سكاي برس
عزّز تكليف رئيس جهاز المخابرات العراقي، مصطفى الكاظمي، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، قبل أيام قليلة، الانقسام الحاصل بين مليشيات عراقية مختلفة ضمن "الحشد الشعبي"، والتي زادت من تدخلها في المشهد السياسي منذ استقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إثر تفجّر التظاهرات الشعبية في بغداد، ومدن جنوب ووسط البلاد. وفي الوقت الذي التزمت فيه فصائل مسلحة الصمت حيال تكليف الكاظمي، واكتفت بإعلان احترامها لتوافق القوى السياسية الشيعية حيال الخطوة، صعدت مليشيات أخرى من لهجتها الرافضة ضد رئيس الوزراء المكلف، واعتبرت إناطة مهمة تشكيل الحكومة به مؤامرة أميركية.
كتائب حزب الله، إحدى أبرز المليشيات المرتبطة بإيران، والتي اتهمت في وقت سابق مصطفى الكاظمي بالتواطؤ مع الولايات المتحدة في عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، اللذين قُتلا بضربة جوية أميركية في بغداد مطلع العام الجاري، إلى جانب مليشيات أخرى أبرزها "الإبدال"، و"العصائب"، و"النجباء"، و"كتائب الامام علي"، و"سرايا سيد الشهداء"، و"الخراساني"، تعدّ اليوم أبرز الفصائل المسلحة الرافضة تكليف الزرفي، وسط استمرار التعويل على جهود يمضي بها رئيس تحالف "الفتح"، هادي العامري، من أجل إخضاع تلك الفصائل لقرار الكتل السياسية الشيعية، ووقف تدخلها في المشهد السياسي العام.
ووفقاً لمصادر سياسية عراقية، فإن مساعي يبذلها زعيم تحالف "الفتح"، هادي العامري، وشخصيات سياسية أخرى معه حيال وقف التصعيد الإعلامي من قبل تلك الفصائل ضد رئيس الوزراء المكلف، أو محاولة عرقلة تشكيل الحكومة على غرار ما حدث مع رئيس الوزراء المكلف السابق عدنان الزرفي.
وبيّنت تلك المصادر، في أحاديث منفصلة ، بأنه في الوقت الذي رحبت فيه إيران بتكليف مصطفى الكاظمي، فإن الفصائل الأقرب منها ترفضه، وهو ما يعيد الحديث عن وجود صوتين داخل إيران بعد مقتل قاسم سليماني، الأول متشدد للحرس الثوري، والثاني للخارجية الإيرانية، في دورها بالملف العراقي، وتحديداً أزمة تشكيل الحكومة الجديدة.
وأكدت المصادر أن الأزمة زادت من الانقسام بين الفصائل نفسها، فهناك من أذعنت لتوافق قادة الكتل السياسية الشيعية، وهناك من رفضت واعتبرت الكاظمي ورقة أميركية وسيقوم بعمليات تحييد واسعة للفصائل المسلحة عموما، واعتبرت اختيار الكاظمي نجاحاً لواشنطن بالعراق، ولوّحت بمواقف مشددة في حال محاولته نزع سلاحها، أو مماطلته بتنفيذ قرار إخراج القوات الأميركية.
ومن بين تلك الفصائل كانت مليشيا "سيد الشهداء"، والتي قال زعيمها أبو آلاء الولائي، في تغريدة له، "حينما يكون بيع دم الشهيد بطاقة مرورٍ لكرسيّ السلطة! يكون الثأر عنواناً لكرامةِ الأوفياء وحينما يكون التخبّط دليلاً على العجز والانهيار، يكون الثبات وفاء لدماء القادة الشهداء .. ننتظر وينتظرون".
بدورها، أكدت مليشيا العصائب، أنها تنتظر تطبيق شروطها من قبل الكاظمي. وقال زعيمها قيس الخزعلي، في تصريح متلفز، إن "هناك شروطاً يجب على الكاظمي تنفيذها، وهي الالتزام بقرار البرلمان بإخراج القوات الأميركية، والحفاظ على الحشد الشعبي، والاستمرار بتنفيذ اتفاقية العراق مع الصين، وألا يكون العراق رهناً للخارج"، ولم يحدد الخزعلي موقفه في حال لم ينفذ الكاظمي تلك الشروط أو أحدها.
تزامن ذلك مع بيان لمليشيا "كتائب حزب الله"، وصفت فيه ترشيح الكاظمي بأنه "مؤامرة"، وشخصية الكاظمي بـ"المشبوهة". وذكرت المليشيا، في بيان نشر على موقعها الرسمي، أن "الإجماع على ترشيح شخصية مشبوهة هو تفريط بحقوق الشعب وتضحياته وخيانة لتاريخ العراق"، واتهم البيان القوى السياسية التي تمثل "الأغلبية" بـ"الاستسلام والرضوخ والعجز"، فيما هددت بالاستمرار في ملاحقة "المتورطين" بقتل قادتها.
مقابل ذلك، رأى السياسي الكردي محمود عثمان أن "الدعم الذي قدم للكاظمي هو دعم مشروط، وسيتضح ذلك بعد تشكيله الوزارة، وعندها ستعرف الشروط التي أمليت عليه من قبل بعض الجهات"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة الأعقد التي سيواجهها الكاظمي تتعلّق بموقف بعض الفصائل المسلحة تجاه وجود القوات الأميركية بالعراق، والتي تضغط باتجاه إجبار الكاظمي على تنفيذ ذلك".
وأكد أن "إيران لم تقبل بالكاظمي أساساً، ولم تقبل به إلا على مضض، وهو موقف جسدته بعض الفصائل الموالية لها، والتي تعمل على الساحة العراقية"، مشيراً الى أن "الانقسام واضح بين الفصائل المسلحة، وأن بعضها أعلنت رفضها رسمياً، وأن هذا الانقسام ستكون له تداعيات على البلاد"، وأكد أن "التأييد الأميركي للكاظمي سيحرج الكاظمي أكثر، إزاء تلك الجهات القريبة من المعسكر الإيراني".
ويرى مراقبون أن الانقسام بين تلك الفصائل ستكون له آثار خطيرة على البلاد وعلى حكومة الكاظمي المرتقبة"، وقال الخبير الأمني، هاشم العبيدي، وهو ضابط برتبة لواء في الجيش العراقي السابق، إن "انقسام تلك الفصائل بالتأكيد سيضعفها، لكنه أيضاً سيجعل الحكومة المرتقبة تدور بين محورين لتلك الفصائل وتحاول السيطرة عليهما، وهذا بحد ذاته سيكون استنزافاً لجهد حكومة جديدة".
وقال العبيدي إن "الانقسام بين الفصائل بدأ بعد مقتل أبو مهدي المهندس، واليوم تعمق أكثر، وقد يظهر للعلن بعدما اختلفت الوجهات والمحاور، فالرافضون للكاظمي هم ضمن المحور الإيراني، ويعتبرون الفصائل والجهات المؤيدة للكاظمي أنها أصبحت ضمن المحور الأميركي، وهذه نقطة خلاف خطيرة".
وأشار إلى أن "ما نلاحظه حالياً من تشكيل فصائل جديدة، كعصبة الثائرين وغيرها من الفصائل، هو تجسيد لهذا الانقسام الخطير الذي قد يصل الى حد الصدام المسلح، وهذا ما سيكون خطيراً على البلاد".