سكاي برس/ بغداد
طرحت صحيفة "آسيا تايمز" التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، أن تركيا وإسرائيل تقتربان من احتمال المواجهة العسكرية بينهما في سوريا ما بعد الأسد، بشكل خطير، وهو ما سيفرض على الولايات المتحدة وحلف "الناتو" وضعاً صعباً.
وأشار التقرير، إلى أن السؤال الرئيسي الذي يتعين على رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يطرحه على نفسه هو: ما إذا كان ينبغي لحكومته أن تكون راضية عن الوضع الحالي أو ما إذا كانت المسألة تستحق المجازفة بالتصدي للنزعة التوسعية التركية الآن وليس لاحقاً؟.
"لجنة ناغل"
وبعدما لفت التقرير إلى أن الكثير من الغموض يحيط بالأطراف الفاعلة الخارجية الناشطة على الأرض في العراق وسوريا، وهو ما يطال الدور الذي قد يسعى الجيش التركي إلى القيام به في الجوار القريب لها الآن بعد سقوط بشار الأسد، أشار إلى أن ما يعرف بـ"لجنة ناغل" الإسرائيلية (لجنة فحص ميزانية الأمن وبناء القوة الحكومية) طرحت تقييماً مؤخراً مفاده أن خطر الصراع المباشر بين إسرائيل وتركيا، حقيقي، وهو ما دفع عدداً من الإسرائيليين البارزين إلى دعوة حكومتهم للاستعداد للحرب مع تركيا.
ورأى التقرير أن سقوط نظام الأسد، أتاح نافذة فرصة سياسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنقل المعركة إلى الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا "روج آفا" المدعومة من الولايات المتحدة، حيث أصبح المقاتلون الكورد عرضة للهجمات المستهدفة من قبل القوات التركية والميليشيات التابعة لها، فيما تهدد أنقرة الآن بشن عملية عسكرية واسعة ضد حلفاء الولايات المتحدة ما لم يقبلوا شروط أنقرة حول مستقبل سوريا.
ولفت التقرير إلى أن التوسع التركي يشكل تهديداً وجودياً لحلف "الناتو"، مذكراً بأن تركيا والولايات المتحدة كانتا خلال العامين الماضيين، قريبتين بشكل خطير من المواجهة المباشرة في سوريا.
وأوضح التقرير أن الجيش الأمريكي، وفي ظل إدارة بايدن، اتخذ خطوة استثنائية بإسقاط طائرة مسلحة مسيرة تابعة لتركيا، حليفته في "الناتو"، عندما حلقت على مسافة 500 متر من الجنود الأمريكيين، مضيفاً أن ذلك كان بمثابة "أول استخدام أمريكي للقوة العسكرية ضد تركيا"، في حين شهدت أمريكا نقاشاً عما إذا كان الوقت قد حان لكي يدفع البيت الأبيض من أجل تعليق عضوية تركيا في "الناتو".
ولفت التقرير إلى انهيار موقف التكيف مع النزعة التوسعية التركية في أوساط السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسية خلال العام الماضي.
الإدارة السورية الجديدة
ولهذا، يقول التقرير إن "إدارة نتنياهو في إسرائيل تواجه وضعاً محيراً".
وبعدما ذكر التقرير بأن النظام الجديد الموالي للإسلاميين في دمشق يقول إنه يريد السلام مع إسرائيل، إلا أنه اعتبر أن هذا السلام سيتحقق بتكلفة باهظة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي ومصالح السياسة الخارجية.
وأوضح أن الأمر لن يكون مقصوراً على المجازفة بانهيار مقاومة الفصائل الموالية للغرب في أنحاء سوريا كافة، بل سيكون مجازفة أيضاً بإنشاء منطقة نفوذ عثمانية جديدة على طول الحدود الشمالية لإسرائيل.
ورأى التقرير أنه سيكون أمام قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة وإدارة دونالد ترامب، خيارات صعبة أيضاً، مشيراً إلى أنه من دون الدعم الكبير من جانب الولايات المتحدة، فقد لا تتمكن القوات الكوردية المتحالفة معها، من النجاة من هجوم واسع تشنه القوات التركية والميليشيات السورية المتحالفة معها.
وبعد الإشارة إلى سوابق استهداف القوات المسلحة التركية والمخابرات التركية للقوات العسكرية الأمريكية وحلفائها في العراق وسوريا، قال التقرير إنه من الصعب تصور كيف يمكن لإدارة ترامب أن تتقبل التوسع التركي المسلح بعد أن وجهت القوات المسلحة التركية أسلحتها نحو الجنود الأمريكيين.
قوات سوريا الديمقراطية
إلا أن التقرير لفت إلى أن المعضلة بالنسبة لقوات "قسد" هي أن الأمر قد يتطلب بضعة أشهر حتى تتمكن إدارة ترامب من تطوير نهج متماسك حول سوريا، بينما في الوقت نفسه يمكن للقوات التركية أن تحاول فرض سيطرتها من خلال شن هجوم واسع النطاق على "روج آفا"، وهو ما لن يترك لـ"قسد" أي خيار سوى اللجوء إلى الإسرائيليين.
وتابع التقرير أن السؤال الآن يتعلق بكيفية رد حكومة نتنياهو على ذلك، موضحاً أن أحد الخيارات هي تزويد "قسد" بما يكفي من الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي، لتكون قادرة على توسيع أراضي "روج آفا" نحو البحر الأبيض المتوسط.
وأضاف التقرير أن خطوة كهذه تلقى تأييداً من "قسد" باعتبار أن دولة كوردستان مستقلة قد لا تتمكن من البقاء على قيد الحياة بلا ضمان الوصول إلى البحر، في وقت لا يبدو أن أياً من جيرانها على استعداد لمنحها هذه الإمكانية.
واعتبر التقرير أن خطوة كهذه ستوفر لإسرائيل منطقة عسكرية فاصلة بين تركيا وبين مناطق النظام الجديد في دمشق، ويمنح إسرائيل أيضاً المزيد من النفوذ في الانخراط بمحاولة تشكيل مستقبل سوريا، إلا أن المشكلة تتمثل في أن ذلك قد يخلق مجازفة بوقوع مواجهة بين الجيش الإسرائيلي والموساد، وبين القوات التركية والاستخبارات التركية من جهة أخرى، ما سيثير تهديداً وجودياً لحلف "الناتو".
السيناريوهات المتعددة
وطرح التقرير السيناريوهات التالية، أولاً تقوم إسرائيل بشن هجوم مباشر على القوات التركية، وعندها ستطلب تركيا تطبيق أحكام "المادة الخامسة" لحلف "الناتو" التي تلزم الدول الأعضاء الأخرى في الحلف بالدفاع عنها.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل بأن تشن تركيا هجوماً مباشراً على القوات الإسرائيلية، وعندها فإن إسرائيل ستطلب من الولايات المتحدة ضرورة طرد تركيا من حلف "الناتو".
واعتبر التقرير أن هذين الاحتمالين، يطرحان ثلاث مشاكل أمام تركيا، حيث من المحتمل أن غالبية الدول الأعضاء في "الناتو" قد لا تكون راغبة في الانضمام إلى هجوم عسكري ضد حليف رئيسي من خارج الحلف، مضيفاً أن الاستثناء الوحيد يجب أن يكون ظرفاً استثنائياً مثل هجوم إسرائيلي غير مبرر.
أما المشكلة الثانية التي طرحها التقرير، فتتمثل بظهور دعم قوي لتعليق عضوية تركيا في حلف "الناتو"، وهو ما من شأنه أن يتجنب الاضطرار إلى الإجابة على السؤال غير المريح حول ما إذا كان يتحتم على تركيا الدفاع عن نفسها وفق السيناريو الأول. أما المشكلة الثالثة بحسب التقرير، فأنه سيكون هناك دعم قوي في واشنطن للتحرك من أجل الدفاع عن إسرائيل في إطار السيناريو الثاني.
وأضاف أنه بينما لن ترغب وزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية في الانخراط بمواجهة مباشرة مع نظرائهم الأتراك، إلا أنهم قد يكونون أكثر تقبلاً لدعم الجهود الإسرائيلية لفرض عواقب وخيمة في حالة وقوع هجوم مباشر. وختم التقرير بالقول إنه لهذه الأسباب، يتحتم على أردوغان السعي إلى تهدئة التوترات المتزايدة مع إسرائيل سريعاً، ما لم يكن قد قرر بالفعل أن يسعى لتحقيق مستقبل لتركيا من خارج "الناتو".