Skip to main content

من صدام إلى داعش.. مقابر تحتضن أكثر من مليون جثة لعراقيين

مجتمع الثلاثاء 04 شباط 2025 الساعة 14:32 مساءً (عدد المشاهدات 94)

سكاي برس/ بغداد

بعد عقود من الصراعات والحروب؛ هناك نحو مليون مفقود في العراق؛ لذا تواجه فرق الطب الشرعي تحديات جمة لتوثيق رفات المتوفين، بينما تنتظر الأسر أملا بإغلاق القضية.

يقول "ضرغام عبد المجيد" انه حينما وصل في حزيران الماضي إلى حفرة بعمق عشرين مترا قرب مدينة تلعفر شمال العراق؛ رأى ظروفا لم يشهدها طيلة عمله 15 عاما بمجال المقابر الجماعية: "لم يكن المكان يشبه المقابر الجماعية الاخرى؛ حيث دُفِنت الرفات تحت الأرض؛ وإنما تراكمت الجثث هنا حتى ارتفاع نحو ثمانية أمتار وبشكلٍ واضح، وعلى درجة جيدة من الحِفظ لشدة جفاف المكان".

لغرض استخراج تلك الرفات من ضحايا داعش؛ اضطر ضرغام وفريقه إلى بناء درجٍ إلى عمق الحفرة، مع توظيف خبير بطرد الزواحف لمنع عضّات الافاعي.

يمضي ضرغام قائلا: "هذا الموقع يختلف عن كافة المواقع الاخرى التي عملتُ فيها؛ من وجهة نظر جهد الفريق والعمق وصعوبة الصعود والنزول، والبقايا البشرية المتراكمة فوق بعضها والحجارة المتساقطة والحشرات، وكتل التراب التي أزحناها للكشف عن الضحايا".

كان التكوين الجيولوجي المُعقّد (المسمى حفرة "علو عنتر") يُستخدم سابقا لجمع المياه، وهو مجرد أحد مسارح الجريمة التي يعمل فيها ضرغام وفريقه مؤخراً.

ضحايا بلا عدد

على مدى أكثر من أربعة عقود، غرق التراب العراقي بدماء مئات الآلاف من الأشخاص مجهولي الهوية المدفونين في مقابر جماعية لا تحمل علامات.

إذ شهد البلد صراعات متعددة بضمنها الحرب الإيرانية العراقية (1980- 1988)، والاقتتال الداخلي (2006– 2008) وسيطرة داعش (2014-2017)، فضلاً عن ضحايا نظام صدام. ولكل تلك الاسباب يسود الاعتقاد أن عدد الاشخاص المفقودين في العراق يفوق ما في أي دولة اخرى؛ وفقا لمنظمة الصليب الاحمر الدولي التي تُقدّر العدد ما بين 250 ألفاً ومليون مفقود.

ومنذ العام 2008 دأبت وزارة الصحة ومؤسسة الشهداء (هيئة حكومية تساعد على تحديد هوية الضحايا وتعويض أقاربهم) على ارسال فرق من علماء الأنثروبولوجيا الشرعية والأطباء عبر البلاد للعثور على المقابر الجماعية وفتحها واستخراج الجثث. هدف تلك الفرق التعرُّف على الجثث بواسطة تحليل الحمض النووي "DNA" وإعادة رفات المتوفين إلى عوائلهم التي تبحث عنهم.

وبينما تم التعرف على نحو مئتي مقبرة جماعية خلال فترة احتلال داعش؛ فان عدد مقابر فترة حكم صدام ما زال غير معروف. كانت البقايا المكدسة بمقبرة "علو عنتر" (وعددها اجمالا نحو مئة جثة) ضحايا لواحدة من جرائم تنظيم داعش العديدة بعد احتلاله أجزاء من شمال العراق، واتخاذه مدينة الموصل (ثاني أكبر مدن العراق) عاصمة له.

تقع مقبرة "علو عنتر" على بعد نحو ستين كيلومترا غرب الموصل، وقد تبنى داعش خلال أشهر كانون الثاني إلى تموز هذا العام أكثر من 150 هجوماً على كل من العراق وسوريا. وبهذا المعدل يكون التنظيم قد ضاعف عدد هجماته التي تبناها سنة 2023؛ فيما يحاول إعادة تنظيم صفوفه بعد سنواتٍ من تناقص قدراته.

شهادة ناجيات

ما زال فريق الطب الشرعي يعمل على تحديد هويات ضحايا "علو عنتر"؛ ولكن بفضل شهادة امرأة أيزيدية نجت من المجزرة وعاشت ثلاث سنوات من عبودية داعش بين العراق وسوريا؛ أصبح ضرغام يعرف بالفعل أن الضحايا هم من عدة مجتمعات.

وعن ذلك يقول ضرغام، في معرض شرحه عن تعقيد موضوع المفقودين في العراق؛ أنه عثر على رفات: "قد تعود لضحايا مجازر سابقة؛ ربما من تسعينيات القرن الماضي أو من فترة القاعدة بعد العام 2003".

تتلقى فرق البحث العراقية الدعم من خبراء الأمم المتحدة؛ الذين ساهموا سابقا بجمع الادلة لإدانة جرائم داعش، إضافة إلى عملهم السابق على توثيق مذابح بلدان أخرى مثل رواندا والبوسنة والارجنتين وكمبوديا.

كما تصل تلك الفرق إلى جميع أنحاء العراق للقاء مع أسر الضحايا، وأخذ عينات من الحمض النووي وغيرها من الأدلة للمطابقة مع الرفات المستخرجة. وكانت عملية جمع الحمض النووي للأسر الإيزيدية (إحدى أقدم الأقليات في العراق) هي المهمة الأكثر تحديا؛ إذ حدث أن قُتل العديد من أفراد الأسرة نفسها، أو غادروا العراق لاجئين للسفر إلى أوروبا أو أماكن بعيدة، مثل أستراليا.

من سنجار شمال العراق (موطن الإيزيديين)، اجتمعت "شيرين إبراهيم أحمد" وأفراد مدينتها خلال آب الماضي عند النصب التذكاري للإبادة الجماعية الإيزيدية (بمنطقة سولاغ المجاورة) لإحياء الذكرى السنوية العاشرة لجرائم تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية.

قُتلت والدة شيرين وجدتها عند نفس المكان حيث أقامت "مبادرة نادية" (المنظمة التي أسستها الإيزيدية "نادية مراد" الحائزة على جائزة نوبل للسلام) النصب التذكاري.

ورغم قيام فريق الطب الشرعي بالتنقيب هناك؛ لم يجرِ التعرف على جثتيهما بعد؛ ولا تزال المرأتان تعتبران مفقودتين. تقول شيرين إنها فقدت أيضا شقيقها وأباها، ولم ينجُ من الحادث سوى شقيقتان تعيشان الآن في دهوك شمال كردستان العراق.

تقول شيرين: "عندما اختطفني داعش، كنت مع أختي واثنتين من بنات عمومتي؛ لكن كلا منهن أخذتها أسرة مختلفة وبقيتُ وحدي. وقد عدت بفضل ابن عمي في العراق؛ إذ اتصل به الداعشي وجاء مُهرّبا ليأخذني.. فباعوني مقابل 10 آلاف دولار".

يتوقع أعضاء فريق المقابر الجماعية العراقي أن يستمر عملهم لسنوات عديدة؛ محاولين الكشف عن ما حدث لكل الأحبة وتقصي دور المسؤولين عن تلك الفظائع؛ قائلين إن لديهم أملاً واحداً: أن تكون المقبرة الجماعية التالية هي الأخيرة..

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة