بغداد / متابعة سكاي برس
بعد انهِيار جميع مُخطّطاته في تغيير النّظام في فنزويلا عبر انقلابٍ عسكريٍّ، وفشَل حَصاره في تركيع رئيسها المُنتَخب نيكولاس مادورو، بدَأ الرئيس دونالد ترامب في خوض حرب أخرى ضِد المُهاجرين غير القانونيين في بلاده ومُعظمهم من دول أمريكا الجنوبيّة، ووقف المُساعدات الماليّة عن الدّول التي يأتون منها إذا لم تُقدِم على خطوات تحول دون تَدفّقهم، وخاصّةً السّلفادور وهندوراس وغواتيمالا.
هذه الإجراءات التي لم يُقدِم عليها أيّ من الرؤساء الأمريكيين في السّابق، تأتي في إطار كسب الرئيس ترامب مُواطنيه البيض ذَوي النّزعة العُنصريّة خاصّةً، في مُحاولةٍ يائسةٍ لزيادة شعبيّته المُتراجعة مع قُرب بِدء حملات الانتخابات الرئاسيّة في تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبل، خاصّةً أنّ استطلاعات الرّأي تُظهِر تقدّمًا للمُرشّح الديمقراطي جون بايدن الذي أعلن عزمه خوضها مُمَثِّلًا لحزبه.
جميع الإدارات الأمريكيّة السابقة كانت تتسامَح مع اللّاجئين غير الشرعيين، وتُقدِم بين الحين والآخر على إصدار عفو عام عنهم، يُشرّع وجودهم، ويُعطيهم فُرص البَقاء والاندماج في المُجتمع الأمريكي، وحطّمت إدارة الرئيس باراك أوباما أرقامًا قياسيّةً في هذا الإطار عندما جنّست حواليّ 11 مِليون من هؤلاء كانوا يتواجدون بطريقةٍ غير شرعيّةٍ في البِلاد لعدّة سنوات.
الرئيس ترامب يتعامل مع هذه المسألة بطريقةٍ عُنصريّةٍ صِرفة، وأثار ضجّة كُبرى في بداية ولايته عندما فصل الأطفال عن آبائهم المُهاجرين، ووضعهم في مُعسكرات اعتقال نازيّة الطّابع، الأمر الذي أثار ضجّةً واسعةً داخل أمريكا وخارجها، خاصّةً في أوساط مُنظّمات حُقوق الإنسان والمُؤسّسات القضائيّة الأمريكيّة التي نجَحت في إلغاء هذه المُمارسات الفاضِحة.
ترامب الذي قتل أجداده البيض أكثر من مِئة مليون من الهُنود الحُمر، السكّان الأصليين لأمريكا، يُريد إحياء هذا الإرث الدّموي، ولكن بطريقةٍ مُختلفةٍ، والتخلّص من كُل اللّاجئين السّمر أو من ذوي أصول إفريقيّة، للحِفاظ على العِرق الأبيض وأغلبيّته في الولايات المتحدة.
هذه السّياسات العُنصريّة، التي طالت المُهاجرين المُسلمين أيضًا، هي التي ستُؤدّي إلى انهيار أمريكا وتفكّكها، وزعزعة استقرارها وأمنها، وهي السّياسات نفسها التي يُحاول الرئيس ترامب تطبيقها في مِنطقة الشرق الأوسط من خلال تدخّلاته العسكريّة لتكريس الهيمنة الإسرائيليّة ونهب ثرَوات المِنطقة.
أمريكا دولة مُهاجرين في الأساس، وشكّلت طِوال القُرون الثّلاثة الماضية من عُمرها حاضنةً لهؤلاء بغض النّظر عن لونهم أو عِرقهم، ويبدو أنّ عُنصريّة الرئيس ترامب واليمين المُتطرّف المُحيط بِه يُريد تغيير هذا الإرث وجعلها حِكرًا على اللّون الأبيض، ومِن المُؤسف أنّه يُريد تصدير هذه العُنصريّة إلى أوروبا، من خِلال دعمه لبعض السّياسيين العُنصريين البِيض مِثل نايجل فاراج وبرويس جونسون المُعادين للهِجرة، وأبرز المُؤيّدين لخُروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي، وحملته الشّرسة ضَد صديق خان، عُمدة لندن المُسلم الباكستانيّ الأصل.
أبناء أمريكا الجنوبيّة الذين يتدفّقون على أمريكا طلَبًا للهِجرة والعيش الكريم وفُرص العمل هم السكّان الأصليين لأمريكا الشماليّة والجنوبيّة معًا، وهُم ضحايا أوضاعًا اقتصاديّة ناجمة عن الحِصارات الأمريكيّة الاقتصاديّة والسياسيّة، ودعم الإدارات الأمريكيّة للأنظمة الديكتاتوريّة الفاسِدة، والمكسيك وفنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا وكوبا هي بعض الأمثلة في هذا المِضمار.
ترامب بات يُشكّل خطَرًا على أمن العالم واستِقراره من خلال سياساته الفاشيّة العُنصريّة، ولذلك يجِب أن يُواجِه جبهة مُوحّدة داخِل أمريكا وخارِجها للتّصدّي له، ووقفه عند حدّه في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ، وقبلَ أن يفوت الأوان.