سكاي برس/ بغداد
رأى تقرير أوروبي، أن العراق وفي ظل مؤشراته الاقتصادية الجيدة وتطلعه بشكل متزايد الى الشرق لتحرير القطاعات غير النفطية، يسير بذلك على خطى جيرانه العرب من خلال أداء دور توازن دقيق بين الشرق والغرب لدفع النمو الاقتصادي والتنمية على مدى السنوات المقبلة.
وذكر موقع "انترناشيونال بانكر" المتخصص بالشؤون البنكية والمالية، في تقرير له تحت عنوان "يواصل العراق لعب دور التوازن الجيوسياسي والاقتصادي الدقيق"، أن التقييم الاقتصادي الذي اصدرته شركة "بي إم آي" التابعة لمؤسسة "فيتش"، يظهر ان الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي للعراق للعام 2024 باكمله سيصل الى 1.8 %، وهو اعلى من التوقعات السابقة التي قدرت ب 1.6 % وتحول كبير عن التوقعات السابقة بالانكماش بنسبة 2.3 % للعام الحالي.
ولفت التقرير، الذي يتخذ من دبلن مقرا له، إلى أن "بي إم آي" تتوقع ايضا تسارع النمو الى 3.1 % خلال العام 2025، وهو ما يشكل مسارا تصاعديا قويا لاقتصاد العراق، وأن مؤشر "بي إم آي" يقدم توقعات بنو ايجابي للعام 2024، وهو ما يعكس بالدرجة الاولى الانتاج النفطي الاقوى مما كان متوقعا، حيث ان العراق ينتج ما يتجاوز حصته المخصصة من "اوبك". وأشار إلى أن ذلك سيخفف الضغط على النمو الاقتصادي، بالنظر الى ان قطاع النفط يمثل نحو نصف الناتج المحلي الاجمالي العراقي و95 % من الصادرات، و90% من ايرادات الدولة.
وذكّر التقرير، بتصريحات مظهر صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 9 سبتمبر/ايلول، والتي قال خلالها إن العراق "لا يتوقع مشكلات كبيرة في العام 2024، لكننا بحاجة إلى انضباط مالي اكثر صرامة لعام 2025"، مضيفا انه من اجل تعزيز الموارد المالية، فان الحكومة تسعى الى تعزيز الايرادات غير النفطية عبر تحسين جمع الضرائب، اذ تشير التقديرات الى ان العراق يفقد 10 مليارات دولار سنويا بسبب التهرب الضريبي والمشاكل المتعلقة بالجمارك.
وعلى المدى الزمني الاطول، قال التقرير ان التزام العراق بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول العام 2030 سيمثل خطوة حاسمة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي داخل البلد، وذلك بالدرجة الاولى من خلال انجاز الاعتماد على النفس في مجال الغاز، وهو المسعى الذي تسنده واشنطن في محاولتها للحد من واردات العراق من الغاز والكهرباء من إيران، مشيرة في هذا السياق الى زيارة السوداني الولايات المتحدة مرتين خلال هذا العام لابرام صفقات مع شركتي "جي اي فيرنوفا" و"بيكر هيوز" وذلك بهدف انتاج الغاز المحلي.
إلا أن التقرير الأوروبي، رأى أنه ما تزال هناك مخاوف امنية متزايدة في العراق، إذ نقل عن تقديرات "بي إم آي" اشارتها الى ان الحرب المستمرة في غزة وتوترات الشرق الاوسط، لا تزال تشكل مخاطر على النشاط الاقتصادي للعراف، مع تصعيد الجماعات المسلحة، المتمركزة في العراق، نشاطاتها ضد اسرائيل.
وتابع: "عدد من الهجمات الاخيرة على الشركات المرتبطة بالولايات المتحدة في بغداد، والتي من المعتقد ايضا ان الجماعات المسلحة تقف خلفها، تشير الى ارتفاع المخاطر الاجتماعية المحلية التي بامكانها التأثير على معنويات المستهلكين والاستثمار"، لافتا ايضا الى ان هذه التقلبات تساهم في ضعف سعر صرف الدينار العراقي في السوق الموازية، كنتيجة محتملة "لتدهور البيئة الامنية".
وحول تعزيز الامن والسيادة، نبّه التقرير إلى أن دفعة كبيرة حصل علها العراق من خلال الاتفاقيات مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لانهاء العمليات العسكرية بحلول نهاية ايلول/سبتمبر 2025. وذكّر التقرير بما قاله السوداني بانه برغم تقديره لدور الذي لعبته قوات التحالف في العراق، الا ان القوات الامريكية تحولت الى نقطة جذب لعدم الاستقرار، وكثيرا ما يتم استهدافها والرد عليها بضربات لم يتم تنسيقها احيانا كثيرة مع الحكومة العراقية.
ورأى أنه من الواضح ان العراق يتطلع بشكل متزايد نحو الشرق في مسعاه من اجل حقبة جديدة من التنمية الاقتصادية، مع تدخل الصين لتعزيز الاستثمارات التي تشتد الحاجة اليها في العراق، مذكرا بان العراق شهد منذ اكتوبر/تشرين الاول 2019 سلسلة من اتفاقيات "النفط مقابل الاعمار" بين بغداد وبكين، حيث تتولى الصين اعادة بناء البنية التحتية في العراق بعد عقود من الحروب، وذلك في مقابل نقل مئات الالاف من براميل النفط يوميا من العراق إلى الصين.
وزاد التقرير بالإشارة إلى الاتفاقيات الشرقية التي بقيت "على الرف" بعد استقالة رئيس الوزراء وقتها عادل عبد المهدي، إلا ان السوداني احياها مجددا بعد من توليه منصبه في العام 2022، والتي من ابرزها التزام الصين ببناء الف مدرسة في العراق، وهو مشروع يفترض ان يستكمل قبل نهاية العام.
وأخبر التقرير، بأن التجارة بين الصين والعراق وصلت الى 49.7 مليار دولار في العام الماضي، حيث استورد العراق ما قيمته 14.3 مليار دولار من السلع والخدمات الصينية، كما صدر العراق ما قيمته 35.4 مليار دولار الى الصين، وهو نشاط يأتي كجزء من "مبادرة الحزام والطريق" الصينية.
واستعاد التقرير، نقلاً عن السفير الصيني كوي وي، في حزيران الماضي، قوله إن "البلدين حققا تعاوناً مثمراً في مجالات الطاقة والكهرباء والبنية التحتية والاتصالات".
وخلص التقرير الأوروبي، إلى أن الاجتماعات التي عقدت بين الطرفين في تموز/يوليو الماضي، ركزت على خطط ربط "مبادرة الحزام والطريق" مع "طريق التنمية" العراقي الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار، الذي اطلقته بغداد مع تركيا وقطر والامارات لاقامة طرق تجارية جديدة تربط بين البلدين.
وبحسب تصريحات السفير كوي وي فان "بكين تعمل على دفع الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعراق نحو إنجازات جديدة"، في وقت ما يزال فيه القطاع المصرفي بشكل عام يفتقر الى التطور، ويتسم بالضعف وعرضة لمخاطر ويعاني من نقص ثقة المودعين، وفقاً للتقرير.
وختم التقرير بالتذكير في أرقام البنك الدولي بشأن العراق، وتظهر فيه أنه ما يزال يعاني من محدودية انتشار الخدمات المصرفية، حيث لا يملك حوالي 81% من السكان البالغين حسابا بنكيا في العام 2021 - وهو أعلى بكثير من متوسط 60% لجميع دول العالم العربي، لافتاً إلى تقديرات مؤسسة "فيتش" التي تفيد بأن "حوالي 21% من السكان ليس لديهم حساب بنكي لاسباب دينية، وهي من بين اعلى المعدلات على مستوى العالم، وهو ما يوفر آفاق ازدهار للبنوك الاسلامية".