Skip to main content

إلى رئيس الوزراء- وزير الصحة ونقابة الأطباء والصيادلة .. “العراقي بين مافيات الطب: حياةٌ على طاولة المزاد وجيوب تُنهب” فهل من مجيب؟!

المقالات الخميس 13 شباط 2025 الساعة 15:27 مساءً (عدد المشاهدات 115)

سكاي برس/ بغداد 

كتب/ مراد الغضبان

أشعر بمرارة شديدة، مرارة لا يمكن للكلمات أن تصفها، لأنني ووالدتي كنا من بين ضحايا هذه الأخطاء الطبية التي لا تزال تحصد الأرواح وتُدمر حياة المرضى دون حساب أو رقيب. أعرف جيدًا ماذا يعني أن تدخل إلى عيادة وأنت تأمل في الشفاء، ثم تخرج محملاً بمرض لم يكن في جسدك من قبل. أعرف كيف يمكن لجرعة دواء أن تقلب حياة إنسان رأسًا على عقب، وكيف يمكن لخطأ في التشخيص أن يزرع الخوف والندم في قلب مريض ظن أنه بين أيدٍ أمينة، فيجد نفسه مُلقى في مصير مجهول.

في العراق، لم يعد الخطأ الطبي مجرد استثناء، بل أصبح واقعًا يوميًا يواجهه المرضى في المستشفيات والعيادات الخاصة. طبيب يخطئ في التشخيص، وآخر يصف علاجًا عشوائيًا، وثالث يفرض فحوصات لا حاجة لها، ورابع يقرر الجراحة قبل التفكير في أي بديل آخر. أما الصيدليات، فكثير منها لم تعد مجرد محال لبيع الدواء، بل أصبحت شركاء في لعبة المال والنفوذ؛ حيث تُلعب الوصفات الطبية لتضمن حصصًا من الأرباح للأطباء أو تُستخلص منها فوائد مالية تصل في بعض الأحيان إلى هدايا سفر وسيارات فاخرة.

وفي ظل هذه الفوضى، لا يجد المريض في العيادة سوى أرقام معدودة تُسجل بسرعة؛ إذ يفحص بعض الأطباء أكثر من 50 حالة يوميًا، مما يحول الكشف الطبي إلى عملية ميكانيكية لا تحتمل أي عمق أو اهتمام إنساني. في كل زيارة، تختلف الوصفات، وكأن كل طبيب يتبع منهجية خاصة به دون اتباع بروتوكولات واضحة أو تشخيص دقيق. وهنا تزداد مشكلة تشخيص الحالة وتحويلها إلى تجارة تفتقد للمسؤولية، حيث تصبح صحة المريض مجرد رقم يُستغل.

أما المستشفيات، فقد تحولت إلى ساحات فوضى يُجبر فيها المرضى على إجراء فحوصات وتحاليل لا علاقة لها بحالتهم، ليس بدافع الحرص على التشخيص الدقيق، بل لأن المختبرات وأجهزة السونار تخضع لنفس إدارة العيادات، فيصبح المريض مصدر دخل إضافي على حساب صحته. وفي كثير من الأحيان، يلجأ الطبيب إلى عمليات جراحية كخيار أولي، بينما في باقي دول العالم يكون التدخل الجراحي هو الخيار الأخير بعد استنفاد كافة سُبل العلاج الأخرى.

ولعل من أسمى معالم هذه المنظومة هو ظهور ما يشبه “الطبيب والنص”، حيث يقوم سكرتير العيادة بدور نصف طبيب، يُكتب التحاليل ويوجه الوصفات دون أية دراسة شاملة للحالة. وإذا لم يجد الطبيب الحل الأمثل، ترد عليه الإجابة الشائعة: “اذهب إلى أربيل، الأجهزة هناك أفضل.” فتتحول رحلة المريض إلى مغامرة بحث عن الأمل خارج حدود وطنه، بعد أن استنزف ماله وصبره داخل البلد.

إن المأساة تتجلى في قصص الضحايا التي لا تُحصى. في عام 2007، أصبتُ بانزلاق غضروفي، لكن طبيبًا في بغداد ارتكب خطأ فادحًا في علاجي، إذ وصف لي 12 إبرة كورتزون بدلًا من 3، مما أدى إلى إصابتي بمرض السكري الذي أعيش معه حتى اليوم. أما والدتي، فقد عاشت مأساة أخرى حين زارت طبيب الضغط في عام 2008؛ فبعد خمس مراجعات متتالية، تم وصف دواء خاطئ للغدة الدرقية، ولم نكتشف ذلك إلا بعد تناولها نحو 50 حبة، مما أدى إلى تضخم بالغدة وخضوعها لجراحة معقدة خارج العراق، تلاها ضعف في السمع والتهاب أعصاب تركها في حالة معاناة دائمة.

وليس هذا فحسب؛ فقد شهدت حالات أخرى مؤلمة: صديقي ظل يتناول علاجًا قويًا للبروستات لمدة سنتين ونصف، وعندما سافر للخارج اكتشف أن التشخيص كان خاطئًا من البداية. وصديق آخر تم تشخيصه بالسرطان وخضع للعلاج الإشعاعي، ليتبين لاحقًا أن مرضه مختلف وكان من الممكن علاجه بطرق بسيطة دون تلك المعاناة والتكاليف الباهظة. وفي زيارة إلى مستشفى الرسول الأعظم في بيروت، قال لي طبيب بصراحة مؤلمة: “نحن هنا نعالج أخطاء أطبائكم قبل أن نعالج مرضاكم.” شاهدت بأم عيني كيف تحول العراقيون إلى زبائن دائمين في المستشفيات اللبنانية، ليس لأن الطب هناك متقدم، بل لأنهم أصبحوا ضحايا لمنظومة صحية فاسدة في وطنهم.

السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه هو: لماذا أصبح العراقيون أكثر الشعوب استهدافًا في العيادات والمستشفيات داخل البلاد وخارجها؟ لماذا تحولوا إلى سلعة تُباع وتُشترى بين أطباء بلا ضمير، وصيدليات تتاجر بصحتهم، ومستشفيات في دول أخرى تستقبلهم بعد أن تُنهكهم أخطاء النظام الصحي في وطنهم؟

ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة صحية، بل كارثة إنسانية وأخلاقية تستدعي وقفة حازمة. بينما يطالب بعض الأطباء بحماية قانونية تضمن لهم مصالحهم، فإننا نطالب بحماية المريض بقانون أقوى يحفظ حقه في الحصول على علاج صحيح وإنساني.

إلى رئيس الوزراء، إلى وزير الصحة، إلى نقابتي الأطباء والصيادلة: متى سيتوقف هذا النزيف المستمر؟ متى ستكون هناك وقفة جادة أمام هذه المجازر الطبية التي تحوّل المريض من باحث عن الشفاء إلى ضحية للإهمال والجشع؟ لقد آن الأوان لوضع حد لهذه الفوضى، لوضع قوانين صارمة تُحاسب كل من يستغل المرضى، وإنهاء استباحة أرواح العراقيين في سوق الطب المنفلت.

“إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ.”

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة