سكاي برس/ بغداد
كتب- مراد الغضبان
في العراق، العفو العام ليس إصلاحًا قانونيًا، بل عملية تجميلٍ منظمة للفساد. لا يكاد يمر برلمان دون أن يلد لنا قانون عفو جديد، وكأن الفساد مجرد زلة قدم، وكأن سرقة المليارات مجرد هفوة يمكن تصحيحها بجرة قلم! في كل مرة، تخرج نفس الوجوه، بنفس الابتسامات، بنفس الامتيازات، وكأنها لم تكن قبل أيام مجرد متهمين أو هاربين. المشكلة ليست في العفو بحد ذاته، بل في القائمة التي تُفصَّل عليه وكأنها طلبية خاصة من متجر سياسي فخم!
خذوا مثلًا هيثم الجبوري، الذي كان حتى وقت قريب نجمًا لامعًا في سماء الفساد، ليصبح الآن بفضل العفو رجلًا نزيهًا يمارس حياته بشكل طبيعي، رغم أن اسمه ارتبط ارتباطًا وثيقًا بملفات تهريب الأموال وغسيلها. ثم لدينا حمدية الجاف، مديرة TBI السابقة، التي اختلست الملايين ثم اختفت، والآن ربما تحجز تذكرتها للعودة إلى الوطن… ليس للمحاسبة، بل للاستثمار في مستقبل أكثر إشراقًا (لها طبعًا، لا للشعب)! هؤلاء وغيرهم خرجوا بفضل العفو، بينما المواطن العادي لا يجد عفوًا عن فاتورة كهرباء لم يستطع دفعها، ولا يجد عفوًا عن مخالفة مرورية، ولا حتى عفوًا عن تأخره في الطابور أمام دائرة حكومية تعاملهم كأنهم مجرمون بالفطرة!
ما الرسالة التي تبعثها الدولة حين تُشرِّع العفو عن اللصوص؟ ماذا نقول لشرطي يقف تحت الشمس، ولجندي يحرس الحدود، وللموظف الذي يتقاضى راتبًا بالكاد يكفيه، عندما يرى أن أكبر الحيتان تُكرَّم بالعفو بدلًا من السجن؟ من الطبيعي إذًا أن تتلاشى الوطنية، أن يفقد الناس الثقة بمؤسسات الدولة، أن يشعر الموظف بأن النزاهة مجرد غباء، وأن يتحول الوطن إلى فندقٍ بائسٍ يبحث الجميع عن أول فرصة للهروب منه!
العفو العام ليس مجرد قرار قانوني، بل إعلان رسمي بأن الفساد في العراق ليس جريمة، بل وجهة نظر… وأن السرقة ليست مشكلة، بل مجرد سوء تفاهم يحله البرلمان! في هذا البلد، ليس المطلوب منك أن تكون نزيهًا، المطلوب فقط أن تسرق بما يكفي ليصبح لك اسم، وحينها ستجد قانونًا مناسبًا يُعيدك إلى المشهد، وربما بمكافأة أيضًا!