بغداد / سكاي برس
يبدو أن رجل الأعمال السعودي الملياردير الأمير «الوليد بن طلال»، المعتقل منذ شهرين تقريبا في قفصه المذهب في فندق ريتز كارلتون الفاخر في الرياض، قد يصبح تحديا وعقبة أمام مصداقية حملة التطهير التي يقودها ولي العهد «محمد بن سلمان» - نذ أكثر من شهرين- في صفوف أفراد الأسرة الحاكمة وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، وادعاءاته بأنها حملة ضد الفساد.
وقد اشترى العديد من المحتجزين في عملية تطهير «بن سلمان» حريتهم بالموافقة على دفع مبالغ ضخمة في صورة تسويات، في حين قالت الحكومة إنها تأمل في استرداد ما يصل إلى 100 مليار دولار تزعم أنها عبارة عن أموال وأصول غير مشروعة.
وكان الأمير «متعب بن عبدالله» -نجل الملك الراحل عبدالله - الذي أطيح به من قيادة الحرس الوطني في محاولة لتحييد أقوى منافسي ولي العهد السعودي، قد تم الإفراج عنه بعد موافقته على دفع مليار دولار، وتوقيع وثيقة اعترف فيها بتهمة الفساد.
ووفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال»، تم الضغط على «الوليد بن طلال» من قبل الحكومة لدفع 6 مليارات دولار كتسوية، ولكنه يقاوم حتى الآن.
وبدلا من ذلك، أفادت التقارير أن «بن طلال» قد عرض على الحكومة حصة كبيرة في شركته المملكة القابضة المدرجة في الرياض والتي تدير أصولا ضخمة مثل استثماراته في سيتي بنك وموقع تويتر وفنادق فور سيزونز ومدينة ديزني، فضلا عن إمبراطوريته الإعلامية والترفيهية.
وكانت شركة المملكة القابضة قد فقدت 14% من قيمتها السوقية البالغة 8.7 مليارات دولار منذ اعتقال الأمير «الوليد»، كما أصر «بن طلال» على أن يحتفظ بمكانة قيادية في الكتلة.
ويعتقد الأمير «الوليد» أن الثروات التي طالبت بها الحكومة ستضع امبراطوريته في خطر، وتجعله معترفا بهذا بالذنب، حيث يملك ثروة تقدرها شركة فوربس بمبلغ 16.8 مليارات دولار.
وقد يكون ذلك بالفعل الغرض من هذه العملية، وكان «بن طلال» -الذي دعم «بن سلمان» في خطواته الإصلاحية ومنها السماح للمرأة بالقيادة- أبرز رواد الأعمال في المملكة، وهو ضيف دائم في جميع أنحاء العالم في مكاتب رؤساء الدول والحكومات والأعمال التجارية.
و«الوليد» هو ابن الأمير «طلال بن عبدالعزيز» -الأمير الليبرالي الملقب بالأمير «الأحمر»- الذي انتقد علنا حكم عائلته في الستينات وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن يعتقد أن الأمير «الوليد» ليس لديه طموحات سياسية.
وفي مواجهة مطالب «بن سلمان»، يجعل «الوليد» عملية الاتهام والتحقيق تبدو تعسفية، فعلى الرغم من تأكيدات الحكومة بأنها أجرت تحقيقات واسعة النطاق وجمعت أدلة جوهرية على الفساد والرشوة وغسل الأموال والابتزاز، فإنها لا يمكن إثباتها -إن وجدت- ولم تقدم الحكومة أي دليل علنا.
معركة قانونية؟
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» -عن مصادر مقربة من الأمير الوليد- قولها إن رجل الأعمال كان يطالب بإجراء تحقيقات سليمة، وأعلن استعداده الوقوف أمام المحكمة، وأضافت المصادر: «إنه يريد تحقيقا سليما؛ ومن المتوقع أن يتم منح الوليد مهلة».
ومن شأن معركة المحكمة أن تضع تأكيدات الحكومة على اتباع الإجراءات القانونية الواجبة على المحك، وأن تسلط الضوء على سلامة النظام القضائي السعودي، ويكمن الخطر الذي تنطوي عليه المعركة القانونية في أن التهم الموجهة ضد «بن طلال» والآخرين كانت ممارسات شائعة في المملكة، ولم تكن هناك قواعد محددة جيدا تنظم العلاقات بين أفراد الأسرة الحاكمة والحكومة، فضلا عن العلاقات بين الأمراء والأميرات الذين يمارسون النفوذ ورجال الأعمال.
وما من شك في أن حملة التطهير التي قادها «بن سلمان» قد لاقت رواجا بين شرائح كبيرة من السكان، ونصفهم مصنف كعوائل منخفضة الدخل أو متوسطة الدخل، والذين استاؤوا -منذ فترة طويلة- من امتيازات النخبة.
وقد تم حماية «بن سلمان» -حتى الآن- من الأسئلة المتعلقة بمصدر ثروته وتلك المتعلقة بثروة الأسرة الحاكمة، وكان العديد من أقارب ولي العهد قد تم التعرف إليهم في «وثائق بنما» التي تم تسريبها من ملفات مكتب محاماة في أمريكا الوسطى العام الماضي، من خلال تعاملات مع شركات تجارية في إطار غير مشروع.
وقد أشارت تقارير وسائل الإعلام منذ ذلك الحين إلى أن ولي العهد قد أنفق في الأعوام الأخيرة 1.25 مليار دولار، على يخت بقيمة 500 مليون دولار، وقصر بقيمة 300 مليون دولار في فرنسا، و450 مليون دولار على لوحة لـ«ليوناردو دا فينشي»، بينما نفى «بن سلمان» شراء العمل الفني الذي تم الحصول عليه من قبل أحد المقربين منه، وزعم أن الشراء كان نيابة عن دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي.
ويأتي تسليط الأضواء على حملة مكافحة الفساد والمعركة القانونية مع «بن طلال» في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بإعادة صياغة العقد الاجتماعي للمملكة من جانب واحد.
ودفعت الحكومة هذا الأسبوع 533 مليون دولار إلى صندوق رعاية اجتماعية أنشئ حديثا لمساعدة الأسر على تعويض تكلفة الإقدام الوشيك على فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على السلع، بما في ذلك الغذاء والخدمات، فضلا عن تخفيضات الدعم التي من شأنها أن تزيد بشكل كبير سعر الكهرباء والبنزين.
وقد أجبرت الحكومة في وقت سابق من هذا العام على عكس مسار تجميد العلاوات ومزايا الأجور في القطاع العام، وأبطأت برنامج التقشف، وذلك بسبب الغضب والإحباط العام الذي ظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال وزير العمل والتنمية الاجتماعية «علي الغفيص» لوكالة الأنباء السعودية التي تديرها الدولة إن ما يقارب 3 ملايين أسرة أو 10.6 ملايين مستفيد قد حصلوا حتى الآن على دعم بقيمة 938 ريال سعودي (250 دولارا) من الصندوق الجديد.
وعلاوة على ذلك، أعلنت الحكومة -هذا الشهر- عن حزمة تحفيزية بقيمة 19 مليار دولار، تتضمن قروض مدعومة لمشتري المنازل والمطورين، وإعفاءات من الرسوم للشركات الصغيرة، والدعم المالي للشركات المتعثرة، كما تضمنت الميزانية الجديدة إنفاقا قياسيا يتخطى فيه تمويل الدفاع نسبة التعليم، في بلد يبلغ معدل البطالة فيه 12.7%، وتوقع تقرير بنك «أوف أميركا ميريل لينش» العام الماضي أن يقفز معدل البطالة بين الشباب من 33.5% إلى 42% بحلول عام 2030.
مراهنة على النسيان
ويعتمد «بن سلمان» على دعم الجمهور المستمر لإصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية، ويرى أن المستثمرين الأجانب سينسون مع الوقت كل الشكوك التي قد تكون لديهم حول عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة وغياب سيادة القانون في حملات مكافحة الإرهاب والفساد، وأشار دبلوماسيون أجانب في المملكة إلى أن أعمال المحتجزين أو المعاقبين استمرت في العمل، وأنه لم يتم شمل أي مصالح أجنبية في عملية التطهير.
ومع ذلك، من أجل الحفاظ على شعبيته، سيتعين على ولي العهد إدارة التوقعات، وتوفير فرص العمل، والاستمرار في تخفيف ألم التقشف، وإدخال عقد اجتماعي جديد، وضمان أن يبقى الجمهور ينظر إلى حملته التطهيرية على أنها حملة لمكافحة الفساد، الذي لم يعد مرتفعا وقويا فوق القانون.
لكن قد تتسبب المعركة القانونية العلنية مع الأمير «الوليد» في الإخلال بهذه الأهداف، وقد يستفيد «بن طلال» من هذه المخاوف لدى «بن سلمان» وهو يتفاوض على التسوية للخروج من ريتز كارلتون.