن في الأردن كدولة في منطقة حامية، علينا ان نبقى متوازنين وحاسبين جيدين لمواقع مصالحنا، ففي اشتداد الأزمات بين الكبار، وفي احتمالات زيادة التوتر والحدية في منطقتنا، علينا أن نبقى يقظين ملتفين حول القيادة.
إن الاستغراق في الشفقة على الذات، وانتهاج الملاومة، وفبركة النظريات الواهنة عن أوضاعنا هي سم في جسمنا، يجب أن نلتف حول القيادة من اجل ان نحتوي هذه الأزمة.
ما يجري في العالم اكبر منا كعرب، وكأردن، ونحن لا نؤثر في مجريات الأمور بقدر ما يجب ان تتحوط لها ونسعى للتعايش معها حتى تمر هذه العاصفة الهوجاء، ونخرج منها سالمين.