Skip to main content

نفوذ العشائر في العراق.. قوة موازية تهدد هيبة الدولة

تقاريـر الأحد 09 شباط 2025 الساعة 16:32 مساءً (عدد المشاهدات 179)

سكاي برس / بغداد 

تشكل النزاعات العشائرية في العراق تهديداً خطيراً لبنية المجتمع، حيث تستمر منذ سنوات طويلة دون حلول جذرية تضع حداً لهذه الظاهرة، وباتت ساحات الصراعات القبلية بديلاً عن قاعات المحاكم، مما ينذر بمخاطر كبيرة على استقرار المجتمع، إذ يعود تصاعد هذه الظاهرة واستمرارها إلى لجوء الأفراد إلى العشيرة كبديل لتسوية خلافاتهم، نتيجة ضعف تطبيق القانون وانتشار الفساد.

وفي سابقة خطيرة تعكس تعقيد ملف النزاعات العشائرية، اضطرت عشائر أربعة من منتسبي قوات الرد السريع العراقية، في يناير من العام الجاري، إلى دفع مبلغ 100 مليون دينار عراقي (حوالي 68 ألف دولار)،

"كـ دية عشائرية" لقبيلة البو بدر في محافظة واسط جنوبي العراق. إذ عُقدت "الجلسة العشائرية" في منزل رئيس القبيلة النائب في البرلمان العراقي، أحمد البدري، بحضور قائد فرقة الرد السريع، على خلفية مقتل أحد أبنائها، حسبما افاد مصدر من أبناء القبيلة.

وجاءت هذه الواقعة إثر تظاهرة نظمها عدد من الفلاحين احتجاجاً على خلاف حول مياه نهر الرحمة بأحد أقضية محافظة واسط، مما دفع قوات الرد السريع إلى التدخل لتفريق التظاهرة، وقد أدى ذلك إلى مقتل أحد المتظاهرين، واتُهم أربعة من منتسبيها بذلك، ما يبرز تجاوز القانون واللجوء إلى الأعراف العشائرية لحل النزاع.

القبيلة.. حينما تمسي أقوى من القانون

المراقب السياسي، مضر الحسن، أكد أن الإرادة السياسية باعتبارها إرادة فاعلة للدولة، هي إرادة شكلية وليست حقيقية في العراق، وبالتالي فإن غياب هذه الإرادة يعوق جهود تحجيم سطوة العشائر وحصر السلاح بيد الدولة، مما يؤدي إلى ضعف سيادة القانون ويعزز من هيمنة العشائر. ويرى الحسن أن الالتزام بالعُرف العشائري يتفوق على الالتزام بالقانون في المجتمع العراقي، لاسيما في القضايا الأمنية والاجتماعية، ويستند هذا العرف إلى قوة العشائر ونفوذها في الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية، حيث تفرض الإرادة القبلية تأثيرها على القرارات الحكومية، كما أن بعض مؤسسات الدولة تحتكر لصالح أبناء العشائر، مما يؤدي إلى تجاوزات على القانون.

ويضيف أن ما تقدم يسهم بشكل فعلي في تنامي قوة العشيرة وسطوتها، بل إن الأمر النزاعات العشائرية حيزاً كبيراً تدفع أحياناً لإعاقة عمليات تطبيق القانون خشية ملاحقات تطال المعنيين بتنفيذ أوامر القبض بحق المطلوبين.

ويشير الحسن إلى أن بعض العشائر أصبحت مركزاً لنمو اقتصاديات كبيرة بفضل النفوذ الذي تتمتع به، مما يعكس نظاماً يشبه بل يتفوق على النظام الإقطاعي الذي كان سائدًا قبل الخمسينيات.

ويؤكد أن الدولة العراقية غير قادرة على الحد من نفوذ العشائر، سيما وأن الحكومات التي تشكلها الأحزاب السياسية المرحلية تعتمد على هذه العشائر في تنفيذ أجنداتها، مما يجعلها جزءاً من منظومة الفساد كما يرى المراقب السياسي.

فضلاً عن ذلك، فإن هذه الأحزاب تعتمد بشكل كبير على العشائر في الانتخابات، مما يعزز من قوتها السياسية، كما أن الدولة غير قادرة على حصر السلاح بيدها بشكل شفاف وعملي، نظراً لأن قوة العشيرة تستند على السلاح في الحفاظ على نفوذها.

قوة موازية تهدد هيبة الدولة

يرى الخبير القانوني، وائل منذر، أن النزاعات العشائرية تمثل تهديداً خطيراً للأمن في العراق، حيث تتسبب في إضعاف هيبة الدولة وتؤدي إلى إرباكها في السيطرة على مناطق واسعة، سيما في وسط وجنوب البلاد، إذ تمتلك بعض العشائر قوة عسكرية، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة التي استحوذت عليها بعد سقوط نظام 2003، مما يمنحها قدرة على تحدي السلطة وعرقلة تنفيذ القانون.

ويوضح أنه رغم إنشاء مديرية لشؤون العشائر في وزارة الداخلية، ولجان خاصة في رئاسة مجلس الوزراء ولجنة العشائر في مجلس النواب لكن هذه الإجراءات لم تسهم بشكل فعّال في جعل العشائر طرفاً داعماً لتطبيق وإنفاذ القانون.

ويشير إلى أن الممارسات التي تقوم بها العشائر، مثل ما يُعرف بـ"الدكة العشائرية"، تندرج قانونًا تحت نطاق جرائم التهديد، فقد نظم قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، في المادة 430، الأحكام القانونية الخاصة بجرائم التهديد، التي تصل عقوبتها إلى السجن لمدة لا تتجاوز 7 سنوات لكن مجلس القضاء الأعلى اعتمد منذ 5 سنوات آلية خاصة، حيث اعتبر التهديد المسلح الذي تنفذه العشائر مشمولاً بأحكام قانون الإرهاب.

ويضيف الخبير القانوني أن التهديد المسلح من قبل العشائر يندرج ضمن أحكام المادة 2 من قانون الإرهاب لعام 2005، مما يعرض مرتكبي هذه الأفعال لعقوبات شديدة قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، وفي الحالات المخففة تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات، إذ يُعد إطلاق العيارات النارية على منازل الأفراد تهديداً مباشراً وإلقاء للرعب بين المواطنين، وأسهم تشديد العقوبات في انخفاض نسبة "الدكة العشائرية" بشكل ملحوظ، وفقاً للخبير.

ويبيّن أن اللجوء المتزايد من الأفراد إلى العشيرة لحل خلافاتهم، يعود إلى طبيعة التركيبة الاجتماعية العشائرية في مناطق معينة، بالإضافة إلى قلة الوعي وضعف إجراءات التقاضي وبطئها، لذا يفضل الأفراد اللجوء إلى العشيرة باعتبارها حلاً سريعاً لحسم النزاعات، كما أنها تحقق نتائج ملموسة أكثر ما يحققه لهم القانون.

ويعتقد منذر أن الحد من ظاهرة النزاعات العشائرية يتطلب حلولاً تأخذ عدة جوانب، من أبرزها تطبيق العقوبات المشددة على كل من يقدم على أفعال الدكة العشائرية.

كما يرى ضرورة إعادة صياغة المناهج الدراسية لتوضيح أن العشائر هي جزء تابع للدولة وليس موازياً لها، مع ترسيخ هذه الفكرة وتوعية المجتمع بها، ومحاربة الفساد واختيار ضباط أكفاء لتسريع إجراءات التقاضي بين الأفراد، يرافقها توفير الحماية القانونية لرجال إنفاذ القانون.

"محاربة الفوضى بالقانون"

أكد مساعد وزير الداخلية لشؤون العشائر، اللواء ناصر النوري، في تصريح خاص ، أن وزارة الداخلية العراقية تولي اهتماماً كبيراً في ملف النزاعات العشائرية وتبذل جهوداً حقيقية للحد من هذه الظاهرة التي تهدد السلم الأهلي وأضاف أن الوزارة نجحت بهذا وتمكنت من خفض نسبة النزاعات في المجتمع العراقي إلى نحو 90 بالمئة.

وأشار النوري إلى أن هناك إجراءات استباقية تواصل الوزارة العمل عليها للحد من ظاهرة النزاعات العشائرية، من بينها، تفعيل قانون السلم المجتمعي الذي يتضمن تصحيح مسار العرف العشائري وتهذيب التقاليد القبلية، وأيضاً اعتماد الأعراف العشائرية الأصيلة بعيداً عن السلوكيات العشائرية غير السوية.

بالإضافة إلى توحيد ما يُعرف بالثانية العشائرية بعموم البلاد، هذه الإجراءات سيتم إقرارها قريباً في لجنة العشائر النيابية، مع التأكيد على أن كل ما يخالف هذه القواعد سيتعرض للمسائلة القانونية، سيما وأن تجدد النزاعات العشائرية، أرجعه النوري إلى المغالاة في الفصول العشائرية، ما يؤدي إلى صعوبة تسديدها ويخلق فوضى تسهم في استمرار النزاعات وتطورها.

كما أن رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية تبنت حصر السلاح المنفلت كجزء من التحوطات الاستباقية إذ تواصل الوزارة عمليات مصادرة الأسلحة، وتم إيداع أعداد كبيرة من هذه الأسلحة في المديرية العامة للبنى التحتية التابعة للوزارة، مع استمرار العمل في هذا الإطار. وفيما يخص تجارة المخدرات، شدد النوري على أنها تعد أحد مسببات الصراعات العشائرية، حيث تدر أرباحاً طائلة، لذلك،

وجه وزير الداخلية بتطويق هذه التجارة بجهود عالية، كما تم تفعيل لجنة فض النزاعات وتم تشكيل في كل قسم من أقسام عشائر المحافظات، لجان هيئة الرأي لتدارك تطور النزاعات والعمل على فضها بالتعاون مع شيوخ العشائر قبل الوصول إلى ما يُعرف بـ "الدكة العشائرية".

وبيّن أن أكثر المناطق التي تشهد صراعات قبلية، وفق دراسة أعدت، هي شمالي البصرة وأطرافها الغربية، بالإضافة إلى عدد من أقضية محافظة ميسان وأطراف العاصمة بغداد، فضلاً عن محافظة ذي قار.

وأكد أن الوزارة وعبر هذه الإجراءات، من أهمها لجان هيئة الرأي في المحافظات، تمكنت من حسم أكثر من 6400 نزاع عشائري، منذ عام 2020 وحتى الأن ، قبل أن يصل إلى الاشتباك المسلح أو الدكة العشائرية، وفي عام 2024، وقع 100 نزاع عشائري وتم فض معظمها عبر تدخل الوزارة بشكل مباشر.

وأشار إلى أن دائرة شؤون العشائر في وزارة الداخلية مستمرة في عقد المؤتمرات العشائرية الأمنية في جميع مضايف محافظات البلاد بحضور قادة الأجهزة الأمنية في كل محافظة.

وتهدف هذه المؤتمرات إلى التثقيف بمخاطر هذه النزاعات وترجمة القانون على أرض الواقع ومنع حدوث هذه الصراعات، ولفت إلى منح صلاحيات للمحافظين باعتبارهم رؤساء اللجان الأمنية في المحافظات لتطبيق أشد العقوبات على كل من يخالف القانون، بما في ذلك معاقبة كل من يعتدي أو يفرض على موظفي الدولة، خاصة المنتسبين الأمنيين، الفصل العشائري.

وأوضح النوري، أن القوات الأمنية تتابع ميدانياً أي نزاع عشائري وتتدخل على الفور لمنع تطوره، حيث أُعتقل في الآونة الأخيرة 4 من شيوخ العشائر لفرضهم دية عشائرية على ضباط ومنتسبين.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة