Skip to main content

السيد فائق الشيخ علي.. إقرأ هكذا رجاءً

مقالات السبت 28 كانون أول 2019 الساعة 12:53 مساءً (عدد المشاهدات 3913)

سليم الحسني
كان زمناً أدبياً وثقافياً جميلاً في العراق نشأ في وقت مبكر، واستمر يحافظ على عناصره الجميلة حتى بعد أن جاء البعث الى السلطة. لكن مساحته الظاهرية انحسرت، فيد البعث التشويهية تُفسد الأشياء الجميلة حين تلمسها، مما جعل ذلك الزمن الثقافي الجميل يحتمي بالكتب والذاكرة والذكريات.
من تلك السنوات البعيدة، ظهر الأديب الكبير ورائد القصة العراقية الأستاذ الراحل جعفر الخليلي، مفخرة النجف الأشرف والعراق عموماً، وكان مما كتبه موسوعته الرائعة (هكذا عرفتهم) تناول فيها حياة أشخاص تعرف عليهم وعاش معهم، وقد كان ذلك ـ حسب علمي ـ أول عمل أدبي يؤرخ لمرحلة مهمة بتلك الطريقة الوجدانية في العراق الحديث.
كان جعفر الخليلي يتحدث عن أصدقائه، من أدباء وشعراء ومفكرين وعلماء، يروي تفاصيل دقيقة، ويسهب في ذكر وقائع خفية بأسلوبه الأخاذ، بما في ذلك النقد والسخرية واللاذعة والاستشهاد بابيات شعرية شديدة الهجاء، لكن القارئ يخرج بنتيجة مؤكدة أن الخليلي يكتب ذلك ليعبّر عن حبه للشخص وللحظات الواقعة وللجو الأخوي الذي كان سائداً. ولم يفكر الخليلي لحظة واحدة أن القارئ قد يسيء فهمه، لأنه يعرف ان قرّاءه من المثقفين. ولأنه كتب تحت عنوان كتابه العبارة التالية: (خواطر عن اناس افذاذ عاشوا بعض الاحيان لغيرهم اكثر مما عاشوا لأنفسهم).
تأثرتُ بكتاب الخليلي (هكذا عرفتهم) منذ قرأته قبل ما يقرب من أربعين عاماً. ومع تقادم الزمن كانت تكبر بداخلي رغبة قوية لأن أكتب عن الأشخاص الذين تعرفتُ عليهم وتأثرت بهم وأحببتهم. وقد كتبت في فترات متفرقة عن بعضهم، لكني كنت اتوقف بين فترة وأخرى، وكان آخرها عام ٢٠١٧، حين كتبت سلسلة بعنوان (هؤلاء في حياتي) ذكرت فيها مقدمتها أنهم الأشخاص الذي أحببتهم وتأثرت بهم وأن بعضهم تعرض لغدر الزمان والأصدقاء. وقد أتيت على كتابتها، في مقابل السلسلة النقدية الطويلة التي نشرتها قبل ذلك بعنوان (إسلاميو السلطة) وقد أشرت وقتها بأن (هؤلاء في حياتي) هم الضد النوعي لـ (إسلاميو السلطة) لأنهم لم يسقطوا في السلطة ولم يتلوثوا بالمال الحرام كما فعل الآخرون.
وقد تناولت أكثر من ثلاثين شخصاً، تحدثت عن ذكرياتي معهم، عن مواقفهم البطولية في زمن البعث الظالم، عن انسانيتهم العالية، وعن جوانب جميلة من شخصياتهم وطباعهم، واعتمد بعض ما اعتمده الخليلي أي ذكر النكتة والطريفة في سياقها الأخواني والإنساني.
في الحلقة رقم (٣١) كتبت عدة مقالات عن ذكرياتي مع الأستاذ غالب الشابندر، معتمداً نفس المنهج، وقد لاقت المقالات استحساناً من قبل العديد من الأدباء والمفكرين والمثقفين، وعرضت بعض دور النشر الإسراع بإنجاز السلسلة لطباعتها في كتاب مستقل.
قبل أيام وتحديداً في ٢٧ كانون الأول ٢٠١٩، فوجئت بأن النائب فائق الشيخ علي، وعلى قناة دجلة، يستشهد بمقاطع من المقال، وقد اعتبره وثيقة إدانة ضد الأستاذ الشابندر، وحاول أن يوهم المشاهد بأن المقال كان في مورد التهجم والانتقاص والنقد العنيف.
سؤالي هنا:
هل اطلع السيد فائق الشيخ علي على كتاب مفخرة النجف الأشرف والعراق الراحل (جعفر الخليلي)؟
إذا كان قد اطلع عليه، فارجو أن يعيد قراءته مرة ثانية، لأنه بالتأكيد لم يفهمه في قراءته الأولى وظنّ بأن الخليلي كان يهاجم ويدين بعض أصدقائه، وذلك ظلم للخليلي وتشويه للجانب الأدبي وإساءة للذين ترجم لهم الخليلي.
عندما يتعذر على نائب في البرلمان، فهم نصوص أدبية واضحة، في سياقها السهل المباشر، فان من حق المثقف والمواطن متوسط التعليم أن يشعر بالإحباط على الحال الذي أوصلتنا اليه الطبقة السياسية من نوابها ومسؤوليها.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة