بغداد / سكاي برس
خرجت رواية رسمية واضحة من قبل الحكومة السعودية تقول إن القوات السعودية أسقطت صاروخا باليستيا أطلقته جماعة الحوثيين اليمنية المتمردة الشهر الماضي باتجاه العاصمة السعودية الرياض.
وكان ذلك بمثابة انتصار للسعوديين وللولايات المتحدة، التي زودت المملكة بنظام الدفاع الصاروخي «باتريوت».
وقال الرئيس «ترامب» في اليوم التالي من طائرته التابعة لسلاح الجو في طريقه إلى اليابان، إحدى الدول الـ14 التي تستخدم هذا النظام: «لقد ضرب نظامنا الصاروخ من الجو، هكذا نظهر طريقتنا الجيدة، والآن يمكننا بيعه في جميع أنحاء العالم».
ولكن أظهر تحليل لصور ومقاطع فيديو للصاروخ نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أن تلك الرواية قد تكون خاطئة.
وبدلا من ذلك، تظهر الأدلة التي حللها فريق بحثي من خبراء الصواريخ أن الرؤوس الحربية الصاروخية قد حلقت دون أن تعيقها الدفاعات السعودية، وضربت هدفها تقريبا بجوار مطار الرياض.
ويثير بعض المسؤولين الأمريكيين شكوكا حول ما إذا كان السعوديون قد أصابوا الصاروخ، قائلين إنه لا يوجد دليل على ذلك، وبدلا من ذلك، قالوا إن جسم الصاروخ والرأس الحربي قد تفرقا بسبب سرعته وقوته.
وتظهر النتائج أن الحوثيين المدعومين من إيران، وهم مجموعة من المتمردين في اليمن، قد نمت قدراتهم بقوة، بما فيه الكفاية، لضرب أهداف رئيسية في المملكة، الأمر الذي قد يحول ميزان القوى في حربهم المستمرة منذ أعوام.
ويؤكد ذلك الشكوك التي طال أمدها في مجال تكنولوجيا الدفاع الصاروخي، وهي محور استراتيجيات الدفاع الوطني الأمريكية المعززة للحلفاء، ولا سيما ضد إيران وكوريا الشمالية.
وقال «جيفري لويس»، المحلل الذي قاد فريق البحث، وشارك نتائجه مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «تكذب الحكومات بشأن فعالية هذه النظم، أو أنهم قد تم تضليلهم، ويجب أن يقلقنا هذا حتى الموت».
الصاروخ
ويعتقد أن الصاروخ، الذي شوهد في مقطع الفيديو الذي أصدره الحوثيون، من طراز بركان-2، وهو البديل من صاروخ سكود المستخدم في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويقطع نحو 600 ميل.
واتهم المسؤولون السعوديون والأمريكيون إيران بتزويد الحوثيين بتلك الصواريخ، وهي تهمة نفتها طهران، وقال دبلوماسي في مجلس الأمن إن تقريرا أصدرته الأمم المتحدة مؤخرا أوجد دليلا على أن إيران قد صممت وصنعت تلك الصواريخ، وكانت «رويترز» قد نشرت تلك النتائج عن الأمم المتحدة.
وكان «لويس» والمحللون الآخرون، ومعظمهم من معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، بولاية كاليفورنيا، متشككين حول قصة الصاروخ الذي استهدف الرياض.
وقد بالغت الحكومات في فاعلية الدفاعات الصاروخية في الماضي، بما في ذلك ضد صواريخ سكود، وخلال حرب الخليج الأولى، ادعت الولايات المتحدة سجلا شبه كامل في إسقاط بدائل سكود العراقية، لكن التحليلات اللاحقة وجدت أن جميع عمليات الاعتراض قد فشلت تقريبا.
فهل فشلت في الرياض أيضا؟ لقد جاب الباحثون وسائل التواصل الاجتماعي بحثا عن أي شيء نشر في تلك المنطقة والإطار الزمني، للبحث عن أدلة.
الحطام
وفيما أطلق السعوديون دفاعاتهم الصاروخية، بدأ الحطام في السقوط في وسط مدينة الرياض، وفي مقطع فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي استولى على اهتمام كبير من فريق البحث بشكل خاص، وجد أن أجزاء من الصاروخ قد هبطت في موقف للسيارات بجوار مدرسة ابن خلدون.
وتظهر مقاطع فيديو أخرى أجزاء سقطت في بعض المواقع الأخرى في مساحة 500 متر تقريبا على طول طريق سريع.
وقال مسؤولون سعوديون إن الحطام، الذي يبدو أنه ينتمي إلى صاروخ من طراز بركان-2 ، يظهر أن الصاروخ قد تم إسقاطه بنجاح كبير، ولكن تحليل الحطام يظهر أن مكونات الرؤوس الحربية (جزء الصاروخ الذي يحمل المتفجرات) كانت مفقودة.
ورؤية الرؤوس الحربية مفقودة يعد شيئا هاما للمحللين؛ حيث يشير إلى أن الصاروخ قد يكون قد تهرب من الدفاعات السعودية.
ومن المؤكد أن الصاروخ، من أجل قطع مسافة طويلة في رحلة تصل إلى ما يقارب 600 ميل، قد صمم لينفصل إلى قطعتين مرة واحدة بالقرب من الهدف، ويقع الأنبوب الذي يدفع الصاروخ في معظم مساره، بعيدا، وتواصل الرؤوس الحربية الأصغر والأصعب من حيث الاستهداف، طريقها لتحقيق الهدف.
وقد يفسر هذا سبب ظهور الأنبوب الخلفي فقط من بين الحطام في الرياض، ويقترح المحللون أن السعوديين قد فوتوا الصاروخ، أو ضربوا الأنبوب بعد أن انفصل وبدأ يسقط بلا جدوى تجاه الأرض.
وقال بعض المسؤولين الأمريكيين إنه لا يوجد دليل على أن السعوديين قد أصابوا الصاروخ، وبدلا من ذلك، قد يكون الانقسام قد حدث تحت ضغوط الطيران، وما قدمه السعوديون كدليل على اعتراضهم الناجح قد يكون ببساطة أنبوب دفع الصاروخ.
موقع الانفجار
فى حوالي الساعة التاسعة مساء، هز انفجار صاخب المحطة الداخلية في مطار الملك خالد الدولي بالرياض.
وقال رجل في مقطع فيديو التقط بعد لحظات من الانفجار، إن «انفجارا وقع في المطار»، وهرع هو وآخرون إلى النوافذ أثناء تدفق سيارات الطوارئ على المدرج.
وفي مقطع فيديو آخر مأخوذ من المدرج، تظهر سيارات الطوارئ في نهاية المدرج وتظهر وراءها عمود من الدخان، ما يؤكد وقوع الانفجار، ويشير إلى نقطة محتملة للتأثير.
وقال متحدث باسم الحوثيين إن الصاروخ استهدف المطار.
وهناك سبب آخر يدفع المحللين لاعتقاد أن الرؤوس الحربية استطاعت تجاوز الدفاعات الصاروخية، فقد حددوا مواقع بطاريات الباتريوت التي حاولت إصابة الصاروخ، ووجدوا أن الرؤوس الحربية قد تجاوزتها تماما.
وقال مسؤولون سعوديون إن بعض الحطام من الصاروخ الذي تم اعتراضه قد هبطت في المطار، ولكن من الصعب أن نتصور كيف يمكن لقطعة واحدة عشوائية أن تطير لمسافة 12 ميلا وراء بقية الحطام، أو لماذا قد تحدث مثل هذا الانفجار والدخان.
كما تظهر صور الاستجابة الطارئة وعمود الدخان معلومات عن طبيعة التأثير.
وتظهر صورة عمودية مأخوذة من موقع مختلف للمدرج إلى أن الانفجار لم يكن بسبب قطعة متناثرة من الحطام أو حادث غير ذي صلة.
فمن خلال تحديد المباني في الصور والفيديو، تمكن فريق «لويس» من تحديد المواقع التي تم التقاط الصور منها، وكشف عن الموقع الدقيق لأعمدة الدخان، وتقع على بضع مئات من الياردات من المدرج 33 آر، وعلى بعد كيلومتر واحد من محطة محلية مزدحمة.
وقال المحللون إن الانفجار كان صغيرا، وإن صور القمر الصناعى للمطار التى تم التقاطها مباشرة قبل الانفجار وبعده ليست مفصلة بما فيه الكفاية لتحديد اتساع الحفرة الناجمة عن الانفجار.
ولكنها تظهر أن الرؤوس الحربية انفجرت قبالة المدرج.
وقال «لويس» إنه في حين قد لا يكون الحوثيون قد أصابوا هدفهم بدقة، لكنهم كانوا قريبين بما يكفي لإظهار أن صواريخهم يمكنها الوصول إلى أهدافها، ويمكنها الهرب من الدفاعات السعودية، وأضاف أن «الكيلومتر الواحد معدل انحراف طبيعي جدا لصاروخ سكود».
وأعربت «لورا غريغو»، خبيرة الصواريخ في اتحاد العلماء المهتمين، عن انزعاجها من أن بطاريات الدفاع السعودية قد تم إطلاقها 5 مرات على الصاروخ القادم.
وقالت: «تصور أن تطلق باتجاه الصاروخ 5 مرات ولا تصيبه، إنه أمر مثير للصدمة»، وأضافت: «إنه أمر مروع، لأن هذا النظام كان من المفترض أن يعمل».