سليم الحسني
في آذار من عام ١٩٥٤، بعثت جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأميركية، دعوة الى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، لحضور مؤتمر للحوار الديني في مدينة (بحمدون) اللبنانية حول القيم الروحية والمُثل العليا في الإسلام والمسيحية.
رفض الشيخ كاشف الغطاء حضور المؤتمر وبعث جوابه مكتوباً في رسالة طويلة طُبعت في كتيب بعنوان (المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون). وقد كان جوابه صريحاً واضحاً مباشراً، حيث كشف للجانب الأميركي أن الغرض من هذا المؤتمر ليس حواراً دينياً إنما هو محاولة من محاولات الولايات المتحدة لخدمة مصالحها في حربها مع المعسكر الشرقي، وأنها تريد توظيف الإسلام كأداة في مواجهة الشيوعية.
وتحدث الشيخ كاشف الغطاء عن جرائم أميركا واشعالها الأزمات في إيران والعراق وسوريا ولبنان وباكستان وشرق آسيا. كما كرر في جوابه مواقف أمريكا وبريطانيا والغرب المتبني لإسرائيل في مقابل تشريد الفلسطينيين وسلب أراضيهم وارتكاب المجازر بحقهم.
وتحدث رحمه الله في رسالته أن الحوار حول المثل والقيم الروحية والإنسانية يجب أن يكون من جهات تحترمها بالفعل والعمل والموقف، وإذا لم تكن كذلك فهي محاولات مخادعة كاذبة، وتندرج ضمن سياق تضليل الشعوب لتمرير المزيد من المخططات العدوانية.
كانت قراءة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء واعية للمشروع الأميركي، فتصدى لها بقوة ووضوح، وكشف أبعادها ومخاطرها على حاضر المسلمين ومستقبلهم.
لكن الجهد الأميركي ظل مستمراً في استخدام هذا العنوان الجميل لإخفاء بشاعة ما تقوم به.
إن حوار الأديان عنوان عريض يتسع للتغطية على الكثير من مخططات استهداف العالم الإسلامي، خصوصاً عندما يكون طرفه الحكومة الأميركية، فهنا لا يكون للحوار الديني المعنى الصحيح، إنما يأتي العامل السياسي ليكون هو المحور.
في كانون الأول عام ٢٠٠٩ دعا الملك السعودي عبد الله الى حوار الأديان على هامش اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك، وتم عقد مؤتمر هناك حضرته وزيرة الخارجية الإسرائيلية (تسيبي ليفني) التي استغلت عنوان حوار الأديان لتطلق شعارها بضرورة القضاء على الحركات الأصولية في لبنان وكان المقصود حزب الله طبعا.
وفي أيلول من عام ٢٠١٧ تبنى ملك البحرين مبادرة حوار الأديان في أمريكا، وقد اسفرت المبادرة عن الشروع بإقامة علاقات مع إسرائيل، فقد كان ممثلو الديانة المسيحية من مركز (سيمون وايزنتال) وهو مركز صهيوني يعمل على خلق ما يسميه بالوعي العالمي لقضية اسرائيل.
يجب أن نتذكر مقولة وزير الدفاع الأميركي قبل أيام من سقوط بغداد: (إن حربنا هي حرب أفكار وسننتصر فيها).
وكان من ضمن أهداف هذه الحرب، محاولة فرض الإسلام الأميركي، تحت عنوان الإسلام المدني والدولة المدنية.
من المؤلم جداً أن نرى ان هذه الحرب الفكرية العقائدية تجري في النجف الأشرف، ومن المحزن أن نشاهد استغلال اسم المرجع الكبير السيد الخوئي للتغطية على مشروع حوار الأديان الذي يشرف عليه حفيده السيد جواد الخوئي، وقد حوله الى منطقة نشاط مشبوه مع أجهزة مخابراتية، وتنسيق وثيق مع الأجهزة الأميركية ضمن مساعي فرض الإسلام المدني. وقد يكون هذا المشروع الى جانب مواقف الخارجية العراقية مقدمة للتطبيع مع إسرائيل. وليس هذا بالأمر المستبعد، فلقد سمع المواطن العراقي وصول عدة وفود يهودية الى العتبات المقدسة تحت عناوين ونشاطات مختلفة، إنها الملامح الأولى لتحول خطير يستهدف هوية النجف الأشرف ومنزلتها الفكرية والعقائدية والتاريخية، فهذه القلعة الشامخة وضعتها الأجهزة الأميركية في دائرة الهدف، وسعت لتقويض أصالتها وحرف مسارها الذي حفظ التشيع والإسلام على مدى الحقب التاريخية المختلفة.
أكرر المقترح الذي يدعو الى ضرورة أن يبادر علماء ومفكرو وشخصيات الشيعة الى لقاء مباشر مع المرجع الأعلى السيد السيستاني، لوضع الحقيقة بين يديه، فهي محجوبة عنه، ولو وصلته فأننا سنشهد انتفاضته المدوية ضد الهجمة الناعمة التي وصلت جدار بيته.