سكاي برس/ بغداد
أصيب الموسم السياحي في لبنان بـ"شظايا قاتلة" نتيجة التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل، وتبادل التهديدات بين الطرفين، جاء ذلك بعدما نعى الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية، جان بيروتي "الموسم السياحي قبل أن يبدأ".
وفي حديث إذاعي، أشار بيروتي إلى أن الموسم السياحي انتهى مع تسجيل خسائر تفوق 3 مليارات دولار، وانخفاض نسبة إشغال الفنادق إلى ما دون 20%.
وأكد أن "المرحلة تتطلب قراراً اقتصادياً خاصاً، نظراً لاحتمال استمرار الوضع في حرب استنزاف طويلة الأمد".
وقطع العديد من المغتربين اللبنانيين، والسياح الأجانب، إجازاتهم وعادوا إلى بلدانهم، خوفاً من رد محتمل من حزب الله على مقتل القيادي في الحزب، فؤاد شكر، الذي استهدف في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وفي ظل هذه الأوضاع المتوترة، دعت دول عدة رعاياها إلى مغادرة لبنان، فيما تم تعديل وتغيير جدولة الرحلات الجوية لعدد من شركات الطيران الوطنية والعربية والأجنبية المستخدمة لهذا المرفق الحيوي الهام، كما علقت بعض شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى بيروت، مثل مجموعة "لوفتهانزا" الألمانية التي أعلنت اليوم تمديد تعليق رحلاتها حتى 21 آب الجاري.
"يتزايد أعداد اللبنانيين الذين يغادرون البلاد، نتيجة أجواء القلق والخوف من اندلاع حرب شاملة، حيث قلب التصعيد العسكري الأخير جميع التوقعات"، كما يقول نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري، خالد نزهة، مؤكداً أن قطاع المطاعم في لبنان، "يعكس التحديات التي تواجه البلاد".
ويشكل قطاع السهر والمطاعم والملاهي الليلية نقطة جذب متميزة في لبنان، ويشير نزهة إلى أنه "حتى الآن لا تتوفر أرقام دقيقة عن حجم الخسائر التي تكبدها هذا القطاع، إلا أن الاعتماد الأساسي كان على اللبنانيين المغتربين"، موضحاً أن الأولويات الحالية للبنانيين "تنصب على الصحة والتعليم والدواء والتموين، مما يضع قطاع المطاعم في وضع غير طبيعي".
ويواجه قطاع المطاعم في هذه المرحلة "تحديات كبيرة بينها الحفاظ على القوى العاملة ومنع هجرة الموظفين".
وفي هذا السياق يشير نزهة إلى أنه "تم افتتاح أكثر من 50 مطعماً جديداً، استند أصحابها إلى الحركة الايجابية التي تبلورت في العام 2023، والآن تواجه هذه المشروعات تحديات كبيرة في ظل غياب الدعم الحكومي وارتفاع التكاليف التشغيلية".
وفي الأول من تموز، شهدت بيروت إطلاق الحملة الوطنية للسياحة لصيف 2024 تحت عنوان "مشوار رايحين مشوار"، وذلك برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ودعوة من وزير السياحة وليد نصار، في احتفال أقيم في واجهة بيروت البحرية.
وخلال الحفل، ألقى الرئيس ميقاتي كلمة أكد فيها على قوة إرادة اللبنانيين في مواجهة التحديات، مشيراً إلى أنه متفائل بالأيام القادمة وأن الحلول ستأتي رغم الصعوبات، وأضاف "إرادة اللبناني أقوى من أي مشكلة، وهو مصر على الحياة".
كما تطرق ميقاتي إلى التحذيرات الصادرة من بعض الدول لرعاياها بعدم زيارة لبنان، مشدداً على أن من اتخذ هذا القرار قد يرغب في قرارة نفسه بالعودة إلى لبنان، مؤكداً أن العرب والأجانب يحبون لبنان، "ونحن نحبهم".
من جهته، أشار الوزير نصار إلى أن البلاد تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك الوضع الأمني المضطرب في الجنوب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الفراغ الرئاسي الذي يؤثر على عمل المؤسسات الدستورية، مؤكداً على أهمية السياحة كأحد القطاعات الرئيسية التي تدعم الاقتصاد الوطني، ومشيراً إلى دورها في خلق فرص العمل وتعزيز النشاط الاقتصادي.
ولم يعد لبنان، كما يشير الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق خالد أبو شقرا، "بلداً سياحياً بالمعنى التقليدي، حيث بات يستقطب المغتربين بشكل أساسي بدلاً من السياح العرب والخليجيين والأجانب".
ويوضح أبو شقرا، أن "السياح الذين يزورون لبنان هم غالباً من العراقيين لأغراض الاستشفاء، بالإضافة إلى بعض الأردنيين والسوريين الذين يعملون في الخارج ويأتون لقضاء الوقت في لبنان أو الانتقال إلى بلدنهم".
ويشير إلى أن "لبنان فقد عائدات السياحة الكبيرة التي حققها في السنوات الماضية، "إذ بلغت عامي 2010 و2011 نحو 11 مليار دولار، وهو ما يعد آخر فترة حقق فيها لبنان عائدات سياحية مرتفعة"، مؤكداً أن "معظم العائدات التي تُذكر اليوم "مبالغ فيها، كـ 6 مليارات دولار العام الماضي، وتوقع ما يفوق 3 مليارات دولار هذا العام، وذلك لأن العدد الأكبر من الزوار هم من المغتربين، وبالتالي لا ينفقون كما يفعل السياح عادةً".
وهذا الانخفاض في السياحة يمكن ملاحظته، كما يقول أبو شقرا "في تراجع عدد السيارات المؤجرة في لبنان من نحو 25 ألف سيارة إلى حوالي 8 آلاف سيارة، بالإضافة إلى انخفاض نسب الإشغال الفندقي التي لا تتجاوز في أفضل الأحوال 25-30%".
تراجع السياحة في لبنان ليس سببه الاضطرابات الأمنية والمشكلات السياسية، بل يعود أيضاً بحسب الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق إلى "سببين رئيسيين: أولاً، ارتفاع كلفة السفر إلى لبنان نتيجة احتكار شركة طيران الشرق الأوسط، التي تستحوذ على حوالي 40% من حركة الركاب وتفرض أسعاراً مرتفعة.
وثانياً، ارتفاع تكلفة السياحة في لبنان بسبب التكاليف التشغيلية العالية على الفنادق والمؤسسات السياحية، خاصة مع ارتفاع تكاليف الكهرباء والمياه".
كما أن "تدهور البنية التحتية في لبنان من طرقات وكهرباء وأمن وقضاء عادل ومؤسسات عامة"، يعد بحسب أبو شقرا "من العوامل التي تجعل لبنان وجهة غير جذابة للسياح".
وشهد مطار بيروت الدولي خلال شهر يوليو الفائت انخفاضاً بعدد الركاب بنسبة 18.7% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، حين بلغ إجمالي عدد المسافرين 751,034 راكباً.
من بينهم 411,320 وافداً إلى لبنان، مسجلين تراجعاً بنسبة 18.3% مقارنة بيوليو 2023، في حين بلغ عدد المغادرين 339,250 راكباً، بتراجع قدره 19%.
أما الركاب الذين عبروا المطار في طريق الترانزيت، فقد بلغ عددهم 464 راكباً، مسجلين تراجعاً بنسبة 19.8%. كما سجلت الرحلات الجوية التجارية لشركات الطيران الوطنية والعربية والأجنبية التي استخدمت المطار خلال شهر يوليو انخفاضاً بنسبة 13.44% مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث بلغ إجمالي عدد الرحلات 5664 رحلة.
من بينها 2832 رحلة وصول إلى لبنان، بتراجع نسبته 13.42%، ومثلها 2832 رحلة إقلاع من لبنان، مسجلة انخفاضاً بنسبة 13.47%. متطلبات النهوض الأضرار الناتجة عن هذا التراجع الكبير، يشير أبو شقرا، إلى أن "صندوق النقد العربي أكد أن كل زيادة بنسبة 1% في الإيرادات السياحية يمكن أن تزيد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.36%، بالتالي تقدر خسائر لبنان من عوائد السياحة على مدار السنوات الماضية بمليارات الدولارات، مما حرم البلاد من زيادة ناتجها المحلي الإجمالي الذي لا يتجاوز الآن 20 مليار دولار".