سكاي برس/ بغداد
"على العراق تجنب الارتدادات العكسية للوضع في سوريا من خلال العمل على بناء شبكة نفوذ وعلاقات في الداخل السوري، وأن الدخول من منفذ الإغاثة ودعم المسار السياسي والانتقال الديمقراطي للسلطة يصب في مصلحة العراق، أما اللامبالاة فهي قد تجعل الدول الأخرى تملئ الفراغ في سوريا".
هذا ما أفاد به مراقبون تعليقاً على "مبادرة الرافدين" التي أعلن عنها ائتلاف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، لدعم سوريا في مجالات إنسانية وسياسية، وذلك بهدف مساندة الشعب السوري في ظل الأوضاع الراهنة.
لكن في المقابل، يرى مراقبون آخرون، أن "التدخل في شؤون الدول الأخرى غير صحيح، وأن الدعم اللامحدود لدول إقليمية وخارجية هو أحد الأسباب التي أدت بتراجع صورة النظام السياسي وشعبيته لدى المواطنين العراقيين الذين هم الأحوج إلى المساعدات، فهم عانوا ولا يزالون من ظروف معيشية صعبة، في الوقت تشهد أغلب المحافظات العراقية نسب فقر كبيرة وتراجع في الخدمات وغياب فرص العمل".
المبادرة "مهمة" للعراق
وفي التفاصيل، يعتقد رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، أن هذه المبادرة تُعدّ ذات أهمية بالغة للعراق، لأن العراق بحاجة إلى بناء شبكة من النفوذ والعلاقات داخل سوريا لتفادي التأثيرات السلبية المحتملة للوضع هناك، مؤكدا أن دعم مسار الإغاثة والمساهمة في العملية السياسية والانتقال الديمقراطي في سوريا يعود بالنفع على العراق.
ويوضح الياسري أن سوريا تمثل تهديداً أمنياً سلبياً للعراق، مشيراً إلى أنه لتجنب هذا التهديد يجب على العراق التركيز على الاستثمار في مساحات الاستقرار بدلاً من التركيز على الجوانب الأمنية.
ويؤكد أن الدول التي استثمرت في الجانب الأمني مثل إسرائيل وإيران وروسيا قد تعرضت للخسارة في حال حدوث أي انتكاسة أمنية، بينما الدول التي تركز على الاستقرار، مثل تركيا التي تواصل استثماراتها في سوريا على الصعيدين الأمني والسياسي، فإنها ستحقق فوائد كبيرة، بما في ذلك في مجالات إعادة البناء عبر الشركات التركية ومعالجة قضايا مثل حزب العمال الكوردستاني.
وينوّه إلى أن "التنسيق لدعم المسار السياسي والاستقرار الاجتماعي والأمني في سوريا ينبغي أن يكون ضمن حلف وليس بشكل منفرد، كأن يكون مسار تتحمله الولايات المتحدة الأمريكية والعراق يكون جزءاً فيه، أو مع المجموعة العربية والخليجية، أي ضمن مسار عام وليس خاصاً، لتجنب حصول أي حساسة في المشاركة العراقية، أما اللامبالاة فهي قد تجعل الدول الأخرى تملئ الفراغ في سوريا".
ويؤكد الياسري، أن "العراق لديه مصالح في سوريا أبرزها الملف الأمني، وأي عدم استقرار في الداخل السوري سوف يؤثر على العراق، وهذا ما حصل في قضية داعش الذي كان نتيجة عدم الاستقرار الأمني فيها".
ويضيف، "كما أن القضية الكوردية وارتداداتها على العراق إذا لم يتدخل وتعامل مع سوريا باللامبالاة فهذا قد يجعل تركيا تستنسخ التجربة في الشمال العراقي، وهذا مهدد أمني وجغرافي".
ويتابع الياسري: "وكذلك في مسألة الأقليات العلوية والشيعية والمراقد الدينية الموجودة في سوريا، فهي تحتاج إلى تدعيم فكرة الضمانات السياسية والأمنية في سوريا لحمايتها، وهذه كلها احتياجات عراقية، وليس على العراق دفع المليارات لتحقيق هذا الأمر، بل بأخذ مسار وخطاب سياسي معين".
العراقيون هم "الأحوج"
في الجهة الأخرى، يرى المحلل السياسي، مجاشع التميمي، أن "الدعم اللامحدود لدول إقليمية وخارجية هو أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع صورة النظام السياسي وشعبيته لدى المواطنين العراقيين، ففي الوقت الذي تشهد أغلب المحافظات العراقية نسب فقر كبيرة وتراجع في الخدمات وغياب فرص العمل، نلاحظ أن هناك أموالاً بملايين الدولارات تنفق على دول إقليمية تسببت بأخطاء سياسية لدولها في تدميرها ونزوحها، والعراق ليس مسؤولاً عن سبب هذه الأزمات، لكنه تحمل جزءاً من هذه الأزمة مما جعله من أكثر الدول في تقديم المساعدات المالية الكبيرة أو المشتقات النفطية أو استقطاع جزءاً من المواد الغذائية والطبية المخصصة للشعب العراقي بغرض إرسالها إلى تلك الدول التي تشهد الحروب".
ويؤكد التميمي ، أن "العراقيين هم الأحوج إلى أي مساعدات تقدم من الدولة، لكن للأسف انتماء وولاء بعض القوى السياسية لأطراف خارجية يجعلها تكون داعمة لها أكثر من أبناء وطنها، وهذا الدعم لدول إقليمية دائماً ما يؤطر بأسباب دينية أو طائفية، وربما يكون بضغط خارجي على تلك القوى السياسية العراقية من أجل تقديم الدعم والإسناد".
وكان مجلس الوزراء العراقي قرر في 19 تشرين الثاني الماضي، استقطاع واحد بالمئة من رواتب موظفي الدولة "طوعياً" للتبرع بها إلى غزة ولبنان، سبقها إطلاق حملات إغاثية على المستويين الحكومي والخاص تشمل مواداً غذائية ومحروقات كما أرسلت مئات الأطنان من المساعدات إليهما.
"التدخل غير صحيح"
بدوره، ينتقد عضو مجلس النواب العراقي السابق، كامل نواف الغريري، "التدخل العراقي بما يحصل في سوريا والذي سبقه إرسال الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون على مدى السنوات الماضية وبعلم الحكومة العراقية إليها متسببة بخلق أعداء للبلاد، لذلك التدخل في شؤون الدول الأخرى غير صحيح".
ويضيف الغريري ، "كما أن التدخل في لبنان والتبرعات التي حصلت من رواتب الموظفين ليس لها داعي، حيث إن شعب العراق هو متعب ومر بظروف صعبة ولا يزال يعاني من النازحين داخل البلاد والمغيبين والمختطفين وبعضهم كان في سجون سوريا، ما يشير إلى فشل الحكومة وعدم قدرتها على قيادة البلاد بصورة صحيحة وحماية شعبها، في وقت هناك أبرياء في السجون العراقية دون القدرة على تشريع قانون العفو العام لإنصاف المظلومين".
الوضع "معقد"
من جهته، يقدم المحلل السياسي، ضياء أبو معارج الدراجي، رؤية عامة عن الوضع في سوريا، بالقول إن "الحكومة العراقية تراقب حالياً الوضع في سوريا ولم تقدم أي مبادرات وإنما هدفها حماية الأرض العراقية من الجماعات المسلحة والإرهاب، وكذلك تصريحاتها هي للحفاظ على وحدة الأرض السورية والحفاظ على حقوق أطياف الشعب السوري كافة، وكذلك استنكارها احتلال الكيان لأراضي سورية في الجولان وما حولها".
ويضيف لوكالة شفق نيوز، "وكذلك هناك تصريحات سياسية من هنا وهناك يطلقها قادة أحزاب وسياسيين تدعو إلى مبادرات مختلفة منها ما يدعو لدعم سوريا إنسانياً وفتح طرق التجارة معها، وذلك لموقعها المهم على ساحل البحر الأبيض المتوسط يمكن من خلاله إعادة تصدير النفط العراقي من جديد بعد انقطاعه منذ الحرب العراقية الإيرانية. وهناك من التصريحات ما يرفض التعامل مع الحكومة الانتقالية الحالية باعتبارها منظمة إرهابية وغيرها".
ويؤكد، أن "الوضع في سوريا معقد جداً لحد الآن، والسيطرة الحالية فيها لتركيا كدولة خارجية قدمت المساعدات كافة لهيئة تحرير الشام من أجل إسقاط نظام بشار الأسد، حيث سمح هذا السقوط لتوغل الاحتلال الصهيوني في عمق الأراضي السورية وتدمير ما يقارب 80٪ من قدرات الدفاع الجوي السوري وأسلحته الثقيلة وطائراته الحربية".
ويتابع حديثه، "بينما كان الدور الأمريكي مساعداً لهيئة تحرير الشام وضغطه على قوات سوريا الديمقراطية الكوردية للانسحاب من الأراضي التي تقدمت فيها بعد سقوط الأسد لاتمام الانقلاب الكامل وعدم إنجرار سوريا إلى اقتتال داخلي طائفي والذي تدفع له بشدة سياسات الكيان المحتل الصهيوني من أجل الحفاظ على أمن حدوده والتوغل أكثر في أراضي سوريا لمخطط قديم مذكور في رواياتهم الدينية يريد تحقيقها حالياً".
مبادرة الرافدين
وأول أمس الاثنين، أعلن ائتلاف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، عن إطلاق "مبادرة الرافدين" لدعم سوريا في مجالات إنسانية وسياسية، وذلك بهدف مساندة الشعب السوري في ظل الأوضاع الراهنة.
وقال الائتلاف في بيان، إن المبادرة تشمل شقين رئيسيين: الأول إنساني لتقديم الدعم الإغاثي لسوريا، والثاني سياسي لدعم التحوّل الديمقراطي في البلاد.
وأضاف، أن المبادرة الإنسانية تشمل "مبادرة الرافدين الإغاثية" إرسال شحنات من المواد الأساسية إلى الشعب السوري، بما في ذلك، شحنات من وقود التدفئة، شحنات من الأدوية الأساسية، شحنات من المواد الغذائية الأساسية.
وأوضح، أن المبادرة السياسية تستهدف وضع إطار سياسي واقتصادي يدعم التحوّل الديمقراطي السلمي في سوريا، ويعزز من وحدة واستقرار الدولة السورية، مبيناً أن المبادرة "الرافدين السياسية" تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة عبر التعاون مع دول الجوار العراقي، إضافة إلى مصر والإمارات.
وبين، أن العراق، بموقعه وأهميته، يجب أن يتخذ مبادرة إيجابية للتفاعل مع الأحداث الإقليمية، مشيراً إلى أن "اللامبالاة تشكل موقفاً سلبياً قد تملؤه قوى أخرى"، مشيرا الى أن المبادرة تأتي ضمن التزامات العراق تجاه دول المنطقة، ووفقًا لقيمه الإنسانية والتعاون المشترك.
وأكد البيان أن المبادرات الإيجابية تبني السلام وتعزز التفاهم بين الشعوب، فيما تقطع الطريق أمام الأجندات المغرضة، كما تسهم في تعزيز مكانة العراق الإقليمية والدولية كمركز فاعل للاستقرار والسلام.