بقلم/ سليم الحسني
من النجف الأشرف، من قلعة الامام الشهيد محمد باقر الصدر، تخرج السيد محمود الهاشمي، فقيهاً متألقاً يضيف للتراث العلمي الشيعي رصيداً معتبراً لقوة الحوزة النجفية وعمقها البحثي.
كان الأقرب الى الشهيد الصدر، والأكثر نشاطاً في مجال البحث والتدريس، فكان المكمل لمسار مدرسة استاذه الأصولية.
لتميزه العلمي، أُنيطت به مسؤوليات كبيرة في إيران، رغم حساسية الأجواء الإيرانية في التعامل على هذا المستوى مع الشخصيات المصنفة عراقياً في الولادة والاهتمام.
لم يزاحم السيد محمود الهاشمي مراجع الدين على مرجعياتهم، فقد أنصرف الى جانب مسؤولياته الرسمية، الى التدريس. ولو أنه خاض سباق المرجعيات لأتعب معظم الأسماء المتداولة وأرهقها، بحكم الفارق العلمي بينه وبينهم.
بعد سقوط النظام بسنوات عاد الى العراق في زيارة قصيرة، وجد فيها مدينته القديمة التي تفتخر بأبنائها العلماء، قد تغيرت طباعها، فهناك نزعة لعزلها عن العالم، وتوجه لإبعاد الحركية عنها، وكان ذلك يمسه بالدرجة الأولى فهو نتاج مدرسة الامام الصدر التي تمثل الخط الحركي في الحوزة العلمية.
لم يخطر على بال السيد محمود الهاشمي أنه سيلقى هذا التحسس، ولم يتوقع أن النجف الأشرف قد أحيطت بسور حصين يريد لها الغوص في التقليدية المفرطة، والابتعاد عن قضايا الفكر الحركي وعن شؤون الأمة السياسية إلا بمقدار ما يشتهي أصحاب الشأن من إبعاد شخص وتقريب آخر.
لم يخطر ببال السيد محمود الهاشمي، أن النجف الجديدة قد ذبحت مشروع المرجعية الصالحة للشهيد الصدر، عندما استهدفت الراحل الكبير السيد محمد حسين فضل الله، لأنه أراد إعادة مشروع الشهيد الصدر الى الحياة، فعاجلته بسهام التشكيك والافتراء والخرافة، وكانت تسديدة رامٍ ماهر لا يخطئ هدفه.
حوصر مكتب السيد محمود الهاشمي، وتم إعلان المقاطعة عليه، كما صدرت تعليمات البارعين بمنع طلبة الحوزة من أخذ المساعدات المالية والعينية منه. ومَن يقوى على مخالفة أمر البارعين.
عاد السيد محمود الهاشمي الى إيران، يمارس مهماته الرسمية، ويثري البحث العلمي بدروسه العالية، يغذي حوزة قم بالفكر الفقهي والاصولي لحوزة النجف، على منهج أستاذ الامام الصدر.
زار النجف الأشرف قبل ما يقرب من عام، كانت زيارة مودّع، وقد وجد فيها التحسس نفسه، ولم يكن في حقيقته تحسس منه، بقدر ما هو تحسس من خطه المنتمي الى مدرسة الشهيد محمد باقر الصدر.
في وصيته، اختار مدينة قم مثوى له، لم يرد أن يُدفن في مدينته العظيمة النجف الأشرف، وكأنه خاف على نعشه من سهام البارعين.